الصراع على «علبة لبن»: معاناة وبكاء على أبواب المراكز الطبية

كتب: محمد سعيد

الصراع على «علبة لبن»: معاناة وبكاء على أبواب المراكز الطبية

الصراع على «علبة لبن»: معاناة وبكاء على أبواب المراكز الطبية

معاناة شديدة، وحسرة ممتزجة بحالة غضب عارمة، على وجوه الآباء والأمهات، الذين جاءوا إلى منفذ الشكاوى التابع للشركة المصرية لتجارة الأدوية بمعهد ناصر فى شبرا، أملاً فى الحصول على حصة اللبن المدعم الذى يحصلون عليه أسبوعياً لأطفالهم. وتساءل الجميع: من أين يأتون بعبوة لبن لأطفالهم؟ ولماذا تتعامل معهم شركة الأدوية ووزارة الصحة بتلك الطريقة؟ ومن المسئول عن اختفاء لبن الأطفال المدعم؟ معاناة حقيقية يعيشها جميع الآباء والأمهات، بعضهم يتركون محافظاتهم، ويأتون إلى القاهرة، والبعض الآخر يترك عمله حتى يحصل على حصة طفله من اللبن، لكن جميعهم اتفقوا فى أنهم لا يستطيعون شراء لبن أطفال لأبنائهم. {left_qoute_1}

محمد صلاح، 33 عاماً، محامٍ، يسكن فى شبرا الخيمة، يقف أمام سور الشركة المصرية لتجارة الأدوية تظهر عليه علامات الغضب والحزن الشديد، لا يعرف من أين يأتى لطفله صاحب الأربعة أشهر بعلبة لبن مدعم، ويبدأ حديثه قائلاً: «أنا عندى طفل عنده 4 شهور، ومن أول ولادته جبت لبن أطفال من الصيدليات أبو50 جنيه، لكن ماقدرتش بأى وسيلة إنى أستمر فى إنى أجيبه، لأن دخلى على قدى وماقدرش عليه، والطفل بيحتاج علبتين فى الأسبوع، طب وانا هاجيب منين علبتين فى الأسبوع، كده هادفع أكتر من 100 جنيه فى الأسبوع، وأنا عليا التزامات كتيرة من إيجار وكهرباء ومياه، ولا أنا ولا أى حد من اللى هنا يقدر على الفلوس دى، لأن أى حد يقدر مش هيبهدل نفسه البهدلة دى، ومع الغلاء غير الطبيعى فى كل حاجة أنا كده هاضطر أسرق علشان أقدر أجيب لبن لطفلى، وأنا كبير أقدر أستحمل وأحرم نفسى من حاجات كتيرة لكن هو مايقدرش».

ويتابع «صلاح»: «إحنا جينا هنا لاقينا النهارده ورقة متعلقة مكتوب عليها مفيش صرف ألبان من النهارده إلا فى مراكز حجازى وعثمان ونوبار والتلاتة فى شبرا الخيمة، وقالوا لنا إن ده قرار الوزير، وهو مُصر أنها تتوزع فى مراكز الأمومة والطفولة، وأنا كنت من الناس اللى قلت مش هاعمل تجمهر، وقسّمنا نفسنا مجموعات، ورُحنا على أقرب مركز لشركة الأدوية وهو مركز حجازى، قالوا هناك ماعندناش تعليمات نصرف لأى حد منكم، وكل واحد يصرف من المركز اللى تابع له، طب إزاى يقولوا لنا كده، وهى المراكز اللى متخصصة لينا، ومن الآخر كده انضحك علينا». {left_qoute_2}

تجلس الحاجة رضا فتحى، 57 عاماً، أمام البوابة الجانبية للشركة بشارع شركات الأدوية على أمل العودة إلى المنوفية بعبوة لبن لحفيدها صاحب الشهرين، الذى لا يهدأ من البكاء، وإلى جواره والدته المريضة التى لا تستطيع مساعدته بإرضاعه طبيعياً، تقول «رضا» فى حسرة: «أنا باجى من أشمون بالمنوفية كل أسبوع علشان أجيب علبة لبن لحفيدى، والناس هنا مش راضيين يدونا علبة لبن، وبقالى شهر كامل وماخدتش غير علبتين بس والنهارده قالوا لبن مفيش خالص وأنا ست كبيرة ماقدرش على البهدلة دى، وقالوا لنا روحوا المكتب الصحى وروحنا وبرضه مفيش هناك طب إحنا هنعمل إيه دلوقتى ده أنا هنا من الساعة 6 الصبح وهارجع على المغرب وإيدى فاضية برضه، وأم الطفل تعبانة وماتقدرش تنزل تجيب له اللبن وإحنا كل أسبوع والتانى جايين بأوتوبيس وراجعين بأوتوبيس وكله من غير فايدة».

