«البنك الدولى»: السعودية وتركيا ومصر وروسيا أكثر الدول تصديراً لمقاتلى «داعش»

كتب: محمد الدعدع

«البنك الدولى»: السعودية وتركيا ومصر وروسيا أكثر الدول تصديراً لمقاتلى «داعش»

«البنك الدولى»: السعودية وتركيا ومصر وروسيا أكثر الدول تصديراً لمقاتلى «داعش»

تسارعت وتيرة الهجمات الإرهابية التى انطلقت فى بلدان العالم منذ 2001 بشكل كبير، ووقع 57% من هذه الهجمات فى 5 بلدان فقط، هى العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان ونيجيريا، وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمى 2015. ولا شك أن ارتفاع وتيرة هذه الهجمات دفع كثيرين نحو تقصى الأسباب وراء تفشى هذه الظاهرة، وأبرز العوامل المؤدية إليها، وفى المقدمة منها العوامل الاجتماعية والاقتصادية التى قد تدفع البعض إلى مغادرة أوطانهم والانضمام إلى جماعات متشدّدة. ومن الواضح أن الأداء المحبط لاقتصاد بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وربما الاقتصاد العالمى، يرجع جزئياً إلى زيادة الهجمات الإرهابية وانتشار التطرّف العنيف. ولهذه الهجمات تأثيرات مدمرة، ليس على أرواح الضحايا وأسرهم فقط، بل على باقى أنحاء البلد والمنطقة، حيث تتدهور الاستثمارات والسياحة ويسقط الاقتصاد فى مصيدة النمو الضعيف.

{long_qoute_1}

حصلت «الوطن» على دراسة حديثة من إعداد البنك الدولى عن السمات الشخصية والنفسية للعناصر الإرهابية ممثّلة فى الأجانب المنضمين إلى تنظيم داعش كمثال للدراسة، وقد أعدّها مكتب رئيس الخبراء الاقتصاديين بمكتب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقيادة شانتا ديفاراجان، وليلى متقى وكوى توان دو وآن بروكماير وكليمان جوبير وكارتيكا باتيا ومحمد عبدالجليل ورضوان شعبان وإيزابيل شال دابى وناتالى لينوبل.

وتناولت الدراسة ظاهرة التشدُّد من منظور اقتصادى، وأكدت وجود عرض وطلب على المتطرفين الذين ينتهجون سبيل العنف كسوق يلتقى فيها الطرفان. وافترضت أن التشدُّد هو أن فرداً ما يُقرر الانضمام إلى منظمة إرهابية بعد الموازنة بين التكاليف والمنافع، وهذه التكاليف والمنافع ليست مالية فقط، بل يمكن أن تشمل الروابط الأسرية أو الولاء لجماعات معينة على سبيل المثال، وتعتمد المنظمات الإرهابية -حسب الدراسة- على مصادر تمويل متعدّدة، من بينها التبرعات والأنشطة غير المشروعة.

{long_qoute_2}

واستندت الدراسة إلى تعريفات وزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب، باعتباره «عنفاً متعمّداً ذا دوافع سياسية ترتكبه جماعات شبه قومية أو وكلاء سريون ضد أهداف غير محاربة»، فيما عرّفته قاعدة بيانات الإرهاب العالمى بأنه «التهديد باستخدام القوة والعنف، أو استخدامهما فعلياً، بشكل غير مشروع من جانب طرف -ليس دولة- لتحقيق مأرب سياسى أو اقتصادى أو دينى أو اجتماعى عبر الخوف أو الإكراه أو الترويع». وتذهب وزارة التنمية الدولية البريطانية إلى حد المساواة بين التشدُّد والإرهاب بتعريف الأول بأنه «استخدام وتسهيل العنف الموجّه ضد المدنيين كوسيلة لرفع المظالم». وبدأت الدراسة بتأكيد أن ظاهرة التطرّف العنيف هى أكبر من مجرد تنظيم واحد، وتنتشر فى جميع القارات والفترات الزمنية، ضاربة المثل بجماعات إرهابية، مثل منظمة وطن الباسك والحرية المعروفة بـ«إيتا» فى إسبانيا، وجماعة الدرب المضىء فى بيرو، وصولاً إلى جبهة نمور تحرير تاميل «إيلام» فى سريلانكا، إلا أن تركيز الدراسة على تنظيم داعش يرجع إلى تأثيرها على اقتصاد بلدان المنطقة. واعتمد البنك فى دراسته على قاعدة بمجندى «داعش» من الأجانب مصدرها ذاكرة كمبيوتر مسرّبة لسجلات الأفراد بـ«التنظيم» أتيحت حديثاً للباحثين بالبنك، وتشتمل مجموعة البيانات هذه على معلومات اجتماعية واقتصادية أساسية عن 3803 مجندين أجنبيين متميزين، وتغطى هذه البيانات الفترة من أوائل عام 2013 إلى أواخر عام 2014 عندما استخدم «داعش» اسم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، وتقدم السجلات معلومات عن بلد الإقامة لكل مجند وجنسيته وحالته الاجتماعية ومهاراته ومستوى تعليمه وخبرته الجهادية السابقة ومعرفته بالشريعة.

