تحضير الخليج لتغيير سياسى: أصبح ينظر على نحو متزايد إلى ولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 31 عاماً كصانع القرار الحاس

كتب: أحمد الطاهرى

تحضير الخليج لتغيير سياسى: أصبح ينظر على نحو متزايد إلى ولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 31 عاماً كصانع القرار الحاس

تحضير الخليج لتغيير سياسى: أصبح ينظر على نحو متزايد إلى ولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 31 عاماً كصانع القرار الحاس

إذا تحدث «سايمون هندرسون»، علينا أن نقف أمام ما يقول، لا بالتسليم والتصديق، لكن بالانتباه والتحليل.. فهذا العجوز لا يُخرّف عندما يكتب أو يتحدث عن منطقة الخليج العربى وسبق أن تحققت رؤيته وخرجت السطور من الأوراق إلى أفعال على الأرض، وصاغ التنبؤ أمراً واقعاً فى الإقليم.

وهذا الأسبوع، قرّر «سايمون هندرسون» الذى يعمل كمدير لبرنامج الخليج وسياسات الطاقة فى معهد واشنطن أن يُقدّم ورقة بحثية حول الخلافة فى الخليج، هذا هو القالب الذى خرجت به إلى النور، لكن السطور تكشف أننا أمام تقدير موقف محدّد ومريب فى الوقت نفسه، ويشير إلى أن ترتيبات سياسية جديدة يتم تجهيز وتحضير منطقة الخليج لها تجعل من «قطر» نموذجاً فى الحكم والخلافة لكل الأشقاء فى منطقة الخليج.. وإلى نص ما كتبه «هندرسون» ومناقشتنا لأفكاره.

قطر نموذجاً فى انتقال السلطة!!

توفى أمير قطر الأسبق الشيخ خليفة بن حمد آل ثانى عن عمر يناهز 84 عاماً، ليُغلق بذلك فصلاً من تاريخ الخليج. وكان الشيخ خليفة قد أَبعد ابن عمه عن السلطة فى عام 1972، قبل أن يطيح به ابنه «حمد» فى عام 1995. وقد أثار هذا الأمر غضب الدول المجاورة لقطر التى تكره سابقة إطاحة الابن بأبيه. وفى عام 2013، تنازل الأمير حمد عن الحكم لصالح ثالث أكبر أبنائه، الأمير تميم، مما شكّل على ما يبدو أول انتقال للحكم فى قطر دون اعتراض منذ مائة عام. والأمير تميم الذى يبلغ من العمر 36 عاماً فقط، متزوج من ثلاث نساء وله أربعة أبناء، لكن حالياً يبدو أن الوريث الظاهر هو أخوه غير الشقيق الأمير عبدالله. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال سلف «تميم» مستشاراً بصفته «الأمير الأب»، ورغم أن مدى تأثيره غير واضح، فإن بعض المسئولين الخليجيين يؤكدون أن السلطة لا تزال بيده.

{long_qoute_1}

وأياً كان المدى الحقيقى لتسليم الأجيال فى قطر، يمكن لنهج البلاد القائم على الخلافة من خلال التنحى أن يُشكل نموذجاً لجيرانها، لكن الخصومات التاريخية بين الأعضاء الآخرين فى «مجلس التعاون الخليجى»، أى المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، قد ترغمهم على اتباع مسارات أخرى -على حد تعبيره- أو تعليق أى قرار إلى أجل غير مسمى.

بهذا التقديم، قدّم «هندرسون» ورقته البحثية عن الخلافة فى الخليج جاعلاً من قطر نموذجاً يمكن تطبيقه.. هذا المدخل للتحليل ليس واقعياً إذاً، وإن كانت هناك روابط مميزة لدول مجلس التعاون الخليجى فإن لكل دولة سمات ومقومات وجغرافيا سياسية مختلفة وقدرات عسكرية متباينة وتنوع ديموجرافى مختلف.. ولكى تصبح قطر نموذجاً فإن هذا من وجهة نظرى لا يكون له سبيل للتحقق إلا إذا أصبحت قدرات ومقومات وجغرافية دول مجلس التعاون الخليجى مساوية لحجم قطر، وهو أمر يثير الريبة والقلق حول الأخطار التى تحيط بمنطقة الخليج العربى.

المملكة العربية السعودية

كانت المملكة العربية السعودية الشقيقة أول محطة ينطلق منها «هندرسون» فى تحليله، وهو أمر يتسق مع وضعها داخل مجلس التعاون الخليجى.. وحسب نص ما قاله «أصبح يُنظر على نحو متزايد إلى ولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 31 عاماً كصانع القرار الحاسم فى المملكة، بدلاً من والده الملك سلمان البالغ من العمر 80 عاماً أو ولى العهد الأمير محمد بن نايف البالغ من العمر 57 عاماً. ويُعتقد أن العاهل السعودى يُفضل الأمير محمد بن سلمان خلفاً له.

