متى يتحدث مكتب النائب العام؟

خالد عكاشة

خالد عكاشة

كاتب صحفي

فى قضية التلاعب بتوريد القمح إلى الصوامع، وتربح أصحاب هذه الصوامع التى خضعت لتفتيش رقابى وشكلت لها لجنة لتقصى الحقائق من البرلمان، ثارت العديد من التساؤلات والغبار الكثيف الذى طال الحكومة الحالية، والذى وصل لحد استقالة أحد وزرائها «وزير التموين»، وحتى اللحظة رغم مرور ثلاثة أسابيع على تقديمها ومغادرته، لم تخرج إجابة شافية واحدة عن أشهر تلك التساؤلات وهو لماذا خرج الوزير؟ هل هو محل اتهام أو ثبتت إدانته؟ ودخول الوزير السابق هذه الدائرة هل بجرم التربح المباشر، أم بالبعد السياسى المتعلق بإصدار قرارات سهلت وفتحت الأبواب أمام تلك العصابات المنظمة، كى تغترف من أموال وقوت الشعب المصرى؟

ردود الفعل الحكومية والبرلمانية مما يمكن تفهمه، وإن كانا قد صدرا للشارع مساحة كبيرة من المشاعر السلبية التى كانا فى غنى عنها، والمقصود بالتفهم هنا أن ذلك هو فى النهاية رصيد الثقة والحصاد الذى سيدفع كلاهما ثمنه عاجلاً أو آجلاً، فالحكومة يبدو أنها لا تضع الرصيد الشعبى على قائمة أولوياتها بالمرة، وواقعة القمح «أهم السلع الاستراتيجية» لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة فيما بدا من سلبية وقلة حيلة، والبرلمان هو الآخر استطاع فى سرعة مثيرة «الفصل التشريعى الأول» أن يحوز قدراً واسعاً من تجاهل الرأى العام، وصار يشكل هماً حقيقياً ضاغطاً على مشاعر كافة المتابعين، وغلبت العشوائية ومعارك السباب والصراخ وأزاحت أصوات الجادين وضربتهم وضربتنا بإحباط عميق، لتظل الجهود الرقابية الحقيقية قابعة بالمقاعد الخلفية، ولم يعد أحد يعول عليهما أو يراهن على دور يقومان به يحقق إنجازاً ما.

ليبقى لنا فى النهاية ملاذ وحيد هو ساحات العدالة والقانون، وفى القلب منها معالى المستشار النائب العام ومنظومة النيابة العامة، وهم محامى الشعب الأصيل وممثله فى تلك الساحة، وإن كانت هناك حرب حقيقية سنخوضها ضد الفساد والفاسدين والمحتكرين، فلن يكون هناك فرسان لتلك المعركة سوى رجال تلك المنظومة الوطنية، بما يملكونه من الأسلحة القانونية القادرة على الردع، فضلاً عن كون النائب العام هو سلطة التحقيق والمدعى العام الذى يملك سلطات واسعة تمكنه من محاصرة الخلل الفادح، وفى هذا الإطار «على خلاف المعتاد» دوماً ينظر إلى التوسع فى سلطات النيابة العامة بالكثير من الارتياح والاطمئنان والشعور بالسند المتوقع، فلصالح التحقيق تصدر مثلاً قرارات منع من السفر وتحفظ على أموال وتجميد حسابات بنكية وإيقاف مؤقت لنشاط ما، وهى إجراءات تحاصر بالوسائل القانونية شبكات الفساد العنكبوتية وتستهدف ضرب عملها المؤسسى البارع فى الاختراقات والنفاذ من العدالة، وهذا ما دفع التساؤلات لأن تثور حول تحقيقات قضية فساد القمح، لا سيما مع الغموض الذى بدا من أخبار هؤلاء الذين سددوا ملايين وخرجوا من سراى النيابة.

ما كان أحوجنا فى فصول تلك الحرب الشرسة التى لم تضع أوزارها بعد، أن يخرج بيان شافٍ من النيابة العامة يضع الأمور فى نصابها، على الأقل يفسر هل المبالغ التى وصلت أخبارها للرأى العام عن طريق الصحافة، هى من قبيل حكم بالكفالة وأن التحقيقات ما زالت جارية، أم أن هؤلاء كما يروجون فى أوساطهم ويتداوله الناس عنهم، أنهم قد استفادوا من التعديلات التى طرأت على قانون العقوبات فى باب التصالح برد الأموال التى تمكنت جهات التحقيق من إثبات تلاعبهم فيها أو نهبها.

النيابة العامة اليوم هى رأس الحربة التى تستطيع وتملك أن تضع الأمور فى نصابها الصحيح، وخروج متحدث رسمى لمكتب النائب العام يضع الحقائق أمام الشعب وكيف وأين وصل التحقيق مع هؤلاء الفاسدين، هذا من أسلحة الدولة الشريفة والمقدرة، خاصة إن استتبعها تكليف للجان وللسلطة التنفيذية بمواصلة التفتيش على باقى الصوامع وعرض النتائج على النائب العام، وهذه من السلطة القانونية للنيابة التى ينتظر منها الجميع استعمالها، حديث المدعى العام المباشر مع الرأى العام وتلقى أسئلته وإحاطته علماً بجهود التحقيق وقراراته ونتائجه يصنع جداراً مطلوباً من الردع، ويزرع مساحات كبيرة من الثقة نحن فى أشد الحاجة إليها الآن قبل الغد.