الشباب «كلمة السر» فى مؤسسة مجدى يعقوب بأسوان: «فيها حاجة حلوة»

كتب: إمام أحمد

الشباب «كلمة السر» فى مؤسسة مجدى يعقوب بأسوان: «فيها حاجة حلوة»

الشباب «كلمة السر» فى مؤسسة مجدى يعقوب بأسوان: «فيها حاجة حلوة»

على بعد مسافة تمتد لأكثر من 900 كيلومتر من العاصمة، فى أقصى الجنوب بقلب محافظة أسوان على النقطة الأخيرة من شريط الصعيد، تلمع اللافتة التى يراها الزائر من بعيد: «مؤسسة مجدى يعقوب مركز القلب بأسوان»، لكنها ليست مجرد لافتة، بل عنوان لملحمة من العطاء والنظام والتقدم العلمى. فور السير خطوات قليلة إلى داخل المؤسسة عبر بوابتها الكبيرة يختلف كل شىء، فالعشوائية الموجودة فى شوارعنا لا أثر لها على الإطلاق، والروتين القاتل فى كثير من المؤسسات العامة أو حتى الخاصة غير موجود، صرح طبى وبحثى كبير يمتد عمره لنحو ثمانى سنوات منذ تأسيسه فى 2008، وتوسيعه فى 2012، حتى وصل إلى مرحلته الثالثة فى أكتوبر 2016 ليتم إنشاء صرح جديد يستكمل رحلة العطاء ويمتد على مساحة 3 آلاف متر عبر طابقين، ويضم معامل لبحوث القلب ومكتبة بأحدث وأهم البحوث العلمية وقاعة دراسية مجهزة وبنك حيوى لتخزين الدم وعينات الأنسجة ووحدة ﻵلام الصدر.

خلية نحل تعمل فى صمت، لا تكتفى بتقديم العلاج بالمجان فحسب، لكنها تبحث وتختبر وتجرب وتدرس وتطور، كل مجموعة فى معملها الخاص، وكل باحث أو طبيب يمكث أمام جهازه أو دراساته أو حالاته التى يتابعها، الأعظم وسط كل ذلك هو دائرة الأعمار السنية، فالجميع بين العشرينات والثلاثينات من أعمارهم، شباب مصرى مائة بالمائة درسوا على أفضل مستوى تعليمى واحتكوا بأساتذة الطب والعلوم فى جامعات العالم، وعبروا أصعب الاختبارات التى أشرف عليها السير مجدى يعقوب بنفسه، ليجتمعوا فى هذا المكان فى خدمة أهلهم من كل مصر، وفى خدمة العلم أيضاً.

