لماذا تفشل مصر فى الابتزاز السياسى؟!

رامى جلال

رامى جلال

كاتب صحفي

على المستوى الإنسانى فإن الابتزاز هو عمل لا أخلاقى، وقانوناً هو جريمة، أما فى نطاق الدول فإنها تبتز بعضها طوال الوقت لتحقيق مصالحها، فإن كنت تظن أن السياسة بها أخلاق أو عواطف أو دين أو قيم أو مثاليات، فلا تضيع وقتك بقراءة باقى المقال.

«الابتزاز» أو الضغط هو أحد الأسلحة السياسية المتعارف عليها، التى تُستخدم دوماً، وتتم عادة بشياكة وأحياناً بفجاجة، ومصر لا تبتز أحداً، ليس لأنها دولة أخلاقية، بل لأنها ببساطة ضعيفة فى هذا البند.

كوريا الشمالية وإيران تبتزان أمريكا بالنووى، وأمريكا تبتز السعودية بقانون «جاستا»، والسعودية ابتزت لبنان بمساعدات عسكرية ومعونات لوسائل إعلامية.

أما تركيا فتبتز ألمانيا -قلب الاتحاد الأوروبى- بالعدد الكبير للجالية التركية وللألمان من أصل تركى فى ألمانيا، الذين راعت تركيا طوال سنوات ألا تقطع صلاتها بهم، وأن يحافظوا على الثقافة التركية على الأرض الألمانية، (تذكر خمسون ألف تركى احتشدوا دعماً لأردوغان فى مدينة كولن الألمانية منذ شهور)، وتركيا تبتز الاتحاد الأوروبى كله كذلك بورقة اللاجئين لكى تدخل منطقة الشنجن وتعفى مواطنيها من تأشيرات الدخول لدول الاتحاد الأوروبى، وروسيا تبتز العالم كله بسوريا لأسباب كثيرة أبسطها تخفيف الضغط عليها فى أوكرانيا، الخليج يبتز مصر عبر التقارب مع إثيوبيا باستثمارات ضخمة، ويبتزها كذلك عبر سلاح البترول، وعبر ورقة العمالة المصرية المليونية هناك، واحتمالية إعادتهم فى أى وقت، مصر لديها أوراقها وليست قليلة الحيلة كما يقول البعض، إذا ضغطوا علينا بالنفط الخليجى، فهناك بدائل كثيرة: فيمكننا -بترتيب قوة ورقة الضغط- استيراد البترول من إيران، وهذا ليس عيباً أو حراماً، وتذكروا أن مصر فى حرب أكتوبر حصلت على البترول من شاه إيران وليس من آل سعود، وبالمناسبة نحن نتعاقد على استيراد غاز من إسرائيل الآن، فما المانع من أخذ بترول من إيران؟! كذلك يمكن استجلاب البترول من روسيا باستخدام الروبل الروسى وليس الدولار، وهو إجراء موجع لأمريكا، ويمكننا أيضاً اللجوء لفنزويلا صديق أمريكا اللدود فى فنائها الخلفى، إن كان الآخرون يتغذون على الطائفية، التى هى ضد الوسطية المصرية، فلنعد العلاقات التجارية مع إيران ونسمح بعودة السياحة الإيرانية الدينية، وفتح المجال لملايين المسلمين الإيرانيين لزيارة آل البيت (مع تأمين الوضع داخلياً لكى لا تحدث فتن)، أما بالنسبة لإسرائيل، فيمكن دوماً الضغط عليها عبر اتفاقية كامب ديفيد وإعادة نشر القوات فى المنطقة جيم بسيناء (بعض بنود المعاهدة الآن مجرد حبر على ورق)، تركيا التى آوت فلول جماعة الإخوان رسمياً وعادت الدولة المصرية بشكل مباشر وصريح، كان على أى جهة مصرية، رسمية أو خاصة، دعوة «فتح الله كولن»، غريم أردوغان اللدود، ليحاضر فى مصر عن تجربة مؤسسة الخدمة فى تركيا، مثال بسيط لضغط ناعم تأخر لسنوات، أمريكا تضغط على مصر، حسناً، بعيداً عن أية شعارات وحساسيات، ستكون منطقة الشرق الأوسط ميداناً مفتوحاً لصراع قوى كبرى خلال الشهور المقبلة، واتخاذ مواقف واضحة -أو حتى التهديد باتخاذها- أمر مهم، وجود قواعد عسكرية مصرية فى أى دولة عربية أمر عادى، كما أن «الحديث» أو «التلميح» بإمكانية وجود قواعد عسكرية مشتركة، مصرية روسية، على الأراضى المصرية ليس رجساً من عمل الشيطان، بل تهديد مباشر لأوروبا، وورقة ضغط ساحقة ضد أمريكا.

إن كانت مصطلح ابتزاز يضايقكم بمعايير أخلاقية، ففضلاً عن أن السياسة لا تعرف الأخلاق، فيمكنكم أن تسموه مساومة أو مفاوضة أو حتى سموه «مشمش» لكن أهم شىء ألا يكون مشمش فى المشمش!