«الوطن» ترصد الوفود العربية من داخل متحف جمال عبدالناصر فى منشأة البكرى

كتب: محمود عبدالرحمن

«الوطن» ترصد الوفود العربية من داخل متحف جمال عبدالناصر فى منشأة البكرى

«الوطن» ترصد الوفود العربية من داخل متحف جمال عبدالناصر فى منشأة البكرى

شهد متحف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى منشأة البكرى بمصر الجديدة، إقبالاً جماهيرياً متزايداً من المصريين وعدد من أبناء الجاليات العربية الموجودين فى مصر، منذ افتتاحه فى 28 سبتمبر الماضى، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، وعدد من قيادات الدولة، وأجرى عدد من الزائرين العرب والمصريين نقاشات حول فتارين عرض مقتنيات «الزعيم»، تحدثوا فيها عن مشروع القومية العربية الذى كان يهدف إلى تنفيذه من أجل بناء اتحاد عربى قوى فى مواجهة الغرب الراغب فى تقسيم الدول العربية وعزلها عن بعضها البعض.

{long_qoute_1}

لليوم الثالث على التوالى، جاء مصعب المُحب، مواطن يمنى، يعيش فى القاهرة منذ 58 عاماً، إلى متحف «الزعيم»، مع زوجته اليمنية مدرسة الكيمياء، وابنه الوحيد البالغ من العمر 14 عاماً، لإعادة مشاهدة والاطلاع على مقتنيات المتحف، حيث يقول: «عبدالناصر كان قومية عربية متكاملة، وليس شخصاً أو مسئولاً أو رئيساً لدولة عربية، كان هدفه تشكيل اتحاد قوى يواجه به الغرب، علشان كده حبه مزروع فى قلب كل عربى بيغار على وطنيته وقوميته». ويضيف «مصعب» أنه فى الوقت الذى كانت مصر تحتاج فيه إلى كل مجهوداته لتنظيفها من آثار الاستعمار الملكى الذى لحق بها على مدار سنوات عديدة، استطاع «عبدالناصر» أن يوازن بين اهتماماته العربية ومقتضيات ما يجرى فى بلده من أحداث وتطلعات شعب لطالما عانى من عبودية الملكية ولا يصدق أنه تحرر منها بالفعل، وتجلى ذلك بوضوح عندما تعرضت تونس للاعتداء الفرنسى على أراضيها، فى الوقت الذى كان ثمة خلاف بينه وبين الرئيس التونسى «بورقيبة» فى ذلك الوقت، وعلى الرغم من ذلك أعلن دعمه وتدعيمه الكامل للشعب التونسى ضد الاعتداء عليه، مطلقاً عبارته الشهيرة «للشعب التونسى لا لبورقيبة»، وهذا يعنى أن الأولوية لديه كانت لاحتياجات الشعوب العربية حتى لو جاء ذلك على حساب جروحه الشخصية وانكساره لبعض الوقت من أجل رفعة كلمة العرب، حسبما ذكر مصعب.

يضيف الرجل السبعينى أنه لولا قرار «عبدالناصر» بفتح المدارس المصرية أمام جميع أبناء الجاليات العربية الموجودين فى مصر بعد ثورة 23 يوليو عام 1952، ما استطاع هو وباقى أشقائه الأربعة الذين جاءوا خلف تجارة والدهم من اليمن إلى القاهرة، التعليم، أو الالتحاق بأى مدرسة فى مصر، وكان سوف يكتفى بما حفظه من آيات القرآن الكريم القليلة، قائلاً: «أنا جيت هنا أدور على ريحة عبدالناصر فى مقتنياته الشخصية وأدواته وصوره ولقاءاته النادرة، وأترحم عليه وأقول له لو كنت موجود ما كانش اللى حصل فى الدول العربية حصل، ولو فضل مشروع القومية العربية معمول بيه على غرار مشروع الاتحاد السوفيتى، كان بقى لنا كيان فى مواجهة دول الغرب اللى عمّالة تبيع وتشترى فينا على مزاجها، وهقول له كمان إن بلادنا العربية مبقتش تقبل دخولنا ليها وبقت محتاجة تأشيرات علشان تقبلنا».