واستهدفت الدراسة معرفة العوامل التى قد تدفع بعض الأشخاص من مختلف أنحاء العالم إلى ترك كل شىء خلفهم والانضمام إلى تنظيم إرهابى. وتناولت الدراسة المجنّدين فى «داعش»، بوصفهم «قوى عاملة أجنبية» فى سوق خاضعة لعوامل «العرض والطلب». وضمّت قاعدة بيانات مجندى «التنظيم» سمات، من بينها السن ومستوى التعليم والمهارات والمعرفة الذاتية بالتعاليم الدينية وبلد الإقامة.

{left_qoute_1}

وتشمل البيانات على مستوى البلد مؤشرات كلية، مثل نصيب الفرد من إجمالى الناتج المحلى، ومؤشر التنمية البشرية، ومعدلات البطالة، وعدد السكان، والحقوق السياسية، إلى جانب بيانات آراء شخصية مأخوذة من استقصاءات مثل «الباروميتر» العربى، واستطلاع «جالوب» العالمى ومؤسسة «وورلد فاليوز سيرفى».

أولى المفاجآت التى حملتها الدراسة أن مجندى «داعش» الأجانب ليسوا من الفقراء والأقل تعليماً، بل هم عكس ذلك.

وحلّلت الدراسة البيانات الخاصة بمجندى «داعش» من الأجانب على مستوى الاقتصاد الكلى، وربطت بين السمات على مستوى بلد الإقامة المذكور لكل مجند، ومعلومات مستقاة من ثلاثة استطلاعات للرأى، تضمّنت أسئلة للمشاركين عن قيمهم ومعتقداتهم الأساسية، وحالة العالم، والشئون الحالية، ورأيهم عن المجتمع والدين والبلد والأحداث الجارية، بالإضافة إلى استخدامها متغيرات اجتماعية واقتصادية، مثل نصيب الفرد من إجمالى الناتج المحلى، ومؤشر التنمية البشرية، ومعامل جينى، ومعدلات البطالة، وإجمالى تعداد السكان، وإجمالى تعداد السكان المسلمين، والمسافة إلى سوريا، والحقوق السياسية.

وذهب البنك إلى دراسة البلدان التى ينحدر منها مجند واحد على الأقل لدى «داعش»، وتحديد السمات على مستوى البلد، التى تُفسّر الفوارق بين هذه البلدان من حيث عدد المجندين الأجانب.

{left_qoute_2}

وبحثت الدراسة فى محدّدات العدالة الاقتصادية والاجتماعية الرئيسية لظاهرة التطرّف العنيف، إدراكاً منها أن تصاعد هذه الظاهرة يُسهم فى الأداء الاقتصادى السيئ للمنطقة، ناهيك عمّا تُخلفه الحروب الأهلية والصراعات من قتلى ودمار ومعاناة إنسانية، مضيفةً: «من ناحية أخرى، يبدو أن غياب الشمول الاقتصادى يُفسّر مدى تحول التشدّد إلى تطرّف عنيف».

وعدّت الدراسة تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام، المعروف باسم «داعش»، أغنى الجماعات الإرهابية فى التاريخ الحديث، رغم أن موارده محدودة نسبياً، مقارنة بما كان يعتقد بأن مصدر دخله الرئيسى بيع النفط.

