طريق الجامعات المصرية إلى التميز والعالمية!

على السلمى

على السلمى

كاتب صحفي

بعد أقل من أسبوع تستقبل جامعات مصر آلاف الطلاب فى بداية عام جامعى جديد، فهل هناك ما يبشر باختلاف هذا العام الدراسى الجديد عن الأعوام الماضية ويعطى الأمل فى مستويات أفضل من التعليم ومن ثم قدرات ومهارات أعلى للخريجين تمنحهم فرصاً أكبر فى أسواق العمل المحلية والإقليمية ولا أقول الأسواق العالمية! وهل نتوقع فى العام الجامعى الجديد تطويراً للبرامج الأكاديمية والتقنيات التعليمية مختلفة عما سارت عليه جامعاتنا منذ سنوات؟ وهل تتحسن مراكز بعض جامعاتنا العتيدة فى قوائم التصنيف لأفضل الجامعات فى العالم، وذلك فضلاً عن نجاحها فى الحصول على الاعتماد لبعض كلياتها ولا أقول جميعها؟ وهل نتوقع إسهامات بحثية وإنجازات معرفية تُمكن جامعاتنا من المساهمة بقدر معقول فى علاج بعض المشكلات الاقتصادية والمجتمعية والصحية التى تعانى منها مصر؟

وفى ضوء واقع الجامعات المصرية التى عرضنا لجوانب منه فى مقال الأسبوع الماضى، ستكون الإجابة بالنفى عن أغلب الأسئلة السابقة، ذلك أن النظام الجامعى فى مصر لا يدفع الجامعات الحكومية والخاصة إلى خوض غمار التطوير والتحديث إلا من رحم ربى! ومن ملامح ذلك الواقع الذى تعيشه الجامعات المصرية افتقاد مقومات جودة التعليم الحقيقية وانحصارها فى استيفاءات ورقية لمطالب الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد، الأمر الذى يفسر قلة عدد الكليات الجامعية التى تمكنت من الحصول على اعتماد الهيئة، واقتصار الاهتمام بقضية جودة التعليم على إنشاء مراكز ولجان للجودة دون تفعيل حقيقى وصرف مكافآت الجودة!

ومن المفترض أن تهتم الجامعات بملاحقة التطورات الحديثة فى التقنيات التعليمية، مما يجعل الجودة أمراً محتماً لا يستساغ معه ممارسة العمليات التعليمية بالأساليب التقليدية التى تفتقد عنصر الجودة بالقدر الكافى، ومع اشتداد الضغوط التنافسية وحدة الصراع بين الجامعات لاجتذاب أعضاء هيئات التدريس المتفوقين يجعل الاهتمام بالجودة من عوامل الجذب ذات التأثير الواضح، ومن أسف أن تقييد الجامعات المصرية الحكومية والخاصة على السواء بنظام مكتب التنسيق وترشيح الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة لدخول الجامعات بحسب المجموع الحاصل عليه الطالب يحرم الجامعات المصرية من التنافس وتعميق نظم الجودة لاجتذاب الطلاب الأفضل، من جانب آخر فإن ارتباط عملية الاعتماد Accreditation للجامعات يحتم عليها الالتزام بنظم ومفاهيم إدارة الجودة وتطبيقاتها فى جميع مجالات العمل التعليمى والإدارى، وفى كثير من دول العالم المتقدم يتوقف حصولها على دعم مالى من الحكومة على درجة التزامها بمعايير الجودة.

ومما يساعد على إقبال الجامعات لتطبيق نظم وقواعد الجودة وضوح الأضرار الناشئة عن افتقادها، حيث يفقد المتخرجون فيها القدرة على التنافس فى سوق العمل، إذ يبحث أصحاب الأعمال عن الخريجين من الجامعات المشهود لها بالجودة، وبالإضافة إلى توفير مقومات جودة التعليم والحصول على الاعتماد من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد أو من منظمة دولية معتبرة ومعترف بها فى مصر، فإن جامعات مصر أمامها طريق شاق للوصول إلى التميز والعالمية، وهما شرطان أساسيان لتحقيق مراكز متقدمة فى التصنيفات العالمية للجامعات الأفضل، وتأتى تنمية وتفعيل القدرة المؤسسية باعتبارها الخطوة الأولى لتصبح الجامعة قادرة على تقديم وتطوير الخدمات التعليمية والبحثية والمجتمعية التى قامت من أجلها بالكفاءة والتميز اللذين يتيحان لها التفوق والمنافسة على مراكز أفضل فى قوائم أفضل جامعات العالم، وتتركز مقومات القدرة المؤسسية فى وجود نظام للتخطيط الاستراتيجى بالجامعة، هيكل تنظيمى فعال، ونظم وإجراءات عمل تستخدم التقنيات الحديثة، هيكل بشرى يتصف بالكفاءة والرغبة فى الإنجاز يضم أعضاء هيئات التدريس والهيئات المعاونة والإداريين والفنيين، فضلاً عن فاعلية المجالس الجامعية وقدرتها على الحركة والتطوير المستمر، وتكون القيادات الجامعية الفاعلة ذات الرؤية عنصراً رئيسياً فى بناء الجامعة، وتلك قضية مهمة، إذ تنفرد السلطة التنفيذية فى الدولة باختيار تلك القيادات، والمطلوب اتباع النظم والأساليب المعمول بها فى جامعات العالم المتقدم التى تقوم على أساس تشكيل لجان اختيار محايدة تفحص مؤهلات المتقدمين لشغل وظائف رؤساء الجامعات ونوابهم وعمداء الكليات والمراكز البحثية دون اشتراط أن يكون المتقدمون من ذات الجامعة، وتكون سلطة اختيار وكلاء الكليات ورؤساء الأقسام العلمية لمجلس الجامعة، ويا حبذا لو تم تشكيل مجلس للأمناء بكل جامعة تعرض لجنة الاختيار توصياتها عليه لاتخاذ القرار، وفى غيبة تلك المجالس تعرض توصيات لجان الاختيار على السلطة التنفيذية المختصة إلى حين تطوير النظام الجامعى من أساسه!

