تنسيق الجماعات الإرهابية وسلسال الدم

جمال طه

جمال طه

كاتب صحفي

غضبنا، عندما حذرت السفارة الأمريكية وبعض السفارات الغربية رعاياها لتجنب أماكن التجمعات بالقاهرة 9 أكتوبر، والغضب فرية كفيفة تخلو من النُّبل.. فبعد خمسة أيام شنت «سرايا بيت المقدس» عملية جديدة، سقط فيها 12 شهيداً من قواتنا، وخرج التنظيم من نطاق نشاطه التقليدى فى رفح والعريش والشيخ زويد، إلى كمين زغدان جنوب بئر العبد، مقترباً من خط القناة، وبوابة وسط سيناء.. نقلة نوعية، وتوسيع نطاق المواجهة.

قبل فجر الجمعة 21 أكتوبر، هرب ستة مساجين من «سجن المستقبل» بأبوصوير محافظة الإسماعيلية، ضحى الرائد الحسينى بحياته للقبض على أحدهم.. أنشئ كسجن مركزى للترحيلات، وتحول لتنفيذ العقوبات، ما يعنى استيفاءه لاشتراطات الأمن المتعلقة بالتصميم والموقع والإنشاءات، ويصبح الأمر منوطاً بالبشر «المنظومة، القيادة، النزاهة».. العميد وائل عزام مأموره الأسبق، أكد أن السجن يسمح للسجناء ‏بدخول المحمول واللاب توب والتليفزيون، ورقيب شرطة متهم اعترف بإدخال المخدرات، والسيارات الخاصة بأسر المسجونين، مقابل رشاوى 2000 - 3000 جنيه للزيارة!!.‏. هرب عنصران إجراميان، أحدهما محكوم عليه بالإعدام، والآخر بالمؤبد يوليو 2014، وكاميرات المراقبة كشفت تواطؤ أمين شرطة ‏من قوة التأمين لتهريبهم بسيارته مقابل رشوة مالية!!، المحكمة قضت بالحبس 3 سنوات وكفالة 5 آلاف جنيه على 12 ضابطاً وأميناً، فالجريمة مجرد «جنحة إهمال»!!.

‏اعترافات الهارب المقبوض عليه، وتحقيقات النيابة، أكدت مجموعة وقائع صادمة.. تهريب أربعة بنادق آلية بذخيرتهم، للمساجين داخل العنابر، مقابل رشوة 100 ألف جنيه!!، اختراق أمنى، وتسيب، وعدم انضباط، وفقدان الولاء، لعناصر مندسة، عجزت الوزارة عن تحديد بعضهم، وترددت فى التخلص من البعض الآخر.. تمكنت عناصر مجهولة ومسلحة تستقل سيارة ربع نقل، من اختراق كافة الأنساق الدفاعية والوصول لحرم السجن، والتمركز بجوار السور، مما يعكس قصور خطة الدفاع عن المبنى.. تزامن إطلاق النار من جانب الهاربين، لفتح الطريق من العنابر للخارج، مع وصول المجموعة الخارجية للبوابات، على نحو يؤكد الاتصالات والتنسيق لحظة بلحظة باستخدام المحمول!!.. كاميرات المراقبة وجدت معطلة!!، وفوارغ طلقات الهاربين بعضها لأعيرة ميرى!!.. والأخطر أن ثلاثة منهم عناصر تكفيرية شديدة الخطورة، تنتمى لـ«بيت المقدس»، والرابع ضبط قبل أسبوع فقط أثناء محاولته تهريب 20 بندقية تليسكوب و31 ألف طلقة، و4 «سلاح متعدد»، وقذائف «أر بى جى» لسيناء عبر معدية سيرابيوم، والخامس يحاكم فى قضايا خطف وسطو مسلح على محلات الذهب، والأخير مخدرات.. جميعها أنشطة تستخدم فى تمويل الإرهاب.. عملية التنسيق بين التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية أضحت ظاهرة تستحق المتابعة.. ترتيب وتنفيذ عملية الهروب بعد أسبوع فقط من القبض على بعض المتهمين يؤكد أن عناصر من أطقم تأمين السجن، إما تتعاون مع التنظيمات الإرهابية والإجرامية، أو معروفة بفسادها، وجاهزة لمساعدة من يدفع!!.