فى الطابق الثانى من المبنى الجديد، وإلى جوار لوحة شرف تتصدرها صورة الأب الروحى للمكان ومن حولها صور عديدة لفريق من الباحثين الشباب، تقع حجرة المعامل والأبحاث وبداخلها 36 باحثاً، كل منهم يعمل فى مجال تخصصه، من بينهم الدكتورة هبة عجيب، المتخصصة فى مجال الهندسة الطبية، التى حصلت على شهادة الدكتوراه من برلين وعملت بأحد المراكز البحثة فى أوروبا لكنها عادت إلى جنوب مصر لتصبح أحد أعضاء فريق «يعقوب»، تغيير فى طريق سيرها العلمى لكنها سعيدة بقرارها وخطواتها رغم العائد المادى الأقل، تقول «هبة» النائبة للدكتور مجدى يعقوب بمجال الهندسة الطبية بالمؤسسة: «كلنا سعداء بالعمل هنا، المركز وظيفته بحثية بالدرجة الأولى لتطوير العلاج ودراسة المرض، للوصول لأفضل مستوى طبى على مستوى أسوان ومصر والعالم أيضاً»، مهام عديدة خاضها الدكتور مجدى يعقوب فى سبيل تشكيل هذا الفريق البحثى، الاختيارات كانت تخضع لضوابط ومعايير قوية جداً، بحسب «هبة»: «السير يعقوب اختار كل باحث بنفسه، ووفقاً لمعايير علمية وبعد مناقشات معه أشبه بالإنترفيو العلمى، حتى يطمئن بنفسه أن هذا الباحث الشاب لديه القدرات التى تؤهله للعمل فى هذ المكان والمشاركة فى تحقيق الأهداف والطموحات الكبيرة». أمل كبير يظهر فى حديثها وثقة فى قدرات المكان بكل العاملين فيه، وما زالت ترى أن الرحلة فى أول طريقها، «إحنا مفيش لحلمنا نهاية، مش هنقف أبداً، هنفضل فى حركة وتطور ومن خطوة إلى خطوة أفضل»، ووسط حديثها عن الأمل والأحلام، وجهت رسالة إلى الشباب المصرى طالبتهم فيها بأن يتمسك كل شاب بحلمه ولا ييأس أو يركن إلى الطاقة السلبية والشعور بعدم الجدوى، فواقع تجربتها تؤكد أن الأحلام الصعبة يمكن تحقيقها بالمثابرة والعمل، «اللى عنده حلم، مايسيبوش، يفضل متمسك بحلمه ويعمل اللى عليه أول وتانى وتالت، ولا ينتظر الفرصة لكن يحاول أن يصنعها لنفسه باجتهاده وعمله، الصعوبات والتحديات دائماً بعدها يكون هناك نجاح شريطة عدم الاستسلام، وفريقنا هنا فى مؤسسة مجدى يعقوب خير مثال على ذلك، كلنا مصريون والعالم كله يشهد بكفاءة الفريق وقوته وإتقانه».

العمل داخل المركز الجديد الذى يمثل المرحلة الثالثة من مشروع مجدى يعقوب فى أقصى جنوب مصر، يشمل فرعين علميين أساسيين، أولهما الهندسة الطبية، وثانيهما علوم الجينات والخلايا الجزعية، الباحث فيصل محمد خريج قسم البيولوجى جامعة جنوب الوادى 2007، أحد باحثى القسم الثانى بالمركز، يعمل مع عدد من الباحثين الآخرين على تشخيص المرض والاكتشاف المبكر له وتحسين فعالية العلاج، يقول: «بنحاول نضع صورة متكاملة للمرض، منذ ظهوره وتطوره وأعراضه وصولاً لحالته التى عليها المريض، هذه وظيفتنا وأعتقد أننا نؤديها بصورة جيدة داخل المركز لكننا نحاول دائماً للوصول للأفضل»، «فيصل» عمل لفترة عقب تخرجه فى معامل الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، لكنه قبل عام واحد دخل بأقدامه لأول مرة إلى مركز القلب بأسوان وهناك بدأت رحلته الجديدة، «اشتغلت هنا من سنة واحدة، حاسس إنى بشتغل وسط كتيبة متفوقة وفى أجواء علمية وبحثية تساعد على التقدم والعمل»، أحلام فيصل تمتد لمستوى مصر بالكامل ولا تقتصر على المعمل الذى يقضى فيه عدداً من الساعات يومياً، يقول: «أتمنى من كل رئيس شركة أو محافظ أو مسئول فى أى منشأة أو مؤسسة أن يعين إلى جانبه مستشاراً علمياً، ويستمع إليه ليساعده فى تطوير مجال عمله وتحسين مهامه التى يؤديها بأحدث الأساليب العلمية، بدلاً من استمرار الاعتماد على أساليب تقليدية لا تساعدنا فى أن نحرز التقدم، فالعلم أصبح متعلقاً بالاقتصاد والصناعة والتجارة والزراعة وكل المجالات، وليس بالصحة فقط»، رسالة أخرى يوجهها «فيصل» إلى طلبة الأقسام والتخصصات العلمية قائلاً: «مصر فيها كفاءات ونبغات كتير جداً، لكن بنناشد الشباب الصغير والطلبة بأنهم لا يتوقفوا عند شهادة الجامعة، لكن يكملوا فى طريقهم البحثى والعلمى، حتى لو هناك شعور بأن العلم غير مقدر، هذا غير صحيح، العلم هيفرض نفسه ويا ريت كل الطلبة يسلكوا الطريق لنهايته».

