الثابت والمتغير فى الأزمة السورية

وفاء صندى

وفاء صندى

كاتب صحفي

تعيش الأزمة السورية على وقع مجموعة من المتغيرات يمكن أن يراها البعض بارقة أمل للاقتراب من حل لهذه الأزمة التى تجاوزت الخمس سنوات ونصف السنة، فى الوقت الذى كانت للولايات المتحدة وروسيا فيه وجهات نظر متباعدة بخصوص النزاع السورى، حيث رفضت روسيا دائماً تغيير النظام فى سوريا، بينما تمسكت الولايات المتحدة برحيل الرئيس بشار الأسد، إلا أنه بظهور داعش وتكثيف عملياته داخل سوريا وتمدده خارجها، وجدت أمريكا وروسيا أرضاً مشتركة للتفاهم والتشاور حول تنسيق حملات عسكرية ضد داعش وباقى الجماعات المصنفة إرهابية فى سوريا، وتوسّع هذا التفاهم ليشمل أيضاً مناقشة اتفاق إطارى خاص بتسوية النزاع السورى.

ولأن سوريا لا تشكل مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة لأنها دولة لا تمتلك موارد مغرية ولم تعد طرفاً فى المحور الضامن للاستقرار فى الشرق الأوسط، والذى كان يضم أيضاً السعودية ومصر، بعدما دخلت المنطقة فى حرب محاور وانضوت سوريا فى المحور الإيرانى، كما صرح بذلك نائب الرئيس الأمريكى، جو بايدن، لمجلة «أتلانتيك». ولأن المعطيات السورية لا تلبى شروط التدخل الأمريكى الواسع، فقد تحدّث بايدن عن «إعادة التوازن» مع روسيا، وتعديل الوضع الذى ورثته الإدارة الديمقراطية من جورج بوش، وكانت فيه الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة فى العالم بلا منازع، وإلى الانخراط مع قوى دولية أخرى، لأن الموقف الأمريكى من مشكلات العالم قد تغير، وبات من الحيوى تعزيز التحالفات وبناء ترتيبات جديدة تقوم على تشارك المسئوليات والمعلومات.

وفى إطار بناء هذه الترتيبات الجديدة، وحسب المعلومات المتداولة، يبدو أن التفاهمات الأمريكية الروسية حول المرحلة الانتقالية للعملية السياسية فى سوريا قد قطعت شوطاً كبيراً. فأمريكا لم تعد مصرة على موقفها الرافض لاستمرار الأسد، ومن هنا اقترحت واشنطن خلال الأسابيع القليلة الماضية على روسيا من خلال القنوات الدبلوماسية والسياسية خيارين فيما يتعلق بمستقبل بشار الأسد: الأول، أن يعلن الرئيس السورى فى غضون شهر أنه لن يترشح لانتخابات رئاسية بعد انتهاء فترة الـ18 شهراً المقترحة للفترة الانتقالية، وأن يتم نقل سلطاته بعد العام والنصف إلى شخصية علوية مؤثرة ومقربة، بشرط أن لا تكون هذه الشخصية قد تورطت فى الأزمة بشكل مباشر، على أن يخرج الأسد من المشهد، وتُمنح له ولأسرته كافة الضمانات السياسية والقانونية.

أما الخيار الثانى، فهو أن ينقل الرئيس الأسد صلاحيته لمجلس مكون من 5 شخصيات من نواب الرئيس (2 من النظام +2 من المعارضة+ 1 مستقل) ويتم الإعلان عن ذلك خلال شهر، وفى هذه الحالة فإن الولايات المتحدة لن تمانع من أن ينافس الأسد فى الانتخابات الرئاسية التى سيتم تنظيمها بعد انتهاء مدة الـ18 شهراً للفترة الانتقالية.

وللترويج لهذه التفاهمات فإن واشنطن تُجرى فى الوقت الراهن اتصالات مكثفة مع موسكو بشكل مباشر ومع طهران بشكل غير مباشر، حيث أرسلت واشنطن وفداً سياسياً رفيع المستوى من الحزب الديمقراطى إلى موسكو مؤخراً لنقل رسالة إلى الرئيس بوتين مفادها أن الحزب الديمقراطى يحتاج إلى تحقيق إنجاز حقيقى فى ملفات الأزمات المحتدمة فى الشرق الأوسط، وأن من أولويات الحزب الخارجية تحقيق إنجاز ملموس فيما يتعلق بملف سوريا، من خلال التصدى لانتشار الجماعات التكفيرية والإرهابية المتطرفة، وفى مقدمتها داعش، خاصة أن هذه الإنجازات من شأنها تعزيز فرص فوز هيلارى كلينتون، المرشحة الديمقراطية خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

أما المتغير الأساسى الثانى فى الأزمة السورية فهو موقف تركيا التى بذلت أقصى ما فى وسعها من أجل إزاحة الأسد، وإن تطلب ذلك منح الدعم للجماعات المسلحة فى سوريا، والسماح لآلاف المقاتلين الأجانب بالعبور إليها عبر حدودها، من أجل الانضمام إلى داعش وباقى التنظيمات الإرهابية، معتقدة أن تقوية هذه التنظيمات سيسمح بالتخلص من نظام الأسد. لكن حسابات تركيا كانت خاطئة، فالأسد لم يزده توحش داعش وما بات يشكله من خطر على أوروبا والعالم إلا تقوية لموقفه، خاصة مع الحرب التى يخوضها الجيش السورى ضد تنظيم الدولة. بينما فى المقابل اكتوت تركيا بنار الإرهاب على أرضها بدافع الانتقام وتصفية الحسابات، خاصة بعد إجراءاتها ضد حزب العمال الكردستانى فى الجنوب على طول الحدود السورية.

إن التحول الواضح للسياسة الأمريكية فى سوريا، والذى أصبح يسير فى اتجاه الموقف الروسى، مع الضغط الممارس على تركيا سواء من أوروبا، التى أصبحت تتهم أنقرة بدعم الإرهاب، أو من روسيا التى لا تزال مقاتلاتها تخترق المجال الجوى التركى، والتى أصبحت تلاعب تركيا بورقة الأكراد، حيث عملت روسيا على إمداد حزب العمال الكردستانى بالأسلحة ودعم الأكراد فى سوريا. بالإضافة إلى ما تعيشه تركيا من أوضاع داخلية مقلقة جراء الانقلاب الفاشل، كل ذلك سوف يدفع تركيا إلى تغيير استراتيجيتها فى سوريا، حيث أعلن رئيس الوزراء التركى أن تركيا تقبل بقاء الأسد فى السلطة خلال فترة انتقالية.

الواضح أن هناك شبه اتفاق بين القوى الدولية والإقليمية (أمريكا، روسيا، تركيا، وإيران) بخصوص وضع الأسد، لكن يبقى هناك سؤال جوهرى يشكل الثابت فى الأزمة السورية منذ اندلاعها فى 2011، وهو مدى انسجام تحركات هذه القوى مع نص القرار 2254 الملتزم بـ«وحدة سورية»، فهل سيحافظ تداخل مصالح هذه القوى على وحدة سوريا أراضى وسيادة، أم أن جميع الاستراتيجيات المعتمدة ستؤدى بالنهاية إلى التقسيم؟