«دار السلام» بسوهاج: الخصومات الثأرية تحرق المدينة.. وتجار السلاح يسيطرون

كتب: خالد الغويط

«دار السلام» بسوهاج: الخصومات الثأرية تحرق المدينة.. وتجار السلاح يسيطرون

«دار السلام» بسوهاج: الخصومات الثأرية تحرق المدينة.. وتجار السلاح يسيطرون

على الخريطة تحمل المدينة اسم «دار السلام»، بينما يعرفها جيرانها فى محافظة سوهاج باسم «دار الحرب».. هناك لا صوت يعلو على صوت الرصاص ليلاً أو نهاراً، فلا يكاد يمر يوم واحد على أهالى المدينة دون أن يشهدوا معركة بالأسلحة الآلية، تنتهى عادة بتشييع جثمان أحد طرفى المعركة، أو أحد المارة بالصدفة، فالطلقات النارية للخصوم لا تفرق بين الضحايا.

المدينة الواقعة فى حضن الجبل الشرقى ورثت تاريخاً طويلاً من الخصومات الثأرية بين العائلات، وزادها اشتعالاً انتشار أباطرة تجارة السلاح والمخدرات و«المطاريد»، ففى السابق، دفع هذا التاريخ الطويل من العنف الدولة إلى تغيير اسم المدينة من «أولاد طوق» إلى «دار السلام»، على أمل أن يحل فيها السلام المفقود.

{long_qoute_1}

الآن، أصبح ضحايا المشاجرات اليومية فى دار السلام مجرد رقم معتاد لا أكثر، فالروح لا تساوى أكثر من «رصاصة»، والمهم أن تُحكم كل عائلة قبضتها على السلاح، وتضغط الزناد، ولا يهم من تستقر الرصاصة فى قلبه، فإثبات النفوذ والسطوة هو «رأس المال» بالنسبة لكثيرين، خاصة فى قرية البلابيش، صاحبة السمعة الأكبر فى عالم الجريمة بالمحافظة، خاصة مع استمرار أباطرة المخدرات وتجار السلاح فى تغذية الصراعات.

ورغم الحملات الأمنية المