مارسيل خليفة: الله أوجدنى فى الحياة لألحن قصائد «درويش».. وأتمنى أن يكون راضياً عنى

كتب: محمود الرفاعى

مارسيل خليفة: الله أوجدنى فى الحياة لألحن قصائد «درويش».. وأتمنى أن يكون راضياً عنى

مارسيل خليفة: الله أوجدنى فى الحياة لألحن قصائد «درويش».. وأتمنى أن يكون راضياً عنى

طرح الفنان اللبنانى العالمى مارسيل خليفة، أسطوانته الموسيقية الجديدة «أندلس الحب»، وقرر أن يهديها لروح صديقه وتوأمه الفنى محمود درويش الراحل عام 2008، وهى جزء من قصيدة مطولة، بعنوان «يطير الحمام» من ديوان «حصار لمدائح البحر». يتحدث «مارسيل» فى حواره لـ«الوطن» عن تفاصيل هذا المشروع الغنائى، وسبب ارتباطه الدائم بالشاعر الراحل، وعن حفله الغنائى الأخير الذى قدمه بمدينة الإسكندرية، وزيارته لمنزل الموسيقار سيد درويش، ورؤيته لأزمة الموسيقى العربية فى الفترة الأخيرة، ويكشف عن رأيه فى الأوضاع السياسية التى تمر بها بعض دول المنطقة ووطنه لبنان.

{long_qoute_1}

■ لماذا اخترت قصيدة «أندلس الحب» لتعود بها لجمهورك؟

- كان علىَّ أن أقدم التحية لصديقى الراحل الشاعر محمود درويش، ولم أجد أفضل من قصيدة «أندلس الحب» لأهديها لروحه، درويش ظل فترات طويلة يطلب منى تلحين تلك القصيدة، لكنى تأخرت فى تنفيذ طلبه، وبعد رحيله قررت أن أُظهر مشروعه للنور، وفضلت أن تكون تلك القصيدة هى مشروع الغنائى الجديد الذى أعود من خلال للجمهور بعد فترة غياب طويلة.

■ حدثنا عن تفاصيل هذا المشروع؟

- «أندلس الحب» قصيدة رومانسية تدور حول معاناة الحب، كتبها «درويش» عام 1984، فى قصيدة مطولة بعنوان «يطير الحمام» من ديوان «حصار لمدائح البحر»، وأقدمها مع فرقة «رباعى الميادين»، حيث أغنى أنا وأعزف على العود ويصاحبنى على «البيانو والإيقاع» رامى وبشار، وعلى «القانون» جيلبير يمين، ومن أبرز أبياتها الشعرية «لأنى أحبك يجرحنى الماء والطرقات إلى البحر تجرحنى والفراشة تجرحنى لأنى أحبك يجرحنى الظل تحت المصابيح.. يجرحنى طائر فى السماء البعيدة.. عطر البنفسج يجرحنى أول البحر يجرحنى آخر البحر يجرحنى ليتنى لا أحبك يا ليتنى لا أحب ليشفى الرخام.. يطير الحمام يحط الحمام»، وفى مقطع آخر من الألبوم «رأيت على الجسر أندلس الحب والحاسة السادسة على وردة يابسة أعادت لها قلبها» وقال: «يكلفنى الحب ما لا أحب يكلفنى حبها ونام القمر على خاتم ينكسر وطار الحمام».

■ كيف اكتشفت براعة ابنيك بشار ورامى الموسيقية؟ وماذا ستقدمون لجمهور عريض ينتظركم؟

- رامى وبشار هما اللذان اكتشفا مبكراً مساحات صوتهما وجمال الموسيقى فيه، وقررا أن يندمجا مع الموسيقى بموهبتهما.

{left_qoute_1}

■ لماذا ابتعد «مارسيل» عن القصائد الثورية فى «أندلس الحب»؟

- روح الثورة ما زالت مشتعلة بداخلى، وربما يكون هناك تصريح مباشر فى «أندلس الحب» بمضمون ثورى، إنما هى فى داخلها تحمل هذا المضمون بدون ما يكون فيه علم وألوح به.

■ هل توافق على تصنيف البعض لك بأنك تقدم فناً تحريضياً؟

- أرفض أن يصنفنى البعض بأن فنى تحريضى، فالفن إبداع وليس وسيلة إعلامية لكى تحرض شخصاً ضد شخص آخر، أنا إنسان فنان أقدم ما أرفض رؤيته فى الحروب ولكننى لست محرضاً ولا أمتلك أدوات التحريض فى أعمالى.

■ لمن تتوجه بهذا العمل؟

- هذا العمل موجه لكل الشخصيات التى صلبتنا فى هذه الحياة، ولكل الذين أحببناهم وعشقناهم بصدق وحب خالص غير مرتبط بأى عقد، أنا مؤمن بالحب، أنا إنسان أحب ومنذ البداية كانت قضيتى الحب، كم كنت أتمنى على كل الذين حفظوا الأغنيات عن ظهر قلب ورحلوا أن يعودوا إلى الحياة ليموتوا من الحب لا من الحرب.

■ ماذا تبقى لك من شعر محمود درويش؟

- ما زال يتبقى الكثير والكثير، فمحمود قيمة وقامة عظيمة سواء على المستوى الشعرى أو الفكرى، وأحاول جاهداً من فترة لأخرى أن أقدم عدداً من أعماله العظيمة التى تركها لنا، أمس كنت مرتبطاً بشخصيته وفكره، واليوم أصبحت علاقتى مقتصرة على شعره، وأتمنى أن يكون درويش راضياً عن كل ما أقدمه من أشعاره بعد رحيله، وأن يكون الجمهور متذكراً كيف اجتهد درويش من أجل تقديم تلك القصائد.

■ كيف ارتبط اسمك بالشاعر الراحل محمود درويش؟

- خلال فترة مراهقتى وقبل انطلاق الحرب ببلدى لبنان، كنت شاباً مولعاً بالموسيقى، حيث كنت قد تخرجت من معهد الكونسرفتوار، وطيلة تلك الفترة كنت أجمع الدواوين الشعرية وأحتفظ بها فى منزلى، وبعد أن انطلقت الحرب، انعزلت فى منزلى الصغير وبدأت أقرأ فى مجموعة الدواوين التى كنت أحتفظ بها، فوجدت أن معظم تلك الدواوين كانت لمحمود درويش، ومن هنا بدأت رحلتى معه، حيث إننى صرت ألحن تلك القصائد مع نفسى وظللت لسنوات أفعل ذلك، وهنا انفجرت بداخلى وبسبب تلك القصائد هموم القضية الفلسطينية وأصبحت متعاطفاً وبشدة معها، وتكونت ميولى اليسارية معها، ومن هنا قررت أن أبتعد عن قريتى ومدينتى، وأن أصدر أول أسطوانة خاصة لى، بعد سنوات عديدة من طرح الأسطوانة فى الأسواق، تقابلت بالصدفة مع محمود درويش وبدأت صداقتنا الحميمة، وظللنا لما يقرب من 10 سنوات لا نفترق، وعشنا معاً فى مدينة باريس وقدمنا خلال تلك الفترة أحلى وأجمل القصائد التى عشقها الناس.

{left_qoute_2}

■ هل كنت تجد صعوبة وأنت تلحن قصائد محمود درويش؟

- لا، أعتقد أن قصائد محمود درويش هى أسهل وأمتع القصائد التى لحنتها بحياتى الفنية، فأنا أرى أن الله أوجدنى فى هذه الحياة من أجل أن ألحن قصائده، فنحن كنا نكمل بعضنا البعض، فرغم اختلاف أفكار ورؤى محمود فى قصائده ولكننى دائماً كنت أعرف أتعامل معها، وسأظل أتعامل معها حتى بعد أن فارق حياتنا.

■ ما شعورك حينما تحيى حفلاً غنائياً أمام جمهورك المصرى؟

- دائماً ما أكون فى قمة سعادتى حينما ألتقى مع جمهورى المصرى، فمصر هى البلد الذى قدم لنا قامات فى تاريخ الموسيقى العربية، ودائماً ما تكون حفلاتى فيها ملتقى لتجمع الجاليات المشرقية، وأرى أن تلك الحفلات تكون عبارة عن احتفالات، لأن الجمهور يكون فيها متفاعلاً ومتشابكاً معى فى الغناء.

■ ما تقييمك لتجربة الغناء مع «أوركسترا مصرى» خلال حفلك الأخير؟

- تجربة مختلفة وجريئة بالنسبة لى، ربما وجدت صعوبة فى البداية لكونى لم أعتد على أن يصاحبنى أوركسترا مصرى فى الغناء، ولكن بالتدريب تخطينا كل الصعوبات واجتهدنا فى العمل وخرج الحفل فى أحسن صورة، وللعلم لم أتوقع أن يخرج الحفل بهذه الصورة الرائعة.

