«سر المعبد»: استجواب للجماعة.. وبلاغ للنائب العام
«سر المعبد.. الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين»، عنوان الكتاب الذى أصدره السيد/ ثروت الخرباوى ليكشف به ما اعتبره أسرار وخفايا «الجماعة»، وكان قد وصف انضمامه إلى الجماعة ثم انشقاقه عنها بأنه «منذ زمن بعيد تسربت روحى فدخلت جماعة الإخوان، وذات مرة أخرى تسربت روحى فخرجت من تنظيم الإخوان». وبعد قراءة مدققة لكتاب «سر المعبد»، أعجب من صمت الجماعة على تلك الاتهامات التى كالها لها العضو السابق للتنظيم، وهو الأمر الذى يثير الاندهاش، خاصة من جماعة عُرفت بشهوة تمزيق وتشويه من يختلفون معها. ويزيد العجب حين يصل الكاتب إلى وصف القيادات الأساسية فى الجماعة حالياً، ومعهم رئيس الجمهورية، عضو الجماعة، بأنهم من أتباع سيد قطب، المفكر المتشدد الذى يكفُر المجتمع، ويعتقد الكثيرون أنه انحرف بمسيرة الجماعة إلى مسار التكفير، وقد استشهد الكاتب بقول صديقه عاطف عواد، الذى كان قد ترك الجماعة قبله: إن الفريق، الذى «سرق الجماعة»، فى إشارة إلى القطبيين، سيطروا على الجماعة ويمثلون أهم قياداتها حالياً!
ويحتوى الكتاب على ما عاناه الكاتب من تنظيم الجماعة الذى ظنه «وسيلة لتوجيه طاقات الفرد الإبداعية وتنميتها، فإذا به وسيلة لتكبيل الفرد فى سلسلة بشرية طويلة أشبه ما تكون بسلسلة العبيد التى كانت تُحمل إلى أمريكا..»، وإدراكه «أن تنظيم الإخوان» كان سراباً يدفعنى إلى التيه». وفضلاً عن المعاناة الشخصية للكاتب، فهو يكشف أسراراً عن توجهات الجماعة ذاتها وأساليبها فى المراوغة وعدم الإفصاح عن أهدافها الحقيقية واستخدامها فنون الكذب والتضليل، كما يتضمن الكتاب تقييماً سلبياً لكثير من قيادات الجماعة، سواء من رحلوا عن الدنيا أو من يعيش بيننا ويتولى أمورها الآن.
وكان أول الأسرار التى وجدها الكاتب اكتشافه أن المرشد الثانى للإخوان المسلمين كان ماسونياً، وكان من كشف الغطاء عن هذا السر الشيخ محمد الغزالى، رحمه الله، فى كتاب قديم له بعنوان «ملامح الحق»!
وسر ثانٍ أن الدكتور محمد سليم العوا «تدخل سياسياً للصلح بين جماعة الإخوان والنظام»، والمقصود بالنظام هو نظام مبارك، ويوضح الكاتب هذا الكشف بأن الدكتور العوا التقى اللواء عمر سليمان الذى اشترط «أن يمتنع الإخوان عن انتخابات نقابية أو برلمانية لمدة خمس سنوات، على أن يتيح لهم النظام مساحة حركة من خلال المساجد، فإذا وافق الإخوان على هذا الشرط يتم الإفراج عن كل المحبوسين الإخوان»، أى أن الإخوان ومشايعيهم كانوا لهم صلات وعلاقات مع نظام مبارك!
وتتوالى الأسرار التى يكشفها «سر المعبد» وتفصح عن نوايا الإخوان وأساليبهم المتناقضة مع ما يدعونه أنهم «جماعة ربانية». فقد أشار الكاتب إلى عبارة قالها المستشار مأمون الهضيبى فى مناظرته بمعرض الكتاب عام 1992 فى مواجهة فرج فودة: «نحن نتعبد لله بأعمال النظام الخاص للإخوان المسلمين قبل الثورة»، وكيف أنكر الهضيبى تلك العبارة وتم حذفها من الكتاب الذى أصدرته هيئة الكتاب عن المناظرة! إن هذا السر يفسر كثيراً مما نُسب إلى الجماعة من أعمال اغتيال المعارضين لها، كما يثير الاهتمام بحقيقة الادعاء بأن «النظام الخاص» ليس له وجود الآن، خاصة مع الأسرار التى كشفها «سر المعبد» عن الدور الذى قام به سيد قطب وشباب الإخوان الذين تأثروا بمدرسته الفكرية، ومنهم شكرى مصطفى، الذى أنشأ تنظيم «التكفير والهجرة» وكانت أهم «إنجازاته» قتل الشيخ الذهبى. وأخذاً فى الاعتبار ما جاء فى الكتاب أنه «.. قبل وفاة المرشد عمر التلمسانى أخذت بعض الأشباح تتسلل إلى جماعة الإخوان لتأخذ مكاناً ومكانة، كانت هذه الأشباح تسير فى ركاب الحاج مصطفى مشهور.. وكان من أخطرهم بعض العائدين من دراستهم فى الخارج وهم محمد مرسى، خيرت الشاطر، محمود عزت، محمد بديع، الذين كانت وجوههم غريبة على مجتمع الإخوان» وهم الآن مرشد الجماعة وأعضاء فى مكتب الإرشاد و«رئيس الجمهورية» وهم من أتباع مصطفى مشهور، الذى كان مدافعاً عن شكرى مصطفى!
