المتحف رقم 15 بالقرية الفرعونية
كلُّ شعوب الأرض تعتزُّ بحضاراتها القديمة وتشيرُ إليها ببنان الفخر، مهما صَغُرَت تلك الحضارات وقَصُرَت قامتُها على سُلَّم التاريخ، إلا نحن! كلُّ العظماء من مفكرى مصر، ممن نادوا باستنهاض هُويتنا المصرية، والتمسُّك بها، لاقوا العَنَتَ والسِّباب، وربما التكفير أيضاً! كأن مَن يقول إن مصرَ مصريةُ الهُوية، عربيةُ الهوى، قد خرج عن شرع الله! لماذا تمسَّكت إيران بهُويتها الفارسية، ولم تشأ أن تستبدل بها هويةً أخرى؟ لماذا تمسَّكت تركيا بهويتها التركية، وماليزيا بهويتها الماليزية، والهند وأندونيسيا وسواها من الدول الكثيرة التى دخلها الإسلامُ فاعتنقته، ولم تتخلَّ، مع إسلامها، عن هويتها ولا حتى لغتها؟ لماذا نحن فقط، دون من عدانا من الدول، ليس لنا عيدٌ نرتدى فيه زيَّنا الفرعونىَّ القديم، مثلما تخصص الدول يوماً يحتفلون فيه بأزيائهم القديمة؟ لماذا ضحَّينا بحضارتنا وهويتنا؛ رغم أنها أعرق، (وليست من أعرق)، الحضارات؛ بوصفها الأقدم فى التاريخ، إذ بدأت الحياة بأرضنا فى عصور ما قبل التاريخ، منذ 100 ألف سنة قبل الميلاد، لتبدأ كتابة حضارتها الرفيعة عام 4000 ق. م؟!
إجابة السؤال السابق تتلخَّص فى «التجهيل» المتعمَّد الذى مورس على شعب مصر منذ ستين عاماً لكى نفقد الانتماءَ إلى جذورنا الأولى، عن طريق تشويه تلك الحضارة الرفيعة، وقصِّها من التاريخ لو أمكن.
لهذا نُجلُّ هذا العالِم المثقف، الذى أسَّس «القرية الفرعونية» فى مدينة الجيزة لتكون كتاباً مرئياً حياً لكل من يعتزُّ بهويته ليتعلَّم منها مثلما تعلَّم منها العالم. لنعرف لماذا مصرُ، هى الدولة الوحيدة التى وُضِع باسمها عِلمٌ: «علم المصريات» Egyptology.
تقع القرية الفرعونية على جزيرة يعقوب بقلب النيل، وتضمُّ 14 مُتحفاً، تمثل كلَّ حقبةً من حقب مصر القديمة والحديثة. متحف كليوباترا، متحف التحنيط، متحف المراكب، متحف الأهرامات، متحف نابليون، متحف مصر الحديثة، متحف جمال عبدالناصر، متحف السادات، متحف محمد نجيب، نسخة طبق الأصل من مقبرة توت عنخ آمون، متحف الفنون والعقائد، المتحف الإسلامى، المتحف القبطى، وأخيراً، متحف ثورة 25 يناير. وأول أمس تم افتتاح المتحف رقم 15، وحمل اسم مؤسس هذه القرية الساحرة: د. حسن رجب.
وأما هذا المصرى العالم فهو مخترع جهاز ترميم ورق البردى، ومؤسس حزب «الخُضْر»، ومخترع أول آلة طباعة بالأبجدية الهيروغليفية، (لغتنا الأم التى اندثرت)، وصاحب عشرات الأبحاث العلمية والعديد من جوائز التقدير والأوسمة العالمية، وربما من المصريين القلائل الذين نجوا من الأمية التى نعانى منها جميعاً: أميتنا بلغتنا الأم، لأنه يتقن لغة أسلافنا.
والآن، ليسأل كلٌّ منَّا نفسه، وليتحسَّس رأسه: كم واحداً اصطحب أطفاله لهذه القرية لكى يقرأوا تاريخ أسلافهم؟ كم واحداً حكى لأبنائه عن أمجاد أجداده؟ كم واحداً أطلق أسماء أجداده على أبنائه كيلا يموت تاريخُنا؟ كم واحداً يعتزُّ بأنه حفيد أرقى حضارات الأرض؟ ويبقى سؤال مرٌّ: متى يصحو ضمير القائمين على وزارات التعليم لكى يكتبوا التاريخ الحقيقى لمصر القديمة، ويكفوا عن التزييف والكذب؟