أزمة لبن الأطفال.. تقصير حكومى وقصور تشريعى

شهدت مصر مؤخراً أزمة نقص لبن الأطفال، حيث شهدت منافذ التوزيع تزاحماً تحول مع عدم وجود علب اللبن إلى احتجاجات وقطع طرق. وتعليقاً على هذه الأزمة، قالت رئيس قطاع الرعاية الصحية بوزارة الصحة، ومدير مشروع ميكنة ألبان الأطفال: «إن أزمة لبن الأطفال مفتعلة من أصحاب المصالح من موظفى الشركة المصرية للأدوية، وكذلك السيدات الوسيطات لتهريب اللبن للسوق السوداء». وأضافت المسئولة ذاتها: «نشجع الأم على الرضاعة الطبيعية»!. وطالب المتحدث الرسمى للوزارة الأمهات بتنفيذ نصائح منظمة الصحة العالمية لتقليل وفيات الأطفال وتشجيع الرضاعة الطبيعية، مؤكداً فائدتها لحماية الأم من الأورام وأنها تزيد مناعة الطفل وتحميه من الإسهال.

ولا يجادل أحد فى فوائد الرضاعة الطبيعية، وأنها تقلل خطر الإصابة بسرطان الثدى والرحم وخطر الإصابة بهشاشة العظام، وأن لبن الأم مفيد للطفل ويساعد على تنظيف الأمعاء، ويقلل بالتالى من خطر التعرض للإصابة بالصفراء، وأن العناصر الغذائية الموجودة بلبن الأم تزيد من نسبة ذكاء الطفل. كذلك، تظهر البحوث وجود علاقة وثيقة بين الرضاعة الطبيعية والوقاية من السمنة فى مرحلة الطفولة. هذا كلام لا خلاف عليه، ولكن ماذا فعلت الدولة ووزارة الصحة تحديداً من إجراءات لتشجيع الأمهات على الرضاعة الطبيعية؟

لقد أصدرت منظمة الصحة العالمية، فى سنة 1981م، المدونة الدولية بشأن تسويق بدائل حليب الأم، التى تؤكد أهمية الرضاعة الطبيعية. كذلك، فإن المادة الرابعة والعشرين البند الثانى (هـ) من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لسنة 1990م تلزم الدول بأن تتخذ التدابير المناسبة من أجل «كفالة تزويد جميع قطاعات المجتمع، ولاسيما الوالدين والطفل، بالمعلومات الأساسية المتعلقة بصحة الطفل وتغذيته، ومزايا الرضاعة الطبيعية، وحصول هذه القطاعات على تعليم فى هذه المجالات ومساعدتها فى الاستفادة من هذه المعلومات».

وتنفيذاً لهذا الالتزام الدولى، عمدت العديد من الدول الأجنبية إلى إصدار التشريعات الرامية إلى تشجيع الرضاعة الطبيعية. ففى المملكة المتحدة، على سبيل المثال، لاحظت الحكومة أن معدلات الرضاعة الطبيعية هى من بين أدنى المعدلات فى أوروبا وأقل مما هى عليه فى العديد من الدول الأخرى. وللقضاء على هذه المشكلة، صدرت اللائحة البريطانية بشأن الألبان الصناعية للأطفال لعام 2007م، والتى تضع ضوابط على تسويق بدائل حليب الأم.

وعلى الصعيد العربى، نجد أن الجمهورية اللبنانية أصدرت المرسوم الاشتراعى رقم 110 الصادر فى 16 سبتمبر 1983م المتعلق بتسويق بدائل حليب الأم. وفى عام 2008م، وتحديداً فى 11 ديسمبر، تم إلغاء هذا القانون وحل محله قانون تنظيم تسويق منتجات تغذية الرضيع والوليد ووسائلها. وتحدد المادة الثانية من هذا القانون الهدف منه، بنصها على أن «يهدف هذا القانون إلى الاهتمام بتوفير التغذية المأمونة والصحية للرضع والأطفال اليافعين عن طريق حماية وتشجيع ودعم الرضاعة الطبيعية، وضمان الاستعمال السليم لأغذية الرضع والأطفال والأغذية التكميلية عندما تدعو الحاجة إليها استناداً للمعلومات المناسبة وتوفير المعلومات الملائمة والتثقيف للأهل والعمال الصحيين فى مجال صحة وتغذية الرضع والأطفال اليافعين، وذلك من خلال تنظيم ممارسات التسويق والتوزيع بما يتلاءم مع ذلك الهدف. إن هذا القانون يحث على الإرضاع الطبيعى لمدة ستة أشهر حصراً وعلى تبنى عادات التغذية التكميلية والمناسبة للإرضاع من سن الستة أشهر تقريباً، مع التأكيد على متابعة الإرضاع من الثدى لمدة لا تقل عن سنتين كأسلوب لدعم تغذية الرضيع والوليد». وتلقى المادة الرابعة من القانون ذاته التزاماً على وزارة الصحة العامة بأن تعمل على «بث المواد المعلوماتية والتثقيفية حول التغذية الطبيعية للرضع والأطفال اليافعين ولها أن تفوض اللجنة الوطنية أو أى جهة أخرى ليس لديها بشكل مباشر أو غير مباشر أية اهتمامات تجارية فى مجال تغذية الرضع والأطفال اليافعين من أجل ضمان تنفيذ أحكام هذا القانون». كذلك، يضع القانون قيوداً على الترويج أو الإعلان عن منتجات الرضاعة غير الطبيعية.. وللحديث بقية.