وتضيف «رضا»: «الواد أنا سايباه فى البيت عمال يعيط ومش عارفين نعمل له حاجة ولا نأكله إزاى، ومفيش أى منافذ فى المنوفية نجيب له لبن منها، وإحنا مانقدرش نجيب له لبن من الصيدليات لأنه غالى أوى علينا وأبوه على قد حاله وبيقبض كل 3 شهور، واللى بيجيبه بيروح على الميه والكهرباء ولسه دافعين فيهم الأسبوع ده 2500 جنيه، ومين فينا معاه كل أسبوع 100 جنيه علشان يجيب للعيل لبن، والأم تعبانة ونايمة على السرير وهو بيعيط ونأكله ينسون وكراوية، وبمنشيه على الحاجات دى».

وعد مصطفى، 23 عاماً، تسكن فى عزبة النخل، أنجبت «محمد» منذ ثلاثة أشهر، وعجزت عن إرضاعه طبيعياً، واضطرت لأن تأتى أسبوعياً إلى منفذ الشكاوى فى شبرا للحصول على حصة طفلها من اللبن المدعم، تُفكر كيف توفر اللبن لطفلها الرضيع، وإن وفرت عبوتين هذا الأسبوع، فمن أين ستأتى بأموال لشراء اللبن فى الأسبوع التالى، تقول: «عندى طفل عنده 3 شهور وأنا لبنى ضعيف، ومش باقدر أرضعه، ولو كان بيرضع طبيعى منى أنا مش هانزل وأتبهدل كل البهدلة دى، وأنا باجى كل أسبوع من عزبة النخل لحد هنا فى شبرا علشان ألحق علبة لبن لابنى، وأقل علبة لبن دلوقتى سعرها 63 جنيه، والطبيعى أن ابنى بيحتاج علبتين لبن فى الأسبوع يعنى حوالى 500 جنيه فى الشهر، طب أنا هاجيب منين وانا جوزى شغال مع جزار وقبضه 500 جنيه، ودول بندفع منهم الإيجار والمياه والكهرباء وكل حاجة غليت، ومحدش فينا اتكلم، لأننا ممكن ماناكلش ونحرم نفسنا من حاجات، لكن الطفل ده مالوش حل تانى، ونجيب له لبن منين وعايزين بس حد يقول لنا نعمل إيه ولا نأكله ونشرب الطفل ده إيه واحنا عايزين حق الطفل ده».

وتضيف «وعد» بصوت حزين: «أنا جيت يوم الخميس اللى فات علشان حصتى فى لبن الأطفال، وكان ساعتها فى زحمة شديدة وقفلوا بدرى ومالحقتش آخد اللبن وابنى دلوقتى ماعندوش لبن من الأسبوع اللى فات خالص وجيت النهارده لاقيت فيه مظاهرات ومفيش لبن فى الشركة وجينا لاقينا الشبابيك مقفولة ونكلمهم ومحدش بيرد علينا، وادونا عناوين وروحنا كذا مكان منهم، وكل ما نروح مكان من اللى قايلين عليهم يقولوا مفيش لبن ومفيش حد بيعبرنا ولا مسئول بيسأل فينا، وكأننا مالناش أى قيمة، وكلهم هنا بيلعبوا بينا».

