الكنيسة تقتحم الإنتاج السينمائى وتحتكر تاريخ الرموز القبطية

كتب: مصطفى رحومة

الكنيسة تقتحم الإنتاج السينمائى وتحتكر تاريخ الرموز القبطية

الكنيسة تقتحم الإنتاج السينمائى وتحتكر تاريخ الرموز القبطية

اقتحمت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مجال الإنتاج السينمائى، على مدى العقود الماضية، عبر إصدار مئات الأفلام المسيحية، التى أصدرتها أديرة وكنائس وشركات إنتاج مسيحية وآخرها إصدار فيلم روائى حمل اسم «49 شهيداً» عن قصة تاريخية لرهبان دير الأنبا مقار بوادى النطرون والتى وقعت فى القرن الخامس الميلاد وقام ببطولته عدد من الفنانين أبرزهم هانى رمزى. كما أصدرت الكنيسة فيلماً آخر عن البابا الراحل شنودة الثالث، من إنتاج دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، حمل اسم «المزار» وهو عبارة عن فيلم تسجيلى وثائقى.

الفيلمان الأخيران اللذان صدرا عن الكنيسة خضعا إنتاجياً وإشرافياً لرقابتها، الأول، الذى أقيم له عرض خاص على مسرح الأنبا رويس بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، قام بتقديمه البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، شخصياً، وأنتجه دير الأنبا مقار بوادى النطرون تحت إشراف الأنبا أبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار، ويحكى قصة الـ«49 شهيداً» المعروفين بشيوخ برية شيهيت المدفونة أجسادهم بالدير، وترجع قصتهم إلى القرن الخامس الميلادى.

{long_qoute_1}

أما الفيلم الثانى وهو «المزار» والذى أصدرت الكنيسة بياناً رسمياً يشير إلى أنه الفيلم الوحيد من إنتاجها وإشرافها ولا علاقة لها بأى فيلم آخر أو تكليفها لأى راهب بعمل فيلم عن حياة البابا شنودة، وأن فيلم «المزار» تم برعاية دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون الذى ينتمى إليه البابا الراحل، وقدم الفيلم الأنبا صرابامون، أسقف ورئيس الدير، ويحكى قصة حياة البابا الراحل موثقة بالصوت والصورة وكذلك شرح للمزار الخاص به بالدير وقصة بنائه ووصية البابا، وشارك فى الفيلم عدد من الشخصيات الكنسية والعامة وأعده وأشرف عليه القس بولس الأنبا بيشوى، سكرتير البابا الراحل، وأخرجه ألبير مكرم.

يأتى ذلك فى الوقت الذى احتكرت الكنيسة فيه تاريخ أبرز الشخصيات القبطية لنفسها وجعلت نفسها رقيباً على أى عمل فنى يتناول حياة تلك الشخصيات أو المسيحيين بوجه عام، فمنذ شهور أصدرت الكنيسة بياناً رسمياً حمل توقيع المجلس الملى العام بالكنيسة، يحذر خلاله جهات الإنتاج السينمائى من تصوير أفلام عن البابا شنودة الثالث، دون الحصول على موافقة الكنيسة أولاً قبل إنتاج أفلام أو مسلسلات تتناول حياته، مشيرة إلى أنه وفقاً لقوانين الكنيسة فإن البابا شنودة الذى وهب حياته للكنيسة راهباً ثم أسقفاً ثم بطريركاً صار تاريخه ملكاً لها، وأن المجلس لن يتردد فى اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمنع هذا الأمر عبر إبلاغ نقابة السينمائيين لمنع تصوير أى عمل بهذا الصدد. ودخلت الكنيسة على مدى العقدين الأخيرين فقط فى صدام مع السينما بسبب الأعمال السينمائية والتليفزيونية، فسبق واعترضت فى 2010 على إنتاج الفيلم الوثائقى عن حياة أشهر رهبان الكنيسة فى القرن العشرين «متى المسكين» الذى دخل فى صدام مع بابوات الكنيسة وأشهرهم البابا الراحل شنودة الثالث وهو الفيلم الذى حمل اسم «متى المسكين.. اللاهوت قبل السياسة»، وتم عرضه وقتها على قناة «الجزيرة الوثائقية»، وهو من إخراج المخرج اللبنانى إياد صالح، حيث طرح الفيلم قصه تهميش تاريخ «متى المسكين» ومنع توزيع مؤلفاته فى الكنائس، إضافةً إلى شهادات 14 شخصية إسلامية ومسيحية حول العلاقة الشائكة بين البابا شنودة والراهب، وقد استعان المخرج بأحد الممثلين لأداء مشاهد تحاكى الأحداث الحقيقية التى مر بها الراهب منذ ترك مهنة الصيدلة ووزّع ممتلكات عائلته على الفقراء واحتفظ فقط بثمن تذكرة القطار الذى أوصله إلى الدير.

