سكان «تل العقارب» بحى السيدة زينب.. المتغطى بـ«الرصيف» عريان

كتب: محمود عبدالرحمن

سكان «تل العقارب» بحى السيدة زينب.. المتغطى بـ«الرصيف» عريان

سكان «تل العقارب» بحى السيدة زينب.. المتغطى بـ«الرصيف» عريان

فوجئ العشرات من سكان منطقة «تل العقارب» فى حى «السيدة زينب»، مؤخراً بعدد من مسئولى الحى يحضرون إلى المنطقة فى حماية قوات الأمن المركزى لتنفيذ قرار بهدم المساكن التى تؤويهم منذ عشرات السنين، طبقاً لما ذكره بعض الأهالى، ومن ثم نقلهم إلى وحدات «الإسكان الاجتماعى» فى مدينة 6 أكتوبر.

{long_qoute_1}

وبعد أن نفذ الأهالى قرار النقل الجماعى فوجئوا بأن كشوف الحاصلين على الشقق الجديدة تخلو من أسمائهم، الأمر الذى أثار حفيظتهم، وجعلهم يتهمون بعض مسئولى الحى بـ«الفساد وتلقى رشاوى مالية» للتلاعب فى أسماء الحاصلين على الشقق، حسب قولهم.

ولم تجد شيماء عبدالحميد، ربة منزل، أمامها سوى ظل شجرة كبيرة تطل من وسط أحد الأرصفة المارة من أسفل كوبرى أبوالريش، فى حى السيدة زينب، لُتقيم فيه خيمة صغيرة من البطاطين و«الحصر» القديمة، لكى تحتمى فيها مع والدتها العجوز ذات الـ80 عاماً، مريضة الكبد، وبنتيها، منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر كاملة وحتى الآن، بعد أن أبلغها مسئول الحى بأن اسمها «لم يُدرج» فى قائمة سكان تل العقارب الذين سوف يحصلون على شقق فى مشروعات الإسكان الجديدة فى 6 أكتوبر. {left_qoute_1}

وتقول شيماء المرأة الثلاثينية لـ«الوطن» إنها احتمت بغرفتها مع باقى أفراد أسرتها حتى لا تقوم قوات الأمن بهدمها، لكنها فوجئت باقتحام عناصر من الشرطة النسائية الغرفة، وتم إجبارهم على الخروج بطريقة وصفتها بـ«المُهينة»، وأضافت «احنا مرميين على الرصيف اللى رايح واللى جاى بيتفرج علينا، من قبل رمضان واحنا بنلف كعب داير على المسئولين، بس محدش بيسأل فينا».

الوعود التى تلقتها «شيماء» بحل الأزمة تبددت، من وجهة نظرها، خاصة بعد أن زادت أعداد الأهالى المضارين من النقل الجماعى إلى المئات، وبعد أن كان المسئولون يتعهدون بحل مشكلاتهم أصبحوا الآن يتوعدونهم بالسجن، وهى تتابع قائلة «كل يوم بييجى يسكن جنبنا على الرصيف ناس جديدة، ولما رحنا نشتكى قبضوا على مجموعة مننا وسجنوهم 4 أيام بتهمة إثارة الشغب وتعطيل تنفيذ أعمال حكومية، من ساعتها واحنا مابقيناش نروح عند مكتب أى مسئول خوفاً على أنفسنا».

{long_qoute_2}

ونتيجة النوم فى العراء لمدة تزيد على أسبوع كامل، دون طعام أو شراب، تدهورت حالة فاتن بسيونى، إحدى سكان «تل العقارب» الذين سقطوا من كشوف الوحدات السكنية الجديدة، الأمر الذى تسبب فى فقدانها جنينها ابن الثلاثة أشهر، وعندما ذهبت إلى المسئولين فى الحى لتخبرهم بسوء حالتها الصحية والمعيشية، عنفها أحدهم بقوله «يالا يا بت امشى من هنا بلاش شغل رمى جتت»!