وحسب الدراسة، فإن السياسات التى تُشجّع على تهيئة فرص عمل لا تفيد الشباب الساعين وراء فرصة عمل فحسب، بل تساعد أيضاً على إحباط انتشار التطرّف العنيف وتأثيراته الملازمة على الاقتصاد الوطنى والإقليمى.

وأوضح كوى توان دو، المؤلف الرئيسى للدراسة والخبير الاقتصادى الأول بمجموعة بحوث التنمية فى البنك الدولى، ذلك، قائلاً: «تطبيقاً لمنظور اقتصادى، يخلص التقرير إلى أن غياب الشمول فى كثير من أشكاله يمثل دافعاً رئيسياً للتشدُّد».

{left_qoute_3}

ومن بين النتائج الكثيرة التى خلصت إليها الدراسة بعد طرحها تساؤلات لفهم أسباب تحول بعض الأفراد إلى التشدُّد تكوين فكرة عمّن هم هؤلاء الأفراد. ومن أين يأتون؟ وما الشرائح السكانية فى البلدان التى يخرج منها من يشكلون على الأرجح مجندى «داعش» من الأجانب؟ وهل توجد فروق اجتماعية واقتصادية منتظمة بين المجندين الأجانب الذين ينحدرون من جزء من العالم مقابل جزء آخر؟، إن معظم مجندى «داعش» يأتون من جميع قارات العالم، إلا أن المملكة العربية السعودية وتونس والمغرب وتركيا ومصر أكبر خمسة بلدان مصدّرة للمجندين فى صفوف «التنظيم»، فيما جاءت روسيا وفرنسا وألمانيا كأكبر ثلاثة بلدان غير إسلامية مورّدة لمقاتلى «التنظيم».

واكتشفت الدراسة أن متوسط أعمار المجندين الأجانب هو 27.4 عام، ويأتى المجندون الأصغر سناً من ليبيا (23.7 عام فى المتوسط)، فيما يأتى أكبرهم سناً من إندونيسيا (33.5 عام فى المتوسط). وأشارت الدراسة إلى أن متوسط أعمار مجندى «داعش» من الأجانب لا يعكس الواقع الديموغرافى فى منطقتهم الأصلية، فالمناطق ذات الأعمار الكبيرة لا تُخرج مجندين أكبر سناً.

وتبين أن 69% من المجنّدين حصلوا على التعليم الثانوى والجامعى على الأقل، فيما لم تتجاوز نسبة من تركوا التعليم قبل المرحلة الثانوية 15%، كما تقل نسبة الأميين عن 2%، كما أن المستوى التعليمى لأعضاء «التنظيم» من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعلى بكثير مما هو معتاد فى تلك المنطقة، بعكس المجنّدين الأجانب المنحدرين من أوروبا وآسيا الوسطى الذين يتشابهون مع أبناء وطنهم فى مستويات التعليم، إلا أن الدراسة قرّرت فى نهاية الأمر «ترك الباب مفتوحاً» لاحتمالية مبالغة المجنّدين فى تحديد مستوى تعليمهم، داعيةً إلى توخى الحذر عند تفسير هذه الفروق.

{long_qoute_3}

استطلاعات الرأى الثلاثة التى اعتمدت عليها دراسة البنك الدولى أشارت إلى أن 30% فقط ذكروا أفضلياتهم من أعضاء «التنظيم»، وأن 11.7% منهم راغبون فى القيام بعمليات انتحارية وهم من المنحدرين من شمال أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فيما يُفضّل 1.9% الأعمال والوظائف الإدارية، وهم من المنحدرين من جنوب وشرق آسيا، و17.2% كمحاربين، وهم من العناصر المنتمية إلى بلدان أوروبية. وفجّرت الدراسة مفاجأة أخرى، إذ ذكرت أن نسبة المحاربين الانتحاريين تزيد مع ارتفاع مستوى التعليم، كما أن المجنّدين الذين أفادوا بأنهم لا يعملون، أو كانوا ضمن القوات المسلحة قبل الانضمام إلى «داعش»، هم الأكثر اتجاهاً لأن يكونوا انتحاريين.