■ كيف رأيت مدينة الإسكندرية خلال زيارتك الأخيرة لها؟

- حزنت بشدة لما شاهدته من إهمال كبير فى الحى والبيت الذى ولد فيه الموسيقار سيد درويش، فكان يجب أن يتم تسليط الضوء والاهتمام بهذا المكان، فسيد درويش لا يخص المصريين فقط، إنما هو يخص العرب جميعاً، فسيد درويش هو من علمنا الموسيقى وفتح لنا آفاقاً فى الموسيقى العربية لم نكن نعرفها، وأتمنى وأطلب من المسئولين بمصر أن يحافظوا ويهتموا بمحل مولد هذا الفنان العظيم، أما عن الزيارة للإسكندرية فكنت سعيداً للغاية بها، حيث إننى تجولت فى الأماكن الشعبية بها وجلست لكى أشرب الشاى مع الشعب السكندرى الجميل وزرت عدداً من الأفران.

■ لماذا تكن كل هذا الحب لسيد درويش؟

- أنا جئت من بيروت لكى أبحث عن سيد درويش وموسيقاه، فهو بالنسبة لى هوية وذاكرة مدينة الإسكندرية، علينا أن نحافظ على ذاكرتنا بدلاً من أن نبحث عن شخصيات غربية ونجعلها ذاكرتنا وهويتنا.

■ ما الأغنية التى تحب أن تغنيها لسيد درويش؟

- طلعت يا ما أحلى نورها.

{long_qoute_3}

■ ما الذى سيغنى له «مارسيل» فى أعماله المقبلة؟

- أغنى وسأظل أغنى لكل أحلامى التى أتمنى أن تتحقق، وسأغنى للحب والوطن وللأمة التى أعيش معها، وسأغنى لصوت الجسد ونسيم الروح كى لا نموت فى المكان والزمان، فأحب الحياة والفصول.

■ كيف يخلق مارسيل خليفة موسيقاه؟

- أعتقد أن الشغف هو الذى يبدع بداخلى ويجعلنى أقدم موسيقاى، فإذا لم أكن شغوفاً بشىء فلن يكون لدىَّ إبداع من الأصل، فالفنان لا بد أن يكون شغوفاً بالكون الذى يعيش فيه، أو بجمال الطبيعة التى أوجدها الله سبحانه وتعالى، فالموسيقى الطبيعية لا بد أن تحرك المشاعر والأحاسيس مع كل نسمة أو لمسة تحدث فى الحياة، صوت العصافير وهبوب الرياح كل هذه الأشياء تجعل الإنسان قادراً على تقديم موسيقى، كما أن الإنسان بحالته هو نغمة منذ أن يخرج من رحم أمه إلى أن يدفن فى الأرض.

■ ما تقييمك لحال الموسيقى مع توديعنا لعام 2016؟

- أرى أن حال الموسيقى العربية مع توديع عام 2016 لا يختلف كثيراً عن حالنا السياسى الذى نعيشه، سيئ وردىء، فالفن الذى نقدمه حالياً هو فن يبحث عن كليب لكى يعرض السيارات الفارهة والهواتف الحديثة والفتيات اللاتى يلهثن وراء المطرب، حتى الأغنية البسيطة التى نقدمها أصبحت مفرداتها بلا معنى ولا هدف ولا تبرز أى شىء له قيمة، فكل ما نشهده الآن ما هو إلا تشويه للموسيقى العربية التى صنعت مجدنا وتاريخنا العربى، فنحن العرب الذين كنا نمتلك فى يوم من الأيام قامة فنية كبيرة مثل سيد درويش يصل بنا الحال اليوم لنشاهد هذه الكوارث فى الفضائيات، فأطلب من هؤلاء أن يكونوا رحماء بنا كمشاهدين ومتفرجين.

■ ما المشكلات التى تواجه موسيقانا العربية؟ وما الحلول لها من وجهة نظرك؟

- يصعب علىَّ أن أجاوب على المشكلات التى تواجه موسيقانا العربية فى سؤال بحوار، إنما هى تعد دراسة يناقشها وزراء وأدباء وكبار الموسيقيين، فمشاكل الموسيقى كبيرة وضخمة، وتحتاج إلى منظمات ودول لكى تعيدها إلى موقعها الأصلى، فمثلاً الجيل الحالى من الموسيقيين عليه أن يبدأ فى وضع مشروع موسيقى خاص به، فالناس فى حاجة ماسة للفن الهادف، فهؤلاء الشباب هم حائط صد قوى قادر على حماية الموسيقى مما نشاهده فى الفضائيات، ولذلك واجب على الأوبرا فى كافة الدول العربية أن تسمح بممارسة التجارب الموسيقية الجديدة وأن تحسن التعامل مع الشباب وأن تعطيهم الفرصة لكى يجربوا وأن تنظم لهم ندوات وتعطيهم اقتراحات.