{long_qoute_2}

«أهم ما كان يميز الزعيم جمال عبدالناصر أنه ما كانش بيقول أكتر من اللى كان يقدر يعمله، علشان كده الناس صدقته وحبته، ولما كان بيتعثر فى حاجة قالها وميقدرش ينفذها فى وقتها، الناس كانت بتقف جنبه وتؤازره وكمان تشجعه». يضيف أحمد المولى، مواطن ليبى، جاء إلى مصر بعد اشتعال الثورة الليبية فى 17 فبراير 2011، أن إفراط بعض الرؤساء فى الوعود التى لا تلامس أرض الواقع تجاه شعوبهم، ساهم بشكل كبير فى فقدان الثقة بين الشعوب ورؤسائهم، ولو أنهم قرأوا تجربة «ناصر» وتعلموا منها، لأدركوا أن زعامته تحققت لسببين، الأول صدقه ونزوله إلى جماهيره دون المزايدة عليهم، والثانى، رغبته الشديدة فى تحسين أوضاع أبناء قوميته العربية بأكملها، وهذا على عكس ما يحدث الآن، من إفراط فى وعود الدعاية الانتخابية للراغبين فى الجلوس على كراسى حكم البلاد العربية، وبمجرد تحقيق ذلك، يهربون من وعودهم ويتناسونها.

يتذكر «المولى»، البالغ من العمر 65 عاماً، أنه فى عام 1966 أرسله والده لاستكمال دراسته فى فرنسا، وكان كلما تعرف على أحد من زملائه الدارسين وأخبره بأنه مواطن ليبى، كان دائماً يأتى الرد عليه «أنت من قومية عبدالناصر؟»، الأمر الذى كان يمثل له فخراً واعتزازاً -على حد تعبيره- نتيجة انتمائه لقومية واتحاد وليس لدولة بعينها قد يكون رئيسها محبوباً فينعكس ذلك على تعاملات الغرب مع شعبه، أو مكروهاً لديهم فيتكرر نفس الأمر بالسلب عليهم، أما الآن، فبمجرد إخبار أى مواطن غربى بأصولنا العربية، تتشكل لديه صورة ذهنية مكتملة الأركان عن الإرهاب وداعش وما شابهها من أعمال عنف وتخريب ودمار.

{long_qoute_3}

يرى «المولى» أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حالة تقدمية مكتملة، وليس إنجازات متقطعة متفرقة، فعندما بدأ فى تشييد المصانع أعقبها بفتح أسواق لمنتجاتها فى الداخل والخارج، وعلى الرغم من استعانته بخبراء أجانب فى بداية عمل تلك المصانع، فإنه سرعان ما أمر بتدريب شباب مصريين ليحلوا محلهم، وهو ما حدث بالفعل، وعلى النطاق الخارجى، لم يكتفِ بالزيارات واللقاءات الرسمية التى يظهر فيها الرؤساء ممسكين بأيدى بعضهم البعض أمام الكاميرات، إنما وضع خطة كاملة لاقتصاد عربى مشترك قوى يُمكنهم من الانفصال التام عن الغرب إذا لزم الأمر، وإن لم يتحقق ذلك بسبب عدم تعاون بعض الرؤساء العرب معه بالشكل الكامل.

تتساءل زينب عبدالحميد، مهندسة مصرية، من سكان حى الدقى، انتظرت أمام المتحف منذ الساعة الثامنة صباحاً، قبل موعد فتحه الرسمى بساعتين، عن سر تلقيب الرئيس جمال عبدالناصر بـ«الزعيم» دون غيره من الرؤساء الذين سبقوه أو جاءوا بعده، ثم تجيب، بأن ذلك جاء نتيجة قوته وحدّته فى تنفيذ كل القرارات والإجراءات التى تجلب الخير للمواطن.