إلا أن تحقيق ذلك فى أى وقت قريب من شأنه أن يُشكل تحدياً فى حد ذاته. ويعود أحد أسباب ذلك إلى أنّ الملوك السعوديين عادة ما يستمرون فى الحكم إلى حين وفاتهم؛ فقد توفى الملك عبدالله فى عام 2015 عن عمر يُناهز 92 عاماً، وكان الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز فى الرابعة والثمانين من عمره عندما وافته المنية فى عام 2005، بعد عشر سنوات من إصابته بجلطة شديدة. وقد تُشكل سياسة القصر والمنافسات فيه عقبة كأداء أيضاً. وقد استخدم الملك سلمان سلطته الملكية بالفعل لتغيير ولى العهد وتسمية الأمير محمد بن نايف لهذا المنصب بعد ثلاثة أشهر من توليه العرش، لذا قد يُكرر الأمر نفسه فى أى وقت من الأوقات. لكن ما إذا كان الأمير محمد بن نايف والعائلة المالكة الأوسع نطاقاً سيقبلون بجعل الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد أو أن يتنحى الملك لصالحه، فهو موضوع قابل للنقاش، بما أن الدعم الذى تلقاه السياسات الأكثر حزماً للأمير الشاب كوزير للدفاع «وكصاحب رؤية» فى الشئون الاقتصادية، ليس بالأمر المعتمد بصورة شاملة.

ما سبق وكما ذكرنا نص ما قاله سايمون هندرسون حذفنا منه عبارة تخص الحالة الصحية لخادم الحرمين الشريفين لأنها تأتى خارج السياق ومصدر المعلومة الذى استند إليه الباحث كان تقرير سبق نشره فى «نيويورك تايمز».. وكما هو واضح من الرؤية التى طرحها تشكل مساساً بترتيب البيت السياسى السعودى فى توقيت بالغ الدقة، حاول أن يربط بين نموذج الأمير تميم مع نموذج الأمير محمد بن سلمان، مع أن الرابط الوحيد بينهما هو المرحلة العمرية، لكن السعودية ليست قطر.. السعودية مملكة مستقرة منذ تأسيسها، نمط الحكم فيها معروف وله آلياته، وتم تطويره بشكل أقرب إلى المؤسسية، حفاظاً على الكيان العام للمملكة، الذى بدا أن سايمون هندرسون يميل إلى إعادة تغييره.

الكويت

أما دولة الكويت الشقيقة فكانت المحطة الثالثة بعد قطر والسعودية فى تحليل «هندرسون»، وظهر أنه يترقب التطورات السياسية فى البلد العربى الشقيق، واكتفى برصد المشهد العام وقال نصاً: يبلغ الأمير الحالى الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح 87 عاماً من عمره، بينما يبلغ ولى العهد -أخوه غير الشقيق الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح- 79 عاماً. وعلى نحو تقليدى، تعاقبت عملية الخلافة بين فرعى أسرة الصباح -الأحمد والسالم- بيد أنه يتم تخطى فرع السالم فى تشكيلة فريق الحكم الحالية. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر الكويت فريدة الوضع بين دول الخليج العربى إذ يتعيّن على أى أمير محتمل أن يحظى أولاً بموافقة المجلس الوطنى، وهو هيئة منتخبة. ومؤخراً حل الشيخ صباح هذا المجلس، وسوف تجرى انتخابات فى نوفمبر الحالى لإعادة انتخاب مجلس جديد، مما يعيد طرح السؤال حول ما إذا كان الشيخ نواف سيحصل على هذه الموافقة فى يوم من الأيام.

البحرين

ركز سايمون هندرسون على التركيبة السكانية الخاصة بالبحرين وهو يقدم رؤيته المريبة عن الخلافة فى الخليج، وانتقل إلى تفاصيل دقيقة فى دوائر الحكم، وقال نصاً: إن ولى العهد المعين للملك حمد بن عيسى آل خليفة الذى يبلغ من العمر 66 عاماً، ابنه البكر الأمير سلمان (47 عاماً)، لكن هناك تكهنات بأن الأمير سلمان قد يفضل أن يتولى أخوه الأصغر، قائد «الحرس الملكى»، الشيخ ناصر (29 عاماً) مقاليد الحكم فى البلاد. أما القرار المرتقب الأكثر أهمية فيتعلق بعم الملك، الشيخ خليفة بن سلمان (80 عاماً)، الرجل المراوغ فى سياسة القصر الذى يتولى منصب رئيس الوزراء منذ فترة طويلة -على حد تعبيره- وقد اتخذ الشيخ خليفة وحلفاؤه فى العائلة المالكة السنية موقفاً متشدّداً ضد غالبية السكان الشيعة فى البحرين، مما يتناقض مع نهج التنازلات السياسية الذى يعتمده ولى العهد الأمير سلمان، لذلك قد ينظرون إلى الشيخ ناصر الشاب كملك مستقبلى أكثر مرونة [من غيره].