كما يكون نجاح الجامعة فى إنجاز مهمتها بتقديم خدمة تعليمية ترتفع بقدرات ومهارات طلابها وتوفير البرامج الأكاديمية المتفوقة وأساليب وتقنيات التعليم المتميزة، والمعلمين الأكفاء ذوى المعرفة، والمساعدات المادية والتقنية الحديثة لمساندة العلمية التعليمية وبالأساس تكون المكتبات وقواعد المعلومات وبنوك المعرفة فى مقدمة الاهتمامات.

وتثير قضية نظام القبول فى الجامعات المصرية على أساس معيار وحيد هو درجة النجاح فى الثانوية العامة أمراً فى غاية الخطورة على مستقبلها وإمكانيات وصولها إلى درجات متقدمة بين جامعات العالم، إذ تكون الجامعات غير قادرة على السيطرة على مستويات كفاءة وقدرات الملتحقين بها والكليات التى يتم قبولهم بها، إن الجامعات فى العالم المتقدم تهتم بوضع سياسات واضحة لقبول الطلاب بكلياتها المختلفة تتفق ورسالتها ورؤيتها الاستراتيجية والأهداف والغايات التى تستهدفها، وتعمل على تطبيقها وتصميم نظام لمراجعة تلك السياسات وما قد تصادفه من مشكلات فى التطبيق، أو ما قد ينشأ من متغيرات تجعل تطوير تلك السياسات لازماً، وفى ظل التوجه العولمى، وأخذاً فى الاعتبار أهمية وجود نسبة معتبرة من الطلاب من دول أخرى، تضع الجامعة نظاماً لاستقطاب الطلاب الوافدين، وتعمل على تيسير إجراءات تقدمهم واختيار الأفضل من بينهم، ويكون على الجامعة الراغبة فى التفوق العالمى الأخذ بأنماط التعليم المتجددة، ومنها التعليم من بعد والتعليم الإلكترونى، وأخيراً يكون تطوير نظم تقويم الطلاب من أساسيات زيادة الفاعلية التعليمية، وذلك بتطبيق نظام للتقويم المتكامل للطلاب لا يستند فقط إلى اختبارات نهاية الفصل الدراسى، بل يشمل كافة الفعاليات التى يشارك فيها الطلاب على مدى الفصل الدراسى، والتأكيد على ضرورة توافق أساليب التقويم مع محتويات المقررات المعلنة، التى تم تدريسها، فضلاً عن المساحة المعرفية التى يفترض أن ينميها الطلاب بجهودهم فى التعلم الذاتى.

كما يجب على الجامعات المصرية تعميق الأنشطة البحثية والمعرفية تهدف إلى استثمار طاقات أعضاء هيئة التدريس فى إجراء بحوث علمية تستهدف استكمال متطلبات تنمية المصادر المعرفية وتطوير البرامج التعليمية من جانب، والمساهمة فى تنمية المعرفة الإنسانية والوصول إلى مصاف الجامعات البحثية، وتسعى الجامعة إلى زيادة نسبة أعضاء هيئة التدريس المشاركين فى تنفيذ الخطط البحثية، وحفزهم لنشر بحوثهم العلمية فى المجلات والدوريات المتخصصة محلياً ودولياً ذات التأثير المرتفع High Impact Factor، كذلك تهتم الجامعات بتنظيم ندوات وورش عمل ومؤتمرات لمناقشة قضايا علمية ومجتمعية ذات أهمية. وتحتل الدراسات العليا مكاناً معتبراً فى الجامعات الساعية إلى التميز والتفوق العالمى فضلاً عن السبق بين الجامعات الوطنية.

تلك بعض علامات على طريق التميز الجامعى نرجو أن توفق جامعاتنا فى الأخذ بها!!