حقيقة أزمة اقتصادية.. محاولة فهم

نشوى الحوفى

نشوى الحوفى

كاتب صحفي

لست من خبراء الاقتصاد ولا من محبيه. ولكن، وفى ظل ما عشناه طيلة الفترة الماضية من لغط إعلامى ومجتمعى تصدره خبر استعداد مصر للاقتراض من صندوق النقد الدولى ما قيمته 12 مليار دولار لسد الفجوة التمويلية لما علينا القيام به من استثمارات، وارتفاع سعر الدولار فى السوق السوداء وبلوغه 13 جنيهاً، ثم هبوطه أكثر من جنيهين بعد اجتماع الرئيس بالمجموعة الاقتصادية، كان لا بد من البحث وسؤال أمناء المختصين فى هذا المجال لشرح الحقيقة وتوصيل أبعادها لمن يسعى لفهم الصورة المبهمة فى ظل صمت حكومى رهيب. ولذا دعونى أنقل لكم إجابات بعض من تساؤلات قد تكون دارت بأذهانكم مثلى.

نبدأ بأزمة الدولار يا سادة التى شرفت بمناقشتها مع عدد من العارفين بالاقتصاد، ومنهم السفير جمال بيومى. لو أردنا فهم الأزمة، فعلينا إدراك الصورة الخارجية أولاً، فعلى الرغم من أن الاقتصاد الأمريكى لا يشكل سوى ربع اقتصاد العالم، فإن الدولار يشغل أكثر من 80% من المعاملات الدولية، لكونه عملة استيراد سلع وخدمات أمريكية، ولارتباط تصدير البترول به وفقاً لمعاهدة البترودولار منذ عام 1974، ولاستخدام غالبية التعاملات التجارية له حتى لو لم تكن أمريكا طرفاً فيها، دول الخليج وكوريا الجنوبية على سبيل المثال تتعاملان بالدولار.

وفى مصر نعانى من نقص فى عرض الدولار نتيجة الحصار السياحى المفروض علينا، مع تراجع الصادرات واستمرار استيراد سلع ليست فى أهمية إنفاق الدولار عليها، عدم زيادة إيرادات قناة السويس نتيجة تراجع التجارة العالمية، وانخفاض تحويلات المصريين فى الخارج. وأضف إلى كل هذا ما يحدث فى سوق العملة من مضاربة على الدولار سواء عن طريق الإخوان الذين يقومون بشرائه بأكبر من سعره لحرمان السوق المحلية منه، أو عن طريق المنتفعين الذين يخزنونه كالذهب اعتقاداً بارتفاع سعره. لذا تلعب الدولة عبر لجنة البنك المركزى لعبة شطرنج مع المضاربين والمدخرين وشركات الصرافة بحرص لعدم الإضرار بالسوق.

ولعل ما حدث من انخفاض سعر الدولار مؤخراً لأكثر من جنيهين لدليل على ذلك بعد أن راهن البعض وروج لوصول الدولار إلى رقم 17 جنيهاً. ولكن دعونا نقولها الأزمة ليست فى سعر الدولار، فالدولار يساوى 65 «روبل روسى»، ولكن روسيا لديها احتياطى نقدى 365 مليار دولار، وناتجها القومى تخطى تريليون دولار سنوياً، لكن الأزمة فى عدم الإنتاج والتصدير وانتعاش السياحة.

نأتى الآن لقضية الاقتراض وديون مصر التى تثير مخاوف المصريين على مستقبلهم. لقد بلغت مديونية مصر فى نهاية الثمانينات 56 مليار دولار بفوائد عالية ومدد سداد قصيرة. وقتها حدثت مجموعة من الظروف الاقتصادية والسياسية التى ساهمت فى تخفيض المديونية إلى 26 مليار دولار نتيجة أحداث حرب الكويت وبرنامج الإصلاح الاقتصادى، الذى وضعه دكتور عاطف صدقى. ولكنها وصلت اليوم بعد كل ما مضى من أحداث على مدار السنوات الماضية، وبخاصة فى السنوات الخمس الأخيرة إلى 46 مليار دولار قد تصل إلى 58 ملياراً فى حال موافقة صندوق النقد الدولى على القرض الذى نحن بصدد التفاوض عليه. والقلق، كما يقول الخبراء، ليس فى ارتفاع حجم القروض، لأنها لا تتعدى 15% من الناتج القومى. بينما ديون اليابان الخارجية 200% من ناتجها القومى، والدول العشر الغنية تخطت 140%. وبلغت ديون تركيا 400 مليار دولار. ولكن ما يقلق هو حجم الدين المحلى الذى يبتلع ثلث الناتج القومى فى ظل ارتفاع الأجور وعدم زيادة الإنتاج، ولذا فالمشكلة ليست فى اقتراض مصر ولكن فى تراجع الإنتاج الصناعى والزراعى والصادرات وعدم العمل بالقدر الكافى لتسديد المديونيات.

هكذا هى يا سادة أزمة الدولار والاقتراض بهدوء، وبعيداً عن ضجيج افتعال الأزمة وغياب وضوح المعلومة لدى مسئولين تناسوا أن جزءاً من مسئولياتهم شرح الواقع للمواطن الذى يدعم قراراتهم حفاظاً على الوطن. نعم أزمتنا أزمة إنتاج يقوده ضمير جمعى لوطن لا نملك إلا ستر ترابه أحياءً وأمواتاً، فمتى نسمع هدير المحركات فى كل ربوع مصر؟