وتقول «فاتن»: «من ساعة ما اتولدت وأنا عايشة هنا، ومانعرفش أى مكان تانى، ولما بهوات الحكومة قالوا لنا اخرجوا علشان تستلموا شقق جديدة وافقنا على طول، لأننا كنا متأكدين إننا أول ناس هناخد، لأننا ولاد المنطقة أباً عن جد، وبعد ما خرجنا ورحنا بفرشنا لحد الشقق الجديدة فى 6 أكتوبر، اكتشفنا إن أسماءنا مش موجودة فى الكشوفات، وبكل بساطة الموظف قال يالا ارجعوا بعربياتكم مافيش شقق لكم». {left_qoute_2}

وتضيف الفتاة الثلاثينية، التى تعول ثلاثة أبناء وزوجها، أن كافة الأوراق الحكومية التى بحوزتها مدون بها عنوانها فى منطقة تل العقارب، ورقم الوحدة التى تسكن فيها، مما دفعها إلى الاشتباك مع موظف الحى المسئول عن «تقسيمة» الشقق الجديدة، فأخبرها بأن «استعلام الجيران» أفاد أنها غير مُقيمة فى المنطقة، وعندما أبرزت له الأوراق التى تثبت إقامتها -وباقى أفراد أسرتها- رد عليها «بس الميعاد فات خلاص، وجيرانك قالوا إنك مش هنا، عشان كده ماحطيناش اسمك فى الكشف».

مراتب مهلهلة، تستند إلى سنادات خشبية، مرصوصة بجوار بعضها البعض أعلى رصيف الشارع المواجه لـ«تل العقارب»، تختبئ أسفل منها ما تبقى من ملابس، بالقرب من شعلات نارية، تشتعل -أحياناً- لطهى الأطعمة على الرصيف.

أما سالمة الزغبى، واحدة من السكان، فتقول: «جوزى عنده مرض السل، بقاله 3 سنين، ومحجوز من قبل رمضان فى مستشفى الصدر، وفى يوم كنت بازوره وراجعة من عنده لقيت فرشى مرمى فى الشارع والبيت مهدود، لميت اللى قدرت عليه وحطيته جنب جيرانى على الرصيف».

وتؤكد «سالمة» أنها ذهبت إلى حى السيدة زينب للبحث عن اسمها فى كشوف الشقق، وبالفعل وجدته، الأمر الذى دعاها إلى جمع أثاث منزلها فى عربة نصف نقل، والذهاب إلى 6 أكتوبر، وهناك أخبرها أحد الموظفين أن اسمها «تم إسقاطه» من الكشوف نظراً لحصول شقيقتها على شقة.

وتشير السيدة الخمسينية إلى أنها رأت عدداً من الأشخاص داخل الشقق المخصصة لسكان منطقة «تل العقارب وتل عز» لم يسبق لها رؤيتهم من قبل، رغم أن عمرها تجاوز 56 سنة، قضته كله فى المنطقة وتعرف جميع سكانها، «واحد واحد»، حسب تعبيرها.

وبعد رحلة «كعب داير» على الموظفين فى مقرات تسليم الشقق، اُضطرت «سالمة» إلى العودة مرة أخرى لرصيف حى السيدة زينب، ولكنها هذه المرة لم تجد موقعها القديم خالياً، حيث وضع أحد جيرانها فرشه فيه، فلم تجد أمامها سوى الجبل.

ومنذ 5 أشهر، كانت مُحسنة محمد، 26 سنة، تستعد للانتقال من بيت عمها الذى تولى مسئولية تربيتها بعد وفاة والديها، إلى شقة زوجها، ابن الجيران، على بعد خطوات من العقار الذى تقيم فيه، ونظراً لحالة عمها المادية السيئة ساهم بعض أصحاب الخير فى تجهيزها، فى حين تبرع شباب المنطقة بتجهيزات الفرح، وبعد مرور شهرين على الزواج اكتشفت حملها فى طفلها الأول، وعندما عادت إلى المنزل لكى تخبر زوجها وجدت تجمعاً كبيراً من أبناء المنطقة أمام منزلها، فذهبت سريعاً لتعرف ماذا حدث، فأخبرها زوجها بأن موظفى الحى أخبروهم بضرورة إخلاء المنازل خلال 24 ساعة، لتنفيذ قرار هدمها.

