الأمن الروحى قبل الأمن الغذائى يا وزير الأوقاف

08/09/2016

حسين القاضى

كاتب صحفي

خصصت وزارة الأوقاف خطبة الجمعة الماضية عن الأمن الغذائى، ونسيت ما يسبقه من قضية الأمن الروحى الغائبة تماماً عن القائمين على المؤسسة الدينية، والأمن الروحى يعنى الحفاظ على أركان المنهج العلمى المستقر فى الأزهر، الذى يحقق الانسجام بين الأمة، ويمثل وقاية لها لطرد أى فيروس من الممكن أن يدخل إلى جسم الأمة، كأنه حائط الصد المتين ضد العدو الذى يخترقها بالتأويلات المنحرفة.

والأمن الروحى يتحقق بثلاثة أركان، هى مكونات المنهج الأزهرى: (أشعرية العقيدة، ومذهبية الفقه، وأخلاق التصوف)، وهو ما استقر عليه الأزهر والمجتمع المصرى طوال تاريخه، ومع أن مفهوم الأمن الروحى ظهر فى كتابات باحثين مغاربة، إلا أننى وجدت له أصلاً من خلال ما كتبه فى الأربعينات الشيخ عبداللطيف السبكى -عضو جماعة كبار العلماء- لكن يعد فضيلة الدكتور أسامة الأزهرى أول عالم استقرأ منابع ومكونات وسمات وخصائص ومعايير المنهج الأزهرى، وجمعها فى كتابه المنشور (الإحياء الكبير لمعالم المنهج الأزهرى المنير).

لقد تم استدعاء مصطلح الأمن الروحى إبان تصاعد موجة الانحرافات الدينية، التى بدأت بوادرها عام ١٩٢٦ مع نشأة جماعة أنصار السنة الوهابية على يد المدعو حامد الفقى، الذى أتى بمفاهيم جديدة مختلة أحدثت اضطراباً وفتناً باسم أتباع السلف الصالح، ثم فى سنة ١٩٢٨ مع نشأة جماعة الإخوان، وتوغل سيد قطب بتفسيره فى عقول الشباب، كما حدثت محاولات للمد الشيعى، وانتشرت الأقوال الفقهية الغريبة الشاذة، التى لم تكن متداولة لدى الأمة المصرية، فضيّقت الواسع، وكفرت المجتمع، ونشرت فكرة التصادم مع كل شىء، فأصبح الناس ما بين حائر ومستريب، لذا كان الأمن الروحى حماية لهؤلاء فى أمور دينهم، ليمارسوا دينهم فى راحة واطمئنان، وبحرية ويسر، والحيلولة بينهم وبين من يستهدفون التشويش عليهم، عن طريق استيعاب الأركان الثلاثة.

فالأمن الروحى يعنى وجود أو التذكير بأركان واضحة مستقرة فى ذهن الأزهريين، هذه الأركان تمثل الحفاظ على العقيدة الدينية مما يعترضها من أخطار خارجية أو داخلية، وصون الهوية الدينية من الآفات والتشوهات، وتكون الصخرة التى تسقط عليها آلاف المسائل الفقهية المرعبة المتشددة، وتمثل وقاية من الأفكار التى تضعف الدولة، كما تقضى على الفساد فى الاعتقادات والمفاهيم والتصرفات، ويتم هذا أيضاً من خلال عمل برلمانى يمنع تجاوز هذه الخطوط الحمراء، لأن سيادة العقيدة الأشعرية، والمذاهب الأربعة، وسيادة المنهج الصوفى (السنى لا البدعى) يرقى للمساواة بالسيادة الوطنية، ويتكامل مع السيادة الدستورية، والتشريعية، والقومية، واللغوية.

والدليل على ذلك أن من قاموا بأعمال إرهابية ممارسة أو تحريضاً ليس من بينهم شخص واحد اجتمعت فيه الأركان الثلاثة قولاً وفعلاً (أشعرية العقيدة، مذهبية الفقه، خلق التصوف)، لأن كل ركن من هذه الأركان يشده صاحبه بقوة لا شعورية نحو المحبة والبشاشة والسماحة وسعة الأفق وقبول الآخر والصفاء النفسى والخروج من حالة التعنت والتذمر.

لا يعنى هذ انغلاقاً أو انعزالاً أو جموداً، وإنما يعنى تحصيناً للهوية من الاستلاب والمحو والاندماج فى هويات أخرى، ووقاية من اختلاف التضاد، وتقنيناً لاختلاف التنوع، وضماناً لحرية الرأى والتعددية تحت سقف منضبط، حتى لا يزاحم المصريين مذاهب أخرى تقضى على الشخصية المصرية.

يؤسفنى هنا القول إن هذه الأركان لم تعد واضحة لدى قيادات داخل مشيخة الأزهر اليوم، كما أن قيام الدكتور على جمعة بنشر هذه الأركان الثلاثة ليل نهار هو السبب الأول والرئيسى لمحاولة اغتياله.