ملاهي أطفال "الغوطة الشرقية" تحت الأرض وأراجيحهم من مخلفات الصواريخ

ملاهي أطفال "الغوطة الشرقية" تحت الأرض وأراجيحهم من مخلفات الصواريخ
يهوى أطفال الغوطة الشرقية كغيرهم من الصغار حول العالم الأراجيح والملاهي، لكن ألعابهم غير تقليدية فهي إما موجودة تحت الارض أو مصنعة من مخلفات صواريخ قصفت بها منطقتهم قرب دمشق على أمد أربع سنوات.
قبل ثلاث سنوات، وأثناء مروره في أحد شوارع مدينة دوما، رأى أبو علي البيطار طفلاً يلعب بمخلفات الصواريخ، وبدل أن تبقى بقايا من أدوات الحرب، قرر أن يطورها مستغلا خبرته في أعمال الحدادة لتستخدم لأغراض سلمية.
بدأ أبو علي الأربعيني الذي يعمل دهاناً، بجمع مخلفات الصواريخ حيثما وجدها، وتمكن من تجميع حوالى "40 إلى 50 صاروخا" على حد قوله.
وفي أحد شوارع دوما، يجلس أبو علي على كرسي إلى جانبه طفل يتمرجح في لعبة على شكل صاروخ أحمر اللون، ويروي "في البداية اعتبرني الجيران مجنوناً فلم يكونوا يدرون أني أصنع الألعاب للأطفال، وكانت المفاجأة حين خرجت عليهم في أحد الأيام محملاً بالأراجيح".
ويضيف: "بعد ذلك بدأ الناس بتشجيعي وبات الفلاحون يحضرون لي أي مخلفات لصواريخ أو قذائف هاون تسقط على أراضيهم".
وتعد دوما منذ العام 2013 معقلاً للفصائل المعارضة والإسلامية في "الغوطة الشرقية" قرب دمشق.
"صواريخ ملونة" وفي ظل الحصار الخانق من الجيش السوري، ابتكر سكان دوما ألعاباً وسلعاً عديدة بديلة للتأقلم مع وضعهم الجديد.
وشكلت القذائف مصدر إلهام للبعض، فعمد أحدهم إلى الرسم عليها لتتحول قذيفة الهاون إلى تحفة فنية يشتريها الأحباء هدية بدلاً من بضائع ومنتجات غابت عن الأسواق.
وتحولت سياسة الحصار خلال سنوات النزاع السوري إلى سلاح حرب رئيسي تستخدمه الأطراف المتقاتلة كافة، ويعيش بحسب الأمم المتحدة، نحو 600 ألف شخص في 19 منطقة محاصرة في البلاد التي دمرتها الحرب، 452 ألفاً و700 شخص منهم يحاصرهم الجيش السوري، خصوصاً في ريف دمشق.
وتنعم دوما حالياً بالهدنة المعلنة منذ أيام بموجب اتفاق أميركي روسي، ما سمح للأطفال والعائلات بالخروج من منازلهم والتنزه.
وفي أحد إحياء المدينة، تلعب حنين الطفلة البالغة من العمر عشر سنوات بالأراجيح وهي التي فقدت يدها اليمنى بصاروخ أطلقته طائرة حربية واستهدف سوقا كانت في طريقها إليه.
وإلى جانبها، تعرب غدير "تسع سنوات" عن فرحتها بالأراجيح، وتقول "عمو أبو علي حوّل لنا الصواريخ إلى أراجيح وبشار الأسد أرسل صواريخ يقتلنا، أما عمو أبو علي ولكي لا نزعل حول لنا الصواريخ إلى ألعاب لكي يفرحنا".
تأخذ الأراجيح التي يصنعها أبو علي أشكال الصواريخ وهي ملونة بالأحمر والأزرق والأصفر والأخضر.
ويقول "أبو علي": "الفكرة بدأت من الطفل وإن شاء الله تكون سعادة للطفل".
ترك الأطفال، وفق أبو علي، الأراجيح العادية "وباتوا يركضون للعب بتلك المصنوعة من صواريخ".
ويضيف: "هذه براءة الأطفال، فالطفل لا يعرف أن هذا الصاروخ الذي يلعب عليه ويفرح به هو ذاته الذي القته طائرة ميغ".
ويخلص بالقول: "هذه هي المعادلة المستحيلة أن يتحول شيء هدفه القتل إلى لعبة يفرح بها الاطفال".
يأمل أبو علي بعد انتهاء الحرب أن يخرج أراجيحه لعرضها في الدول الاوروبية، أو أن "يأتوا الينا في الغوطة الشرقية ويروا الأراجيح تتحول إلى تحف".
"القبو امان" وتتعرض المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية منذ العام 2013 وبشكل شبه يومي للقصف المدفعي والجوي، ما أسفر طوال هذه السنوات عن سقوط إعداد كبيرة من القتلى.
وللفرار من القصف، انشأ سكان مدينة عربين (جنوب دوما) الملاهي للأطفال ولكن في قاعات تحت الأرض ليتيحوا لهم اللعب دون خوف".
وخلال عيد الاضحى الأسبوع الماضي، عمد متطوعون إلى استئجار اقبية للقيام بنشاطات يستمتع بها الأطفال.
ويقول حسان، مدير فريق "ملهم" التطوعي: "بسبب القصف على الغوطة الشرقية، أجبرنا على استئجار اقبية تحت الأرض مجهزة بصالات ألعاب كاملة ومسرح لنفرّح الأطفال".
وفي أحد أحياء عربين، ينزل الأطفال على ادراج حجرية، يصلون إلى قبو تحول إلى "مدينة ملاهي"، يكملون طريقهم في نفق طويل ليصلوا إلى قبو آخر ملأته الأعمدة الملونة وانتشرت فيه الألعاب منها ما يأخذ شكل حيوانات يتأرجحون عليها وأخرى يتسلقون عليها ويتزحلقون.
وتلعب يمنى (خمس سنوات) على أرجوحة تأخذ شكل حصان، وتقول "العيد هنا في القبو، لأن هنا أمان".