بحثت «مُحسنة» عن ركن خال ملاصق لصخور الجبل لكى تضع «جهاز العروسة» فيه، وبعد فشلها ترك لها أحد الأهالى مكانه وانصرف يبحث عن آخر، ولأن كل أوراقها الرسمية مسجلة على عنوان عمها، وهو الأمر الذى تكرر مع زوجها أيضاً، حيث ما زال عنوانه على منزل والده، رفض المسئولون منحهما وحدة سكنية جديدة، معللين ذلك بـ«هاتوا ورق رسمى يقول إنكم عايشين فى شقة لوحدكم واحنا نديكم شقة، غير كده مفيش».

وتقول «مُحسنة»: «الأوضة اللى اتجوزنا فيها جديدة، حد من الأهالى باعها لنا وساب المنطقة ومشى، ومعانا قسيمة الجواز بتاعتنا بس مش متسجل فيها العنوان الجديد، وده معناه إننا بعد ما الحكومة هتشيل الخيم مش هيبقى لنا حتة نروح فيها، يعنى بالعربى كده هنتشرد فى الشارع».

ولم تقتصر معاناة «العروسة» على الوضع الجديد الذى تعيش فيه منذ ثلاثة أشهر مع زوجها، ولكن انتشار العقارب والحشرات، أصبح يمثل خطورة بالغة عليهما، الأمر الذى يجبر زوجها الذى يعمل باليومية على الاستيقاظ طوال الليل خوفاً من إصابتها بلدغة قاتلة.

وتوضح «مُحسنة»: «والله كل يوم بنطلّع بدل العقرب تلاتة وأربعة من الخيمة بتاعتنا، ومن كام يوم تعبان عض جوزى وجرينا بيه على القصر العينى ولولا لقينا المصل بتاعه هناك كان زمانه مات».

فى المقابل، يقول مسئول بحى السيدة زينب، طلب عدم ذكر اسمه، التقيناه وهو يشرف على عمليات الهدم والإزالة، إن «منطقة تل العقارب وجبل عز وأربع مناطق أخرى صدرت لها عدة قرارات إزالة، نظراً لخطورة المنازل العشوائية التى يسكن فيها الأهالى، واحتلالهم منطقة جبلية فى صدر محافظة القاهرة، وقبل أن يتم اتخاذ هذا القرار تم توفير وحدات سكنية لهم فى مدينة 6 أكتوبر، وعمل كشوف رسمية وحصر كامل بجميع من يملكون شققاً أو غرفاً فى بطن الجبل لتعويضهم عنها وفق القانون».

وأضاف المسئول أنه «تم نقل المئات من أبناء المنطقة على مدار الشهرين الماضيين وتسليمهم الوحدات المخصصة لهم، ولكننا فوجئنا بقيام بعض الأهالى الذين كانوا يسكنون فى عقار واحد بطلب أكثر من وحدة، بحجة أن كلاً منهم كان يعيش فى وحدة مستقلة، وهو ما ينافى الحقيقة جملة وتفصيلاً، وبعد قيامهم بإثارة الشغب ورفضهم الخروج من المنازل، تم استدعاء قوات الأمن حتى تتم عمليات الإخلاء والإزالة تحت إشرافها».

وعن مصير الأهالى الذين لم يحصلوا على شقق فى الوحدات الجديدة، قال المسئول إن «الحصر الرسمى شمل كل أصحاب الوحدات التى كانت موجودة فى الجبل، وعلى الرغم من ذلك سيُعاد النظر مرة أخرى لبحث حالة المتقدمين بشكاوى، وتم بالفعل تشكيل لجنة لبحث تلك الطلبات، وفى حالة التصديق على أحقية أحدهم بوحدة سكنية سنقوم بإبلاغ أسمائهم للجهات المختصة على الفور لاتخاذ اللازم، خلال الأيام المقبلة».


مواضيع متعلقة