وكشف الكتاب عن دور الدكتور سعد الدين إبراهيم فى تخطيط التقارب بين الإخوان والغرب بناء على طلب الإخوان، وأن الدكتور عصام العريان «فتح هو الآخر حواراً مع الدكتور سعد بهدف التقارب مع أمريكا على وجه الخصوص، وأن الدكتور سعد وعده بأن يبذل جهده فى هذا الأمر».
ولعل من أخطر الأسرار التى ورد ذكرها فى «سر المعبد» أن للإخوان المسلمين تنظيماً داخل الجيش!! ويدلل الكاتب على صحة هذا الأمر بأنه اقترح على مصطفى مشهور، فى اجتماع ضمه معه والمستشار مأمون الهضيبى عام 1992، إحياء قسم الوحدات، وضرورة أن يكون للإخوان تنظيم داخل الجيش فأجابه مصطفى مشهور متسرعاً: أنشأناه، ولكن المستشار الهضيبى أسكته فوراً! ويؤكد الخرباوى وجود تنظيم للإخوان فى الجيش مستنداً إلى أن «رسالة التعاليم»، التى كتبها المرشد حسن البنا لأفراد النظام الخاص فقط، التى أصبحت بقرار من قسم التربية من مناهج التربية لكل الإخوان، هى رسالة حربية. ويضيف الكاتب: ليس فى الجيش فقط ولكن فى القضاء أيضاً وأن الإخوان لديهم تنظيم مسلح، نظام خاص جديد!!!
إن مقدمة «رسالة التعاليم» تكشف بوضوح أنها موجهة بشكل خاص لأفراد معينين فى الجماعة وهم أعضاء النظام الخاص الذى يعتقد أ. الخرباوى أنهم موجودون حتى الآن، إذ تقول تلك المقدمة: «فهذه رسالتى إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا فى سبيلها، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات، وهى ليست دروساً تُحفظ، ولكنها تعليمات تُنفذ، فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة: 105)، (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام: 153).
أما غير هؤلاء.. فلهم دروس ومحاضرات، وكتب ومقالات، ومظاهر وإداريات، «ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات»، «وكلا وعد الله الحسنى»!!
إن كتاب «سر المعبد» بما تضمنه من معلومات عن الجماعة، التى تحكمنا حالياً، يُعتبر فى الحقيقة بلاغاً إلى النائب العام مطلوب أن يتم التحقيق فيه، خاصة أن كثيراً ممن ورد ذكرهم فى الكتاب ما يزالون أحياء. من جانب آخر، هذا الكتاب بمثابة استجواب لقيادات الجماعة، وعلى رأسهم المرشد العام، والدكتور مرسى، رئيس الجمهورية، الذى أشار الكاتب إلى مشاركته فى برنامج تليفزيونى قدمه أ. ضياء رشوان فى قناة الفراعين قبل 25 يناير 2011 هو ومحمود عزت ليردا على هجوم الشيخ القرضاوى على سيد قطب فى حلقة سابقة من ذات البرنامج، وكان مما قاله دكتور مرسى وقتها دفاعاً عن سيد قطب: «عندما قرأت له عشت فى كتاباته فصارت جزءاً منى، والحقيقة أننى عندما قرأت لسيد قطب وجدت فيه الإسلام»، إلى أن قال: «إن الأستاذ سيد قطب يقول نصوصاً تكفيرية ولكننا لا نعتبرها نصوصاً تكفيرية، ولكنها نصوص تحرك الوجدان وتتحدى العقل، ويجب لمن يقرأ لسيد قطب أن يتعلم اللغة العربية أولاً»! ورب قائل يفاجئنا إن كلام الدكتور مرسى قد «اجتزئ من سياقه»!!!
ولك الله يا مصر.