وأشارت الدراسة إلى أن مجندى «داعش» المنحدرين من جنوب وشرق آسيا والشرق الأوسط هم الأكثر ذكاءً والأكثر تعليماً بكثير من أبناء جلدتهم فى أوطانهم، كما أن الغالبية العظمى منهم كانوا يعملون قبل الانضمام إلى «التنظيم».

وعن أهداف ورغبات المنضمين إلى «التنظيم»، والهدف من انضمامهم إليه وما يتوقعونه، كشفت الدراسة أن مجندى «داعش» الذين يسافرون إلى سوريا لديهم طموحات متنوعة: بعضهم يريد المساعدة فى إدارة «التنظيم»، وآخرون مستعدون أو راغبون فى إنهاء حياتهم فى خدمته، فيما يرغب آخرون فى القتال فقط.

وذهبت الدراسة إلى الإجابة عن السؤال: ما الذى يدفع باحتمالية أن يصبح بلد ما مصدراً لمجنّدين متطرفين إلى «داعش»؟ وهل يمكن تحديد بعض المتغيرات التى ترصد الأبعاد المختلفة للإقصاء الاقتصادى أو الاجتماعى أو السياسى التى تؤثر على اتجاه بلد ما لأن ينضم بعض مواطنيه إلى هذه الجماعة الإرهابية؟ وأجابت الدراسة عن التساؤل، قائلة: «نتوقع زيادة احتمال انضمام واحد على الأقل من سكان البلدان ذات الكثافة السكانية الأكبر، التى تضم عدداً أكبر من السكان المسلمين، إلى هذه الجماعة الإرهابية، مع ثبات العوامل الأخرى، وعلى المنوال نفسه، فمن المتوقع أنه كلما بعدت المسافة عن سوريا وزادت تكلفة السفر إليها، قلَّ اتجاه الأفراد المتشددين للانضمام إلى التنظيم.

وأضافت الدراسة: «ولمتغيّرات التنمية الاقتصادية، مثل نصيب الفرد من إجمالى الناتج المحلى، تأثير غامض على اتجاه فرد ما للانضمام إلى هذه الجماعة. فرغم أن الأفراد الأكثر ثراءً تكون خسارتهم أكبر بالمخاطرة بحياتهم، فإنهم يمتلكون على الأرجح الموارد اللازمة لتحمّل تكاليف السفر إلى سوريا والعراق».

وأشارت إلى أن البلدان التى بها عدد أكبر من السكان المسلمين تزيد احتمالية تصديرها مجنّدين إلى «داعش»، وأن البلدان الأكثر ثراءً، وفقاً لقياس نصيب الفرد، فإنها على الأرجح الأكثر تصديراً للمجندين إلى التنظيم وربطت الدراسة بين معدل البطالة بين الذكور فى بلد ما واتجاهه لتصدير مجندين أجانب إلى «داعش»، مؤكدة أن تفشى البطالة بين المتعلمين تؤدى إلى زيادة احتمال اعتناق أفكار متشدّدة. ولم ترصد الدراسة أى ارتباط قوى بين الاتجاه لتصدير مجنّدين إلى «داعش» ومقاييس التنوع الاجتماعى والاقتصادى، مثل معامل «جينى» الذى يقيس التفاوت فى الدخل، ومختلف مقاييس التجزئة التى ترصد التنوع العرقى أو اللغوى أو الدينى فى بلد ما.

وخلصت الدراسة إلى «أن الإرهاب لا يرتبط بالفقر وتدنى مستويات التعليم، إلا أن عدم إدراجه يُشكل عاملاً خطراً فى التوجه نحو التطرّف العنفى. وعلاوة على ذلك، فإن البطالة لديها بالتأكيد القدرة على تفسير هذا الأمر. بينما السياسات التى تُعزّز خلق فرص العمل، وتعود بالنفع على الشباب الباحثين عن وظائف، قد تساعد فى إحباط انتشار التطرّف العنيف والآثار المصاحبة له على النمو الاقتصادى الوطنى والإقليمى».

وحذّرت الدراسة من أن الإقصاء الاقتصادى يُولّد الكثير من المظالم ويرتبط بانخفاض تكلفة الفرصة البديلة للانضمام إلى «داعش». وذكرت الدراسة أن إنهاء الحرب الأهلية ومواجهة التطرّف العنيف يحتلان الأولوية القصوى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأن شمول المواطنين اقتصادياً واجتماعياً يحول دون انتشار التطرّف والإرهاب.