لم يكن لوالد «زينب» عمل فى خمسينات القرن الماضى، سوى محل بقالة صغير، تعيش على ريعه أسرة مكونة من 6 أفراد، وبعد أيام من بدء العمل فى مصنع الإنتاج الحربى فى حلوان، حصل فيه على فرصة عمل، ساهمت فى تربية الأبناء الأربعة فى الجامعات، مضيفة: «لولا عبدالناصر ومصانعه وتعليمه المجانى، كان زمان ابن الباشا باشا وابن الغلبان مش لاقى ياكل ولا يأكّل عياله، اللى ياخد من الغنى علشان يدى الفقير ده لازم يتعمل له تاج ويتشال على الرؤوس وفى القلوب».

ترى السيدة الخمسينية أن مقتنيات متحف الزعيم خير دليل على أنه «ابن بلد وغلبان»، لأن من يتأمل فى غرفته وبعض ملابسه وأدواته من كبار السن الذين عايشوه، سوف يدرك للوهلة الأولى أنه «ما كانش على راسه ريشه، كان بياكل من اللى الشعب بياكل منه، وبيلبس من مصانعنا مش من الماركات الأوروبية اللى دمرت صناعتنا الوطنية والمحلية».

يقول أحمد الشاعر، مدير عام متحف الزعيم جمال عبدالناصر فى منشية البكرى، إنه تم نقل ملكية المتحف من رئاسة الجمهورية إلى وزارة الثقافة عام 2008، ثم أصبح تابعاً لقطاع الفنون التشكيلية فى عام 2010، وبدأ التجهيز الفعلى له من نقل أعمال ووضع خطة وميزانية لتجهيزه فى عام 2014، وتم الانتهاء من جميع أعماله فى 2016، إلى أن تم افتتاحه منذ عدة أيام وبالتحديد فى يوم 28 سبتمبر الماضى بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى وعدد كبير من قيادات الدولة، ومنذ تلك اللحظة والإقبال الجماهيرى على المتحف فى تزايد مستمر، حيث زار المتحف فى اليوم الأول 74 زائراً، وفى اليوم الثانى «الجمعة» وصلوا إلى 90 زائراً، وأمس الأول تجاوزوا المائة زائر، ومن المتوقع أن الأعداد سوف تستمر فى الزيادة، الجميل فى الأمر أن بعض الزائرين جاءوا على مدار ثلاثة أيام متتالية ويستمر وجودهم داخل المتحف على مدار اليوم منذ فتح المتحف وحتى إغلاقه.

وأضاف «الشاعر» أنه تم تقسيم المتحف إلى ثلاثة أقسام، مكتبه الخاص وصالون استقبال الضيوف، وغرفة نومه، وغرفة المعيشة، أما غرف الأبناء فتم إدخالها فى المعالجة المعمارية لزيادة مساحة عرض فتارين المقتنيات، وتم الاستفادة من قاعة السينما فى عرض نياشين الزعيم التى أُهديت إليه من الملوك والرؤساء، وفى قاعة الميديا، يتم عرض الأفلام التى وثقت الأحداث المهمة فى حياته منذ عام 1952 وحتى وفاته فى عام 1970. وعن مواعيد العمل الرسمية المسموح فيها باستقبال الجماهير، أشار مدير عام المتحف إلى أن المتحف مفتوح طوال أيام الأسبوع باستثناء يومى الجمعة والسبت، من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الثالثة عصراً، ولكن بعد زيارة وزير الثقافة حلمى النمنم، طلب استمرار العمل حتى الساعة الخامسة مساءً وبالمجان حتى يوم 15 من الشهر الحالى، بدون إجازات الجمعة والسبت، على أن يتم العمل بالنظام القديم من مواعيد الفتح والإغلاق فيما بعد.

 


مواضيع متعلقة