السكاكين اليدوية.. مهنة تراثية تقاوم النسيان في تركيا

كتب: وكالات

السكاكين اليدوية.. مهنة تراثية تقاوم النسيان في تركيا

السكاكين اليدوية.. مهنة تراثية تقاوم النسيان في تركيا

منذ نعومة أظافره، وجد "سليمان دمير" نفسه بجانب أبيه، في بلدة "سريك" بولاية "أنطاليا" جنوبي تركيا، يصنع ويشكّل ويسخن ويطَوع حديدًا ومعادن متنوعة، ليجعل منها سكاكين وآلات حادة ذات أشكال مختلفة معتمدًا في ذلك على مهاراة يديه وحسب.

ومع مرور السنة تلو الأخرى، بلغ عمر "دمير" الرابعة والسبعين، لكنه عازم على مواصلة إنجاز عمل أقل ما يوصف به أنه "ساحر" بقدر ما هو "رائع".

وبين أكثر من 8 صبية، كان "دمير" يتعلم المهنة، التي نوى أن يكرس لها حياته، بهمة كبيرة فصارع الحديد وقرون الماعز وطرق عليها وطوَعها في الشكل المراد، وتسابق مع أقرانه على الابتكار، وأبدع في صناعة وتشكيل السكاكين بكافة أحجامها ومقاساتها دون شكوى أو ملل، بل على النقيض هو قادر على انتزاع سعادته من بين المطرقة والنار.

وتجولت "الأناضول" في دكان "دمير" المُزين بالسكاكين والفؤوس وآلات حادة أخرى، لا تدع المارة يعبرون دون إمعان النظر إليها، وشاهدته وهو يشعل فرنه ويفحص المعادن والمواد الذي سيستخدمها طوال يومه، ثم شرع في أخذها بيده ووضعها بين قبضتين من الفولاذ ليبدأ بطرقها وتطويعها، ساحبا من حين لآخر قطعة من القماش، كانت معلقة في مسمار على الحائط جانبه، ليجفف خيوطا سوداء من العرق، سالت على وجهه بسبب الحرارة المرتفعة.

ويقول صانع الآلات الحادة، "أفتح دكاني يوميًا في السابعة صباحا، وبعد عمل شاق وطويل أفرش منتجاتي من السكاكين على فرشة أمام المارة، ونفسي ممتلأة بالفخر والاعتزاز لانجازي هذا الفن الذي يقاوم النسيان".

وبحسب وصف "دمير"، فإن حكايته مع صناعة السكاكين وتشكيل المعادن بدأت عندما كان في الثالثة عشر من عمره، وعلى الرغم من تقدم عمره ووصوله سن الرابعة والسبعين، فضلًا عن صعوبة حرفته، لازال يستخدم فرنه ومطرقته من أجل الحصول على لقمة العيش ومصدر ربحه الوحيد.

ويقول: "سعيت إلى الحفاظ على هذا الفن، فأفنيت عمري في إشعال النار والنفخ فيها، والطرق والتشكيل في درجات حرارة عالية جدًا من الصعب أن يتحملها الإنسان العادي، في وقت فضَل فيه الكثير من الأصدقاء استخدام الآلات في النقش والتشكيل".

ويعرب "دمير" عن قلقه حيال مهنة أجداده من الاندثار، لاسيما بعد هبوب رياح الحداثة وانصراف الشباب إلى العمل في الفنادق المعطرة بأفضل الروائح أو البحث عن وظيفة حكومية براتب ثابت، الأمر الذي حاول التغلب عليه بطريقته الخاصة من خلال تعليم ابنه المهنة وفتح دكان خاص له يكسب منه قوت يومه.

ويضيف: "مع الأسف بدأت أعداد المهتمين بالأعمال التراثية تقل في السنوات الأخيرة، وأضحى الشغف بالفن الحرفي أمرًا نادرًا، وصارت الحياة جامدة".

وتمنى "دمير" أن "يأتي يومًا ما إلى دكانه صبي يبغي الاحتراف في هذا الفن، وهذه الصناعة التي تخطو شمسها نحو الغروب".


مواضيع متعلقة