نشاط المركز البحثى لا يقتصر على الحالات المرضية التى تطرق أبواب مؤسسة مجدى يعقوب بأسوان فقط، لكنه يمتد إلى جامعات ومستشفيات ومراكز أخرى داخل وخارج مصر، يتواصل معها لنقل الخبرات وبحث أحدث النظم العلمية الجديدة، الباحثة ياسمين محمد التى أنهت دراستها فى العاصمة البريطانية لندن بجامعة هارفارد، شاركت فى عدد من الدورات والبعثات وهى الآن تباشر عملها فى معمل دراسة الخلايا بمركز القلب، «من أنشطتنا التنسيق والتواصل مع المراكز العلمية فى الخارج وكبرى الجامعات، وذلك لتحسين الأداء واكتساب الخبرات وتبادل الأبحاث العلمية، الدكتور مجدى يعقوب يهتم جداً بهذا الأمر ويحفزنا عليه، لأن العلم لا يتوقف عند خطوة معينة، ومن لا يتقدم باستمرار سيتراجع إلى الخلف»، «ياسمين» ترى أن المؤسسة التى جمعت كل هؤلاء الباحثين الشباب بقيادة الدكتور مجدى يعقوب، تستطيع أن تكون نواة لتغيير حقيقى فى مصر وأفريقيا والشرق الأوسط على المستوى العلمى والبحثى، بل يمتد تأثيرها للعالم، تضيف: «إحنا كله أصبح بيثق فينا جداً، ولما بنروح بره فى ندوة أو مؤتمر علمى أو دورة تدريبية بنشوف هذا التقدير منهم، إحنا مصريين وقدرنا نحقق هذا المستوى وفخورين جداً بنفسنا وعايزين نعمل ونقدم أكتر لينا ولبلدنا وللعلم عموماً»، تتمنى الباحثة الثلاثينية تحسين مستوى التعليم فى مدارس المراحل الأساسية فى جميع محافظات مصر، ومدها بالاحتياجات والمعدات العلمية اللازمة، لأن التعليم هو الأمل الأكبر بحسبها: «إحنا شغالين على البحث العلمى وحققنا خطوات جيدة جداً، لكن سيبقى التعليم تحديداً الابتدائى والإعدادى هو الركيزة التى يمكن أن نعتمد عليها كدولة، ليكن البحث العلمى منهجاً عاماً وأسلوب حياة، ومن أجل المستقبل والأجيال المقبلة».

على اختلاف تخصصاتهم وأقسامهم داخل مركز القلب، تختلف كذلك أحلامهم وأمانيهم، لكنهم اتفقوا جميعاً على قيمة العمل والإتقان والعطاء، بحسب ما يقول الدكتور وائل عبدالعال، المدير التنفيذى لمؤسسة مجدى يعقوب، قائلاً إن العمل داخل المؤسسة يقوم على مبادئ وأهداف، أهمها استراتيجية التغيير للأفضل، وأوضح خبير الموجات الصوتية للأطفال: «هذا المفهوم يخلق حالة داخل المؤسسة وبين فريق الباحثين متميزة جداً، كلنا نسعى للتغيير للأفضل، لأن من لا يتحرك نحو الأفضل يتحرك نحو الأسوأ، ونبذل قصارى جهدنا من عمل وعطاء لتحقيق الأهداف التى نسعى إليها، وأحلام وتطلعات المصريين».


مواضيع متعلقة