وأشارت إلى عوامل ثلاثة ضرورية لنجاح الهجمات الانتحارية، هى وجود «أفراد مستعدين»، بالإضافة إلى وجود منظمات تُدرّبهم وتستخدمهم، ومجتمع مستعد لقبول هذه الأفعال باسم الصالح العام. ولفتت إلى أنه «حين لا يتسع المجال لتقديم حوافز خارجية (مثل الأجر)، يكون الدافع الذاتى للعاملين أساسياً فى أداء التنظيم، ولأن المنظمات الإرهابية تطلب من تابعيها المشاركة فى أنشطة عنيفة تتسم بأن احتمالات نجاة منفذيها قليلة فإن النجاح يعتمد على إخلاص الأفراد ذاتياً لرسالة التنظيم.. وبالتالى فإنه نظراً لطلب التنظيمات الإرهابية لأفراد ذوى خلفيات متشدّدة، فيمكن تلبية هذا الطلب».

وتطرّقت الدراسة إلى تقييم آثار الهجمات والأعمال الإرهابية التى يمارسها تنظيم داعش فى عدد من دول المنطقة، وقدّمت تقديراً لكلفة الصراعات والحروب فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، وهى بلدان ينشط بها «التنظيم». وتقول الدراسة: «بلدان سوريا والعراق وليبيا واليمن غارقة فى الصراعات والحروب مع ما ينجم عن ذلك من عواقب إنسانية واقتصادية. إذ دمرت الحرب فى سوريا الاقتصاد، فتراجع الإنتاج ما بين 50 و60% وفقدت الليرة السورية 80% من قيمتها، وانخفض عدد السكان 23%، حيث نزح 4.12 مليون شخص داخلياً وخارجياً.. فمنذ بدء الصراع توقف التعليم لكثير من الأطفال الذين يعيشون داخل وخارج البلاد على السواء، وأدت الحرب الأهلية المستمرة منذ 18 شهراً فى اليمن إلى مقتل 10 آلاف مدنى، ونزوح 2.8 مليون شخص، مع معاناة معظم اليمنيين من نقص الغذاء والماء ومرافق الصرف الصحى والرعاية الصحية، وضعفت شبكات الأمان فى اليمن إلى حدٍّ كبير، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 85% من سكان اليمن يعيشون فى فقر الآن والوضع يزداد سوءاً. وبالإضافة إلى التكلفة الإنسانية للحرب، يُقدّر البنك الدولى أن إعادة إعمار اليمن سوف تتكلف أكثر من 15 مليار دولار».

وذكرت الدراسة أن هناك قدراً كبيراً من الغموض يكتنف الآفاق المستقبلية للعراق، نتيجة الهجمات الإرهابية التى يقف «داعش» وراءها، مشيرة إلى أن زيادة الإنفاق على عمليات الإغاثة الإنسانية والإنفاق العسكرى أدت إلى عجز كبير فى الموازنة بنسبة 12% من إجمالى الناتج المحلى. وعن الاقتصاد الليبى، ذكرت الدراسة أنه «على شفا الانهيار» نتيجة الجمود السياسى فى ليبيا، الذى تستغله «داعش» للتمدُّد هناك.

وعن سوريا، قالت الدراسة: «تشهد سوريا صراعاً مدمّراً منذ 2011، مما أسفر عن وضع إنسانى واجتماعى واقتصادى مأساوى»، وقدّرت الدراسة ضحايا الصراع فى سوريا بنحو 250 ألف شخص قتيل، و1.2 مليون مصاب، و1.1 مليون تقدموا بطلبات للجوء. وقدّرت الدراسة أضرار 6 محافظات هى حلب ودرعا وحماة وحمص وإدلب واللاذقية بنحو 7.2 مليار دولار حتى مارس الماضى، مشيرة إلى تقديرات الأمم المتحدة بحاجة سوريا إلى استثمارات بـ200 مليار دولار لإعادة إعمارها.