العميد عادل رجائى اغتيل بإطلاق النار عليه أسفل منزله بحى العبور شمال العاصمة، صبيحة اليوم التالى 22 أكتوبر، حتى إن بعض المحللين ربطوا بين هروب المجموعة، وتنفيذ الاغتيال، لكن العملية نفذها «لواء الثورة»، إحدى المجموعات النوعية التابعة للإخوان، وهى تعكس مجموعة من الدلالات بالغة الأهمية.. الأولى: استهداف الشهيد يرجع لمسئوليته عن قيادة الفرقة 9 مدرعات، المعنية بتأمين القاهرة الكبرى والمنوفية والفيوم والمنيا وبنى سويف، تولت تأمين المنشآت الحيوية خلال أحداث يناير 2011، واستضافت بمقرها بدهشور لقاء السيسى مع الفنانين والمثقفين قبل 30 يونيو 2013، وعادت لتأمين المنشآت بعد 30 يونيو، ما يجعل قائدها هدفاً للإخوان، وهى التى كُلفت بهدم الأنفاق بين قطاع غزة ورفح المصرية ما يخلق ثأراً مع البدو المستفيدين بالتهريب عبرها، وشارك فى تطهير شمال سيناء من البؤر الإرهابية، ما يوقعه فى عداء مع التنظيمات الإرهابية، استهدافه إذن لم يأت بالمصادفة، ما يفرض التحرى عن مصدر تسريب البيانات المتعلقة بمحل إقامته، وروتينه اليومى.. الثانية: اختيار قيادة عسكرية رفيعة يعكس محاولة إثبات القدرة، وتوسيع نطاق الاغتيالات -خارج سيناء- لتشمل قيادات الجيش لأول مرة، فى نقلة نوعية جديدة للنشاط الإرهابى بالقاهرة الكبرى.. الثالثة: أنها تمت تنفيذاً لتهديد «لواء الثورة» فى ٥ أكتوبر بالرد على مقتل محمد كمال، مؤسس المجموعات النوعية التى تضم أيضاً «حسم»، و«المقاومة الشعبية»، فضلاً عن تزامنه مع صدور حكم نهائى بحق مرسى وقيادات «الإخوان» فى أحداث الاتحادية.. الرابعة: محاولة سحب مركز الاهتمام للعاصمة، وتخفيف الضغط عن الجماعات الإرهابية فى سيناء، التى بدأت تتأثر بشدة مما لحق بها من خسائر.. الخامسة: أن نجاح عملية الاغتيال بعد فشل محاولتى اغتيال على جمعة بـ6 أكتوبر، والمستشار زكريا عبدالعزيز، النائب العام المساعد بالتجمع الخامس -اللتين نفذتهما «حسم»- يعكس تطور الخطط، وتدقيق التحريات، وارتقاء التدريب، مما يُشكل عبئاً على أجهزة الأمن.. السادسة: أن تنفيذ الخلايا النوعية لتلك العمليات، إضافة لاغتيال الشهيد هشام بركات، وعناصر من الشرطة بالمحافظات، يؤكد أننا مقبلون على موجة من الاغتيالات قد تتسع لو تسللت بقايا «بيت المقدس» للوادى هرباً من المواجهة بسيناء، خاصة أن لها باعاً فى ذلك (اغتيال محمد مبروك - عملياتها المتعددة بالعريش..).

■■■

عملية زغدان لا تنفصل عن الهروب من سجن المستقبل، واغتيال العميد رجائى، بل وما يأملون فى حدوثه 11/11.. فالعلاقة بين التنظيمات الإرهابية والمجموعات النوعية للإخوان علاقة عضوية، والفصل مبرره الاعتبارات الأمنية والتنظيمية، ويكفى أن التنويه عن نشأة جماعة «أجناد مصر» خرج من «بيت المقدس»، والإعلان عن تدشين حركة «لواء الثورة» صدر من «حسم»، وتصوير وبث العمليات خبرات متبادلة.. وهناك نوع من توزيع الأدوار فيما بينهم، «حسم» مسئولة عن استهداف رجال الشرطة والرموز المدنية، و«لواء الثورة» مكلف بالكمائن والرموز العسكرية.. التحذير الأمريكى لم يأت من فراغ، CIA لها عملاء داخل التنظيمات، لذلك ينبغى أن تؤخذ تحذيراتها بجدية، خاصة أننا بصدد تطور نوعى خطير، يوسع النطاق الجغرافى للمواجهة ليقترب من القناة، ويغطى العاصمة، ويمد عملية الاستهداف، لتشمل قيادات الجيش، ويطور المواجهة لتتحول إلى استهداف لرموز مدنية وسياسية وإعلامية منتقاة تحدث أثراً مضاعفاً.. موقف بعض أمناء الشرطة يفرض مراجعة شاملة، التجاوزات لم تقتصر على الرعونة والاندفاع، ولا التكسب والتربح من الوظيفة، بل وصلت لتعاون مع التنظيمات الإرهابية بسيناء، وإمدادهم بعناوين وروتين عناصر الشرطة المستهدفة.. عمليات التحرى والمتابعة المتعلقة بهم، وبالخلايا الإرهابية والعمليات التى تقع ينبغى أن تتم بمشاركة هيئة الأمن القومى والمخابرات الحربية.. ذلك إذا أردنا بالفعل أن نضع حداً لسلسال الدم.