الحق أقول أن سوء أداء الرئيس وحكومته، وتدهور الاقتصاد، وغياب الأمن، وأوهام ومخاوف الأخونة، وعجز المعارضة.. كلها أسباب تفسر ظاهرة الحنين لعصر مبارك، والإشادة بأيامه، بل والتطاول على الثورة وإدانتها!!
والمفارقة أن الحنين للمستبد الفاسد تشمل قطاعات واسعة من المواطنين البسطاء، الذين أضيروا فعلياً من عصر المخلوع، ولا تقتصر على الفلول أو المستفيدين من عصر مبارك، وهو ما يمثل تهديداً على ما تبقى من الثورة، وخطراً داهماً على حكم مرسى، أى أن الظاهرة تهدد الحكم والمعارضة على حد سواء، ولكن بصيغ ودرجات مختلفة.
فالرفض الشعبى للإخوان والرئيس وحكومته يتزايد وتتسع دوائره، خاصة أن حكم مرسى لم يحقق أى إنجاز، كما افتقر للمصداقية والوضوح واحترام القانون ومؤسسات الدولة، ويبدو أنه غير قادر أصلاً على تحقيق أى إنجاز، أو حتى الإبقاء على الحد الأدنى من الخدمات التى كانت الدولة توفرها للمواطن. والإشكالية أن هذا الفشل لا يصب فى مصلحة جبهة الإنقاذ، بل فى مصلحة مبارك وقوى الثورة المضادة، كما لا يصب فى زيادة معدلات المشاركة السياسية، بل على العكس قد ينعش ظاهرة العزوف عن المشاركة السياسية، واليأس من نتائج الصندوق.. بعبارة أخرى، المعارضة غير قادرة على الاستفادة من فشل مرسى وجماعته بشكل كامل، لأنها ما تزال تعمل بمنطق ردود الأفعال والإدانة والشجب، ومقاطعة الانتخابات، إضافة لكونها منقسمة على نفسها، فهى خليط واسع ومتنافر من الأفكار والشخصيات، وبالتالى غير قادرة على صياغة برامج وخطط بديلة لإنقاذ الوطن، أو قيادة الشارع وشباب الثورة.
القصد أن عدم وجود بديل للحكم الفاشل والمعارضة المنقسمة أدى إلى الحنين لمبارك أو تمنى عودة الجيش، وإذا كان من الصعب تصور عودة مبارك والعادلى، فإن الخيال الشعبى التمس فى الجيش بديلاً أفضل وأكثر واقعية، بالرغم من التشابه بين البديلين (مبارك والجيش). فالمخلوع حكم باسم المؤسسة العسكرية، واستناداً إلى شرعيتها واحتكارها للعنف، لكنه حافظ على الحد الأدنى من مستويات أداء أجهزة الدولة المصرية وتقاليدها منذ ثورة يوليو، فى توفير الخدمات الأساسية للمواطنين وفق عقد غير معلن بين الحكم العسكرى والمواطنين، مفاده الإذعان للاستبداد مقابل توفير خدمات الحياة الأساسية، ورغم تدهور تلك الخدمات وانسحاب الدولة وترهل أدائها، فإن صيغة العقد ظلت سارية طوال عصر مبارك.
وجاءت ثورة يناير للقضاء على عقد الإذعان للاستبداد والفساد، مقابل الخبز، لكن المفارقة المحزنة أن ثورة يناير أطلقت الحريات السياسية، وأدت إلى وصول فصيل سياسى للحكم، عجز عن توفير الأمن وفرص العمل والخدمات الأساسية، بل فشل فى إدارة الدولة والحفاظ على مؤسساتها، هنا كان من الطبيعى أن ينمو الحنين، ليس لمبارك الشخص وعائلته الفاسدة، وإنما للدولة المصرية ومؤسساتها بما تعنيه من احترام للقانون والقضاء، وتوفير للأمن ولمقومات الحياة الأساسية. المصريون باختصار يتطلعون للاستقرار ولدولة فاعلة تنحاز للفقراء، وقد وجد بعضهم أن دولة مبارك أفضل كثيراً من دولة مرسى والتى هى أقرب لمفهوم «اللا دولة» لأنها دولة الجماعة والأحباب والعشيرة!!
فى هذا السياق أعتقد أن رفض البعض للثورة وحنينهم لمبارك وأيامه، أو الرغبة فى عودة العسكر، كلها ليست عيوباً فى الشخصية المصرية التى يدعى البعض شغفها بالاستبداد، وإنما يأتى رفضا لسوء أوضاع الحكم والاقتصاد والأمن تحت حكم مرسى وجماعته، وتطلعاً مشروعاً لحياة أفضل ومستقبل فيه بريق من أمل.