وتتفق معها إيمان رمضان، 35 عاماً، تسكن فى منطقة الوراق، لديها طفل عمره 4 أشهر، ذهبت إلى المراكز الطبية التى أعلنوا عنها أثناء فض تجمعات الأهالى من أمام الشركة المصرية لتجارة الأدوية بشبرا، ولم تجد عبوات اللبن المدعم بتلك المنافذ، تقول باكية: «أنا ماعييش 80 جنيه أجيب علبة لبن أطفال من بره، لأنى أنا مش باشتغل وجوزى من الناس اللى بتشتغل يوم وتقعد عشرة ومعايا عيال أكبر منه فى مدارس تانية، وهو الطفل الثالث وعنده 4 شهور مابيرضعش طبيعى، وكمان ماقدرش أديله أى حاجة غير اللبن تساعده، ومش عارفة أعمل إيه وزمان ابنى خلص اللبن اللى فى البيت ومش عارفة دلوقتى إذا احتاج لبن أجيبهوله إزاى، واحنا ممكن ننام من غير عشا لكن هو مايقدرش، ده طفل يا ناس، وبعدين فين وزير الصحة والمسئولين عن القرار ده، وكان لازم يدونا فرصة قبل القرار».

وتضيف «إيمان»: «أنا جيت النهارده زى كل أسبوع على الساعة 11، علشان أصرف حصة اللبن لطفلى، رغم الزحمة الشديدة على المنافذ وعمليات السمسرة والبيع للناس اللى بتقف قدام المنفذ، بس بناخد فى الآخر، والنهارده عرفت أن مفيش لبن هيتباع فى منفذ الشركة من النهارده، وعلشان يفضوا التجمعات اللى هنا جت رتبة كبيرة من الشرطة قالت لنا إنه فيه 3 منافذ بتوزع لبن أطفال مدعم فى شبرا الخيمة نروح عليها وهنلاقى لبن هناك والعربيات خرجت وراحت على هناك، وفعلاً روحنا على مركز طبى فى شبرا الخيمة، ولاقيناهم هناك بيشتموا فى الأمهات وبيزعّقوا وقالوا إنهم مالهمش دعوة، ومفيش لبن جالهم، وقالوا هنصرف بس للى من المنطقة هناك، بس يحضر أوراق معينة زى صورة قسيمة الجواز وصورة البطاقة وشهادة ميلاد الطفل علشان يعموا بطاقة ذكية نصرف بيها وعلشان تتعمل بطاقة ذكية فى مصر مش قبل أسبوعين على الأقل، وكده ابنى هيموت، رجعت للواء وقلت له كده، قال لى بتريقة اعملى له مية رز وإديها له».

«أنا أقدر أصوم وأستحمل، لكن الطفل الضعيف ده مايقدرش يستحمل الجوع، إحنا مانقدرش نجيب لبن أطفال من الصيدليات لأنه غالى وسعره 70 جنيه، ووزير الصحة اللى أصدر القرار ده عايش فى رفاهية ومش حاسس بينا، لكن إحنا كلنا بسطاء مش زيه».. هكذا يبدأ المحامى أحمد فتحى، 47 عاماً، حديثه بلهجة ينعكس عليها غضبه الشديد، ويتابع: «أنا إيه اللى ممرمطنى وذاللنى وموقفنى فى طابور غير إنى محتاج فعلاً اللبن ده، وأنا أعرف ناس بتيجى من المنصورة علشان تاخد علبتين لبن مدعم، وابنى من ساعة ما اتولد وأنا باجيب له من هنا لبن والدنيا ماشية، لكن فجأة قرارات زى دى تتنفذ تبقى مصيبة، وأنا مش عايز جبنة، ومش هاكل سكر، وهاكل عيش حاف بملح، لكن الطفل الرضيع اللى مابينطقش مأكلوش إزاى، وهى دى الأزمة الحقيقية، لأننا لما رُحنا المراكز قالوا لنا مفيش لبن جالنا من الشركة».

ويضيف «فتحى»: «ابنى عنده 4 شهور وأمه مش بترضع، يعنى كنت أكشف على أمه قبل الجواز ولّا أعمل إيه، دى حاجة بتاعة ربنا، وأجيب منين 500 جنيه فى الشهر علشان أجيب لبن، ده غير دكتور هادفعله فلوس ودواء هاجيبه للعيل ولبس وبامبرز للواد إزاى، وماقدمناش غير إننا نجيب معزة بعد العيد تكون رخصت شوية علشان نشرّب الواد من لبنها، وبنت خالة طفلى فى نفس سنه تقريباً ووالده بيسافر من الزقازيق علشان يجيب له لبن من هنا علشان مفيش لبن عندهم فى الزقازيق».

 

 

سيدة تبكى بعد فشلها فى الحصول على «علبة لبن» لطفلها


مواضيع متعلقة