أما عن الأوضاع فى اليمن، فذكرت الدراسة أن الاقتصاد اليمنى تعرّض لانكماش نتيجة الصراع هناك، مضيفة: «الوضع الإنسانى كارثى، والبنية التحتية دُمرت، علاوة على النقص الحاد فى الغذاء فى ظل ازدياد محصلة الوفيات والإصابات بين المدنيين».

وعن الاحتواء الاقتصادى، يرى حافظ غانم، نائب رئيس مجموعة البنك الدولى لشئون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أنه يمكن أن يقى العالم العربى من عنف المتطرفين، مشيراً إلى أن الاحتواء الاقتصادى يعنى أن كل طبقات وفئات الشعب، خصوصاً الشباب، تستفيد من النمو الاقتصادى، لافتاً إلى أن العنف وعدم الاستقرار يرتبطان فى ما يبدو بالإحساس بالظلم بسبب الإقصاء الاقتصادى والسياسى ويرتبط كذلك بضعف الدولة واستغلالها للمواطنين وعدم تقديمها الخدمات، وأن التهميش الفعلى أو المتصور لفئات كبيرة من المجتمع توفر فى الغالب ذريعة للجوء إلى العنف، مدللاً بمثال أنه يمكن القول إن «داعش» استطاعت النمو باستغلال تعرّض السكان السنة فى العراق وسوريا للتهميش، مضيفاً: «لن يتحقق السلام والاستقرار والديمقراطية فى العالم العربى إلا إذا اندمج جميع المواطنين، خصوصاً الشباب منهم اندماجاً كاملاً فى اقتصاد بلادهم والمجتمع، وإذا شعروا بأن صوتهم مسموع فى مختلف مؤسسات الإدارة العامة».

وتابع «غانم»: «ولا تتحدد الفئات المعرّضة للإقصاء والتهميش على الدوام بانتماءاتها الدينية أو العرقية. فالشباب، على سبيل المثال، فئة مهمّشة فى كثير من البلدان العربية. وتشعر مناطق داخل البلد الواحد، مثل غرب تونس أو صعيد مصر، بالتهميش. وفى العالم العربى، تعتبر النساء أيضاً فئة مهمّشة مع ضعف مشاركتهن فى سوق العمل وارتفاع معدلات البطالة بينهن».

وأضاف نائب رئيس مجموعة البنك الدولى لشئون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى تحليل له: «ويتفق معظم المراقبين، خصوصاً من يعمل منهم فى العالم العربى على أن الاقصاء الاقتصادى هو أحد أسباب التطرف العنيف. لكنه مجرد سبب واحد من أسباب كثيرة، فهناك أسباب أخرى سياسية واجتماعية ودينية للتطرّف العنيف، وهذا يعنى أنه علاوة على السياسة والأمن، ينبغى أن تركز البرامج الساعية إلى منع التطرّف العنيف على زيادة الفرص الاقتصادية والتأكد من استفادة كل فئات الشعب من هذه الفرص، ولا تتوافر بعد دلائل علمية للربط بين متغيرات اقتصادية محدّدة كالفقر والبطالة والمستوى التعليمى بالعنف وعدم الاستقرار، وفى حين يزداد العنف فى البلدان الفقيرة، لا توجد شواهد على أن احتمال انضمام الفقراء فى تلك البلدان إلى جماعات العنف أقوى من الاحتمال لغير الفقراء، ولا توجد كذلك شواهد على أن احتمال استشراء العنف وعدم الاستقرار فى المناطق الأكثر فقراً فى بلد ما أقوى من الاحتمال لغيرها من المناطق، وبالمثل فإن البطالة فى حد ذاتها لا ترتبط فى ما يبدو بالعنف ارتباطاً قوياً. ولا يفسر نقص التعليم أيضاً هذه الظاهرة»، داعياً الحكومات العربية إلى وضع برامج تستهدف تحسين الاحتواء الاقتصادى والاجتماعى، يمكن أن تشمل تطوير المؤسسات الاقتصادية لتصبح أكثر شمولاً ومساءلة، وتهيئة المزيد من الفرص للشباب عبر تنمية القطاع الخاص وتحديث نظام التعليم، ومساندة تنمية المناطق المتخلفة والريفية، وتمكين النساء.


مواضيع متعلقة