وفى 2009، اعترضت الكنيسة على الفيلم الإسبانى «أجورا» إخراج أليخاندرو أمينابار، الذى يحكى مصرع الفيلسوفة المصرية «هيباتيا» على أيدى الغوغاء فى الإسكندرية فى القرن الرابع الميلادى بعد أن اعتبرها بابا الأقباط وثنية كافرة وتمارس السحر، كما عرض الفيلم اقتحام الأقباط للمعابد الإغريقية والرومانية واقتحام مكتبة الإسكندرية من قبَل الجماعات المتطرفة ذات الهوس الدينى، كما أظهرها الفيلم، حيث قامت بهدم التماثيل وتحطيم الرموز الفنية وحرق الأبحاث العلمية والوثائق والخرائط بدعو انتمائها للتراث الوثنى، وقد عرض الفيلم فى إسبانيا والعديد من الدول، ولم يمنع فى أى دولة فى العالم، واعتبر من الأفلام التى تدين التطرف والعنف وتم عرضه خارج المسابقة الرسمية لدورة 2009 لمهرجان كان السينمائى، إلا أنه مع الإعلان فى ذلك الوقت عن عرض الفيلم فى مصر عبر البانوراما الثانية للسينما الأوروبية، بالقاهرة، تحت رعاية فاروق حسنى، وزير الثقافة وقتها، أرسل الأنبا بيشوى، مطران كفر الشيخ ودمياط والبرارى وسكرتير عام المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وقتها، رسالة إلى الرقابة يطلب فيها منع الفيلم الذى اتهمه بتشويه صورة الكنيسة والمسيحية فى مصر.

أما فى 2006 فقد هاجمت الكنائس المصرية فيلم «شفرة دافينشى»، حتى إنها أصدرت بياناً موحداً حمل توقيع البابا الراحل شنودة الثالث، اعتبرت خلاله أن «الفيلم يزيف التاريخ وعلم الآثار وتقوم وقائعه على الأباطيل، وأن وراءه فكراً صهيونياً يهدف إلى ازدراء الدين المسيحى وقيمه الروحية والأخلاقية والترويج للفكر الصهيونى».

ويستند الفيلم إلى رواية للكاتب دان براون وزعت منها ملايين النسخ وترجمت إلى لغات عدة وتعرضت لهجوم شديد من الأوساط الكنسية لتعرضها لحياة المسيح الذى قالت إنه تزوج من مريم المجدلية وأنجب منها ذرية ما زالت تتناسل حتى اليوم، وبناءً على اعتراض الكنائس وإثارة الأمر فى البرلمان وقتها قرر وزير الثقافة، فاروق حسنى، منع عرض الفيلم، وصادرت شرطة المصنفات الفنية المصرية ألفى نسخة مقلدة من الفيلم مطلع يونيو 2006، وأعلن جابى خورى، مدير شركة أفلام مصر العالمية التى تقوم بتوزيع أفلام شركة كولومبيا الأمريكية منتجة «دافنشى كود»، أن الشركة سحبت الفيلم من السوق بناء على طلب «جهات رسمية» رغم حصولها على موافقة الرقابة لعرضه.

وبخلاف الأفلام الدينية المسيحية العالمية، وصلت اعتراضات الكنيسة إلى بعض الأعمال الفنية التى تتناول الأقباط، فقد منعت الرقابة فى 2011 عرض فيلم «الخروج» جماهيرياً خوفاً من الغضب القبطى، فالفيلم الذى لم ير النور سوى مرة واحدة عبر مهرجان دبى السينمائى الدولى، لم تسمح الرقابة بعرضه فى مصر حتى فى مهرجان الأقصر السينمائى فى دورته الأولى عام 2012، لأن الفيلم الذى يخرجه هشام العيسوى، يحكى قصة عائلة قبطية تتجه الابنة الكبرى فيها «صفاء جلال» إلى فتاة ليل من أجل ضمان حياة لابنها، بينما الفتاة الصغرى «ميرهان» على علاقة غير شرعية مع شاب مسلم «محمد رمضان»، وتريد الزواج منه وتهدده بأنها حامل منه، فيما يظهر زوج الأم «أحمد بدير» مدمن قمار.

وكان فيلم «بحب السيما»، الذى عُرض عام 2004، أثار موجة غضب قبطى وكنسى ضده، فالفيلم الذى يدين منتجه ومخرجه بالديانة المسيحية وهما «أسامة فوزى وهانى فوزى»، ويجسد بطولته محمود حميدة وليلى علوى، تناول حياة عائلة مسيحية، يظهر الزوجة تخون زوجها المغالى فى تدينه، ثم تذهب إلى الكنيسة للصلاة وطلب المغفرة، وتم اتهام الفيلم من قبَل الأرثوذكس بالترويج للمذهب البروتستانتى بين الأقباط، فضلاً عن الغضب من إظهار تبادل لقبلة بين ممثلى العمل داخل الكنيسة بين منة شلبى وإدوارد.

كما اضطر التليفزيون المصرى للتراجع فى 2004 عن عرض مسلسل «بنت من شبرا» بطولة ليلى علوى، خلال الموسم الرمضانى بعد أن أعلن عن عرضه من قبل، لأن بطلة المسلسل أشهرت إسلامها فى المسلسل الذى عُرض على قناة فضائية خاصة وقتها.

وتزخر قائمة الاعتراضات المسيحية على الأعمال الفنية على كم هائل منها: فيلم «حسن ومرقص» فى 2008 بطولة «عادل إمام» والذى لم يمرر إلا بعد لقاء عادل إمام مع البابا شنودة وموافقته على الفيلم وإجراء بعض التعديلات الدرامية على السيناريو، ولم ينجُ من الغضب والرقابة سوى تلك الأعمال التى بعدت عن مناطق الجدل وأظهرت المسيحى بأدوار هامشية، أو إيجابية مثل فيلم «لا مؤاخذة» الذى صدر عام 2014 ويرصد قضية شائكة للغاية وتكاد تكون من المحرمات فى السينما المصرية وهى قضية الدين، ويكشف الفيلم النقاب عن حياة طفل مسيحى يخشى من التعرض للاضطهاد بسبب ديانته.


مواضيع متعلقة