نعانى منذ ثورة يناير من قوانين ومواثيق شرف إعلامى استبدادية وقديمة لا تتماشى مع تكنولوجيا الاتصال وتطور الميديا وظهور الإعلام الجديد والمواطن الصحفى، وتعمد المجلس العسكرى ثم الإخوان، الإبقاء على تلك القوانين واستغلالها فى محاولات تزييف وعى الناس وتشويه المعارضة وتقييد حرية الإعلام، حتى إن حالات التحقيق مع الإعلاميين والاعتداء عليهم زادت بعد الثورة، مقارنة بما كان يحدث أيام المخلوع، كما هيمن رجال أعمال وشركات إعلانات على الفضاء الإعلامى وتدخلوا أحياناً وبشكل مباشر وفج فى اختيار المضامين والأشكال الإعلامية، فضلاً عن اختيار البرامج ومقدميها وكتّاب الصحف.
والحالات كثيرة ومتنوعة ولا يتسع المجال للوقوف عندها، لكن المهم الآن كيف نحمى حرية واستقلال الإعلام؟ الإجابة التقليدية الساذجة تطالب بإصدار قوانين ومواثيق شرف إعلامى تتماشى والمعايير الدولية فى احترام حرية الإعلام والإعلاميين وروح ثورة يناير وآمالها العريضة، وأقول ساذجة لأنها تراهن على مجلس الشورى الحالى لإصدار قوانين إعلامية عادلة وضامنة لحرية الإعلام وشفافيته، وللأسف وقع عدد من كبار الإعلاميين والخبراء المحترمين فى فخ تلك الإجابة الساذجة والمضللة، وشاركوا مع بعض المتأخونين والانتهازيين فى حوارات ونقاشات حول قوانين مقترحة وقواعد لتشكيل المجلس الأعلى للإعلام، وتحدثوا عن مواثيق الشرف الإعلامى التى يجب أن يضعها الإعلاميون أنفسهم، بينما لا توجد نقابات للعاملين فى الإذاعة والتليفزيون، ويوجد نص مشبوه فى الدستور يخالف المعايير الدولية فى حرية العمل النقابى وتعدديته.
قناعتى أن تلك المناقشات وما ستسفر عنه من مقترحات لن يأخذ بها مجلس الشورى، الذى يخضع لهيمنة مكتب الإرشاد، الذى لا يؤمن أصلاً بحرية الإعلام، ولاشك أن البيئة السياسية الحالية وأزمة الشرعية التى تحاصر الدستور ومجلس الشورى، ستنتج فى النهاية قوانين مكبله لحرية الإعلام، وفاقدة للمشروعية، ولن تعيش طويلاً، وبالتالى أقترح مقاطعة هذه التمثيلية الهزلية، والتى تذكرنا بتمثيلية الجمعية التأسيسية للدستور، ومسخرة الفرمونت. ولعل ما يجمع بين هذه المسلسلات الهزلية أن الإخوان بعقليتهم التآمرية وكراهيتهم للحريات يقومون بدور البطولة المطلقة فيها، بينما يقوم عدد من رموز المعارضة بدور الكومبارس أو شهود الزور حسنى النية، والذين لا يتعلمون من أخطائهم، فقد شارك عدد من الإعلاميين الشرفاء بسذاجة شديدة فى إعداد مواد الدستور الخاصة بالإعلام ولم يؤخذ بها، ثم شاركوا بسذاجة أشد فى مناقشه قوانين إعلام ستصدر عن مجلس شورى مطعون فى شرعيته.
مشاركتهم فى الحالتين، تحركها دوافع نبيلة لكن نتائجها لن تكون كذلك، والمفارقة أنهم يشتكون من أن تأسيسية الدستور لم تأخذ بمقترحاتهم، ومع ذلك هم مستمرون فى اقتراح مواد وقوانين لمجلس شورى من المؤكد أيضاً أنه لن يأخذ بها، لكن السؤال الذى يطرح نفسه: وما البديل؟، الإجابة ببساطة وبوضوح هى المقاطعة الإيجابية، والتى تعنى: -
أولاً: عدم المشاركة فى جريمة إصدار مجلس الشورى الإخوانى قوانين ومواثيق شرف إعلامية.
ثانيا: الانضمام إلى حركة المقاطعة المجتمعية لهياكل ومؤسسات الحكم الجديد التى تكرس هيمنة الإخوان واستبعادهم لكل القوى السياسية التى تختلف معهم.
ثالثا: العمل بالتوازى ومن خلال جهود جماعية لخبراء وإعلاميين يطرحون على الرأى العام قوانين إعلامية جديدة تكفل حرية الإعلام وحقوق المواطنين بما فيها الحق فى المشاركة فى إنتاج المواد الإعلامية، وتداولها بحرية، وتضمن الشفافية والإفصاح وحرية التنظيم النقابى مع وضع قيود على احتكار رأس المال والإعلان على الإعلام.
رابعاً: التعامل مع الملف التشريعى والنقابى للإعلام من خارج مجلس الشورى، وتفعيل جهود الجماعات الإعلامية المتفرقة وتوحيدها، والنضال المشترك لتشكيل نقابات مستقلة وتبنى قوانين تضمن حرية الإعلام وطرحها للنقاش المجتمعى.