سوريون: رفضنا الهجرة إلى أوروبا.. وانصهرنا داخل المجتمع المصرى

سوريون: رفضنا الهجرة إلى أوروبا.. وانصهرنا داخل المجتمع المصرى

سوريون: رفضنا الهجرة إلى أوروبا.. وانصهرنا داخل المجتمع المصرى

حياة جديدة بدأها ما يزيد على 300 ألف لاجئ سورى فى مصر، بعد اشتعال ثورتهم فى مارس من عام 2011، عندما تحولت الأراضى السورية إلى ساحة معارك، بين النظام الحاكم والمعارضة والجماعات الإرهابية، الأمر الذى دفع مئات الألوف من المواطنين السوريين للبحث عن مكان آخر أكثر هدوءاً، يستوعبهم فى أزمتهم التى لا تزال مستمرة حتى اليوم، وكانت مصر من بين الدول التى استقبلت النصيب الأكبر من هؤلاء المهاجرين عن أوطانهم.

{long_qoute_1}

تقول ماريا الزايد، سورية تعيش فى مصر منذ 4 أعوام مع أفراد أسرتها الخمسة، إن الأولوية الأولى للإنسان المهاجر من أرض تسكنها الحروب والقتل والدمار، تكون البحث عن الأمن والأمان، أكثر من احتياجاته للغذاء والشراب والمسكن والمأوى، الأمر الذى دفع مئات الآلاف من السوريين -الذين يعانى بلدهم حرباً قاسية تدور رحاها منذ ست سنوات- للزحف إلى الأراضى المصرية الآمنة، التى لو اقتصرت مميزات الوجود فيها على تلك الصفة فقط لكفتها، خاصة بالنسبة لبعض السوريين الأثرياء الذين فروا بأموالهم، ويرغبون فى بدء مشروعات استثمارية وتجارية، وبعد مجيئهم فوجئوا ببعض التسهيلات التى توفرها الحكومة المصرية لجذب المستثمرين، مثل الإعفاء من الضرائب لمدة خمس سنوات من تاريخ البدء بالمشروع، بالإضافة إلى توافر المواد الخام واليد العاملة متوسطة الأجر والأراضى الصناعية بأسعار ميسرة للغاية.

تضيف «الزايد» أن مميزات العيش فى الأراضى المصرية لا تقتصر على الأغنياء من السوريين فقط، ولكنها تطال الطبقة المتوسطة ومتوسطى الدخل أيضاً، ويتمثل ذلك فى انخفاض تكاليف المعيشة فى مصر مقارنة بالدول المجاورة التى تقبل وجود السوريين على أراضيها، بالإضافة إلى إمكانية الدراسة بالمدارس والجامعات المصرية للطلاب السوريين بالمجان، ومن ثم تمكين الشباب السورى من أصحاب المهن وغيرهم من العمل فى مصر بسهولة نتيجة عدم تعنت قانون العمل فى مصر ضدهم من ناحية، وحاجة السوق المصرية للعمالة السورية التى تتميز بالالتزام والأمانة والعمل الدؤوب من ناحية أخرى.

{long_qoute_2}

ترى الفتاة العشرينية أن تعامل المصريين مع السوريين بدأ بالترحاب منذ اللحظات الأولى لبدء توافدهم على مصر إثر الثورة السورية فى عام 2011م، ولكن محاولات البعض لـ«تسييس» موقف السوريين وإلصاق تهمة الوجود فى اعتصام رابعة مع جماعة الإخوان الإرهابية، كان له أثر سلبى على تلك العلاقة من الناحية الشعبية، خاصة الرافضين لحكم «الجماعة» والمؤيدين للرئيس عبدالفتاح السيسى، وعلى المستوى الرسمى تمثل ذلك فى تشديد القوانين على تعاملات السوريين فى مصر، فيما يخص الإقامات وتأشيرات الدخول ورخص الاستثمار والحسابات والتحويلات المصرفية، وكان لذلك دوره فى تشتيت الكثير من العائلات السورية، ومعاناة بعضهم من عدم شرعية وجودهم فى مصر وإمكانية الاستمرار بالحياة والعمل فيها، لأسباب خارج إرادتهم، وتسبب ذلك فى فرار عدد كبير من السوريين إلى بلاد مجاورة لمصر عن طريق البحر خوفاً من القبض عليه وإعادته إلى سوريا مرة أخرى.

يؤكد فراس الحاج يحيى، محام سورى، يعيش فى مصر مع باقى أفراد أسرته الأربعة منذ ثلاث سنوات ونصف، على وجود قبول وتعاطف شعبى ورسمى تجاه الشعب السورى والقضية السورية منذ اندلاع ثورته فى عام 2011م، لدرجة وصلت إلى انصهار المجتمع السورى المكون من حوالى 300 ألف لاجئ سورى، داخل المجتمع المصرى، يتأثرون فيه بغلاء الأسعار، وينعمون بالأمن والأمان، بما يعنى أن ما ينطبق على المصريين، يصبح لزاماً على السوريين دون تفرقة أو فُرقة، الأمر الذى أدى فى النهاية لتحولهم إلى كيان اجتماعى واحد.

وأضاف «فراس» أن الإعلام المصرى ساهم بدرجة كبيرة فى نقل صورة إيجابية عن اللاجئ السورى، عندما وصفه بالصدق والإيجابية والأمانة، الأمر الذى ساهم فى فتح أبواب الرزق أمامه وجعله سلعة رائجة يستعين بها صاحب العمل المصرى، الأهم من ذلك طريقة التعامل المحترمة التى يجدها من أشقائه المصريين، عندما يدخلون عليه مقر عمله سواء فى المطاعم أو منافذ البيع والشراء.