الإمارات العربية المتحدة

دق الإسفين بين آل نهيان وآل مكتوم كان ملخص اجتهاد سايمون هندرسون فى ما يخص دولة الإمارات العربية الشقيقة.. وقال «هندرسون» نصاً: تأسست الإمارات العربية المتحدة على يد الشيخ زايد آل نهيان حاكم أبوظبى، فى عام 1971، ويتم مبدئياً انتخاب رئيس الاتحاد كل خمس سنوات من قِبل حكّام الإمارات السبع. وعندما توفى الشيخ زايد فى عام 2004، تم «اختيار» ابنه الشيخ خليفة، لكنه فى الواقع ورث الحكم، نظراً للثروة النفطية لأبوظبى. إلا أن الشيخ خليفة عانى من المرض لسنوات كثيرة، وبينما لا تزال المراسيم تصدر باسمه رسمياً، إلا أن قيادة كل من أبوظبى ودولة الإمارات العربية المتحدة بحكم الأمر الواقع قد انتقلت إلى أخيه غير الشقيق ولى العهد الأمير محمد بن زايد، البالغ من العمر 55 عاماً.

ومع ذلك، فمن غير الواضح ما الذى سيحدث عندما يصبح الشيخ محمد بن زايد الحاكم الرسمى؟ فهل سيرغب فى نقل السلطة إلى أبنائه (إذ ذُكر اسم الشيخ خالد بن محمد، رئيس أمن الدولة المعين مؤخراً، كاحتمال ممكن) أو إلى إخوته؟ ومهما حدث، فسيستمر استبعاد حاكم دبى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، البالغ من العمر 67 عاماً، الذى هو نظرياً نائب رئيس الاتحاد، وأبنائه. وقد تكون دبى الواجهة، لكن أبوظبى هى مركز السلطة، ولا تحظى الإمارات الخمس الأخرى بهذه الأهمية.

سلطنة عمان

وحول سلطنة عمان كانت رؤية «هندرسون» تتسم بالغموض، وقال نصا: «نادراً ما يظهر السلطان قابوس بن سعيد الذى يبلغ من العمر 75 عاماً إلى العلن، وعندما ظهر فى العرض العسكرى فى نوفمبر 2015، بقى جالساً على مقعده. وسابقاً، أمضى ثمانية أشهر فى مستشفى ألمانى لتلقى العلاج.

وفى 14 أكتوبر، وفى خطاب غير مقنع -على حد تعبير الباحث- أعلن وزير الخارجية يوسف بن علوى أن السلطان «بخير» «وبصحة جيدة». كما صرّح لصحيفة سعودية بأن الخلافة العمانية «رُتّبت بطريقة واضحة» وأن «الناس خارج البلاد قلقون أكثر من أولئك الذين فى الداخل». وتجدر الإشارة إلى أن السلطان قابوس لم يعد متزوجاً، وليس لديه أولاد، لذلك سيتم تحديد خليفته من قِبل العائلة المالكة الموسعة. وفى هذا الإطار، يُعتبر ثلاثة من أبناء عمومته من أقوى المرشحين لتولى الحكم فى الوقت الحالى؛ وإذا لم تستطع العائلة الوصول إلى توافق، يبدو أن السلطان كان قد كتب رسالة سمّى فيها من هو اختياره [لمنصب ولى للعهد] فى حال عدم التوافق».

■ توصيات الباحث المخضرم للرئيس الأمريكى الجديد

بعدما فرغ من تقديم رؤيته المثيرة من ناحية التوقيت والمضمون، قدّم سايمون هندرسون توصيات عامة ظهر من السطور أنه يخاطب الإدارة الأمريكية المقبلة، التى ستتسلم البيت الأبيض بعد أسابيع.

ولخّصها فى النقاط الآتية:

أولاً: يجب إقامة التوازن بين آمال واشنطن بقيام قيادة قوية ومسئولة فى الدول الخليجية الحليفة وبين التفضيلات المحلية.

ثانياً: يتعيّن على الولايات المتحدة تجنّب أى مظهر من مظاهر التدخل فى الشئون الداخلية.

ثالثاً: يحمل المثال القطرى أملاً، ورغم أنه مجرد طريق واحد للمضى قُدماً، ولا يمكن اعتماده فى جميع الظروف، فإنه يدل على أن قادة دول الخليج ربما يسعون إلى اعتماد نهج جديد لمواجهة التحديات التاريخية.


مواضيع متعلقة