■ هل تشعر بالرهبة حينما تحيى حفلاتك فى الدول الغربية؟

- إطلاقاً، أنا فى مهمة تبادل ثقافى مع هؤلاء، فأنا لست بائعاً ولا ذاهباً لكى أعطيهم خدمة، فأنا فنان ومبدع، وللعلم دائماً ما يكون إحساسى واحداً على أى مسرح غنائى أقف عليه، فمثلما غنيت بدار الأوبرا المصرية ودمشق والمغرب أشعر نفس الأمر حينما أقف على أعلى وأعظم مسارح العالم سواء البرت هول بلندن وشانزليزيه بباريس وأوبرا هاوس بسيدنى.

■ ما المسرح الذى تتمنى أن تقف عليه؟

- أحلم بأن يكون هناك مسرح كبير ببلدى لبنان أقف عليه، ولكن للأسف لبنان مكسور وشعبه يعيش عذابات مريرة فهناك ناس لا تجد طعام يومها.

■ لماذا يحمل مارسيل خليفة اللبنانى المسيحى القضية الفلسطينية على عاتقه؟

- القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية خاصة بأهل فلسطين، والإنسانية ليس لها بلد أو دين، وأنا مفرد مسيحى، تعلمت من المسيح كيف أحب الناس، فالإنسان لا بد أن يكون بداخله قيم وإنسانية لكى يتفاعل مع المجتمع وأن يبتعد تماماً عن الفكر الطائفى، فأنا لن أتخلى أبداً فى يوم من الأيام عن القضية الفلسطينية وسأظل أناضل فيها حتى نهاية عمرى.

■ هل ترى أن الفنانين العرب انشغلوا بحياتهم وتناسوا القضية الفلسطينية؟

- بالتأكيد، فنحن كأمة عربية يجب أن نضع القضية الفلسطينية فى أول اهتماماتنا، لأنها ليست قضية بلد إنما هى قضية أمة كاملة، وهذه الأمة لا بد أن تكون مرتبطة ببعضها البعض.

■ هل أنت متصالح مع فكرة الموت؟

- بالتأكيد، الآن وأنا بعمرى هذا لا بد أن أتصالح مع فكرة الموت، لأن الواقع ليس بقدرة أى شخص أن يغيره، ربما أنا صغير وبالتحديد فى مرحلة مرهقتى وشبابى كنت ضد فكرة الموت ولم أكن متصالحاً معها مطلقاً، وبالتحديد مع رحيل أبى وأمى، ولكن العمر والسنوات التى تمر على الشخص تجعله مجبراً على أن يتصالح مع تلك الأمور.

■ ما موقفك من النظام الطائفى الذى يدار به بلدك لبنان؟

- أنا ضد النظام الطائفى، لأننى عانيت الكثير منه، وبسببه حُرمت من التعايش مع أهلى فى قريتى، وحتى حينما توفى والدى لم أتمكن بسبب النظام الطائفى أن أحضر جنازته، فأنا إنسان ضد الطائفية والمذهبية والقبلية والمحسوبية، وأساند الشباب الذين يساندون تلك الفكرة، فالطائفية لن تبنى مجتمعاً صالحاً أبداً، ولن تقدم للمجتمع شباباً قادراً على استيعاب مفهوم المواطنة.

■ هل ترى أملاً مشرقاً فى حياتنا بوطننا العربى؟

- أين هو الإشراق الذى تتحدث عنه؟ فأنا دائماً أصرخ فى أغنياتى وأقول «تصبحون على وطن»، ولكن «أين هو الوطن؟»، «هل هناك حرية تعبير؟»، لا شىء جميل لدينا فى وطننا العربى.

■ هل هذا يعنى أن الأحلام تموت بداخلنا؟

- لا بد أن نحلم، لأننا بدون أحلام نموت، ولكن علينا أن نعرف أن استمرار دورة الإرهاب والإرهاب المضاد وضعنا فى أقل درجة، وهى درجة الفقر والانهيار، فالحروب التى عاصرناها قضت بشكل كبير على أحلامنا، فأنا متمرد على نفسى، والجميع عليه أن يتمرد على نفسه حتى يحقق أحلامه.


مواضيع متعلقة