«حياة كريمة وسط الأهل والأحباب فى ظل أمن وأمان ينقصهما تيسير بعض التعقيدات الروتينية»، هكذا جاء وصف المحامى الثلاثينى لوضع السوريين فى مصر، مناشداً الأجهزة المعنية بشئون اللاجئين سرعة التدخل لإنقاذ ما يزيد على 10 آلاف أسرة سورية جاءوا إلى مصر عن طريق السودان دون الحصول على تأشيرات دخول، ما سوف يزيد من تعقيدات تقنين وجودهم فى مصر، ومن ثم حرمان أطفالهم من الالتحاق بالمدارس خلال هذا العام، الأمر الذى يتطلب قراراً رئاسياً بسرعة تقنين أوضاعهم لإنقاذهم وذويهم، من احتمالية ترحيلهم، وبدء مسيرة جديدة فى مكان مجهول، أو أقل أماناً عن مصر، مع ضرورة الوضع فى الاعتبار تسريع الموافقات الأمنية على تأشيرات الدخول، لأنها عنصر أساسى فى التضييق على آلاف السوريين الذين يرغبون فى المجىء إلى مصر دون أن يتمكنوا من ذلك.

«أعيش وسط أهلى وناسى وحبايبى فى مصر بلدى الثانى والأول، أشعر أننى أحد أبناء مصر استقريت بها مع أولادى ولن أتركها، بلد الأمن والأمان، شعبها الطيب وناسها الحلوة، وحكومتها التى تعاملنا أحسن معاملة وتقف بجوارنا، ولم نر فيها سوى الخير فى الرزق والابتسامة والضحكة مع إخواننا فى مصر الذين أصبحنا جزءاً منهم».. بهذه الكلمات عبر خلدون منصور، الرجل السورى، عما يدور بداخله خلال إقامته فى مدينة مرسى مطروح، مستكملاً حديثه، جئت منذ حوالى عامين من سوريا إلى مصر عبر مطار القاهرة تاركاً منزلى فى مدينة حمص السورية فسألت فى المطار فور وصولى عن رغبتى فى الإقامة بمكان آمن، فدلنى أهل الخير عن محافظة مطروح بأنها من أفضل الأماكن الآمنة فى مصر، وترك أبنائى الذكور الثلاثة وزوجتى أصدقاءهم وأقاربهم وحياتهم ومدارسهم هناك وساورنا شعور بالقلق من المصير المجهول، وما إن وصلنا مرسى مطروح قابلنا أهلها بكل ترحاب ووجدنا سكنا رخيصاً بـ500 جنيه شهرياً، وبحثنا عن عمل لنأكل ونشرب، حيث لم يكن معى من المال سوى 800 دولار هى كل ما تمكنت من إحضاره من سوريا، بعد أن تركت مزرعة مواشى بها 800 رأس من الجمال وما يقرب من 350 رأساً من الأغنام، ومحل جزارة و3 سيارات وشقة وأموالاً لم أستطع إحضارها.

وتابع خلدون: سرعان ما نفد مالى حتى عملت فى أحد المحلات للمواد الغذائية أنا وأولادى الثلاثة بـ20 جنيهاً لكل فرد منا فى الوردية الواحدة، لأن العمل بسيط هنا والعمال كثيرون، إلى أن الله أنعم علينا بسوبر ماركت أعمل فيه أنا وأبنائى الثلاثة من خلال ورديات صباحية ومسائية وأصبح لنا دخل أفضل وتحسنت الأمور معنا بعد مرور عامين.

«شرطة المرافق والتموين يأتون لنا فى المحل ليتابعوا هل يوجد تجاوز أم لا مثل أى محل، لكننا نحافظ على سمعتنا».. هكذا تحدث محمد خلدون، الذى يعمل مع والده فى المحل، ويقول: «لا توجد لدينا مواد غذائية فاسدة أو تعدى على الرصيف والشارع، فرأينا منهم معاملة حسنة، ونتلقى منهم التعليمات وننفذها ويعاملونا بشكل جيد، نحن سعداء به، والآن أصبح لنا أصدقاء فى مصر وتحديداً فى مرسى مطروح تأقلمنا معهم ويجمعنا الود والاحترام حتى إن جيراننا فى السكن يأتون لنا فى الأعياد، يعيدون علينا ويجلسون معنا ويطمئنون علينا ونرى من أهلنا فى مصر معاملة طيبة، والحمد لله لا نزال نعمل ونعيش ونفرح مثل أى أسرة مصرية، حتى إننا رفضنا الهجرة إلى أوروبا وتحدثت أنا وأشقائى مع والدى عندما جاءتنا مكالمة هاتفية من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين قبل عيد الأضحى الماضى، التى كنا طلبنا منهم فور وصولنا مصر الهجرة لأوروبا، وكنا قد تناسينا ذلك، مع حياتنا وانشغالنا بأعمالنا، وكان ردنا بأننا حالياً لا نريد الهجرة بسبب استقرارنا التام فى مصر، ولن نعود إلى سوريا بعد ذلك حتى لو عادت واستقرت أمنياً، لأننا «ارتحنا فى مصر» ومن الممكن أن نقوم بزيارة بلدنا لمدة شهر كل عام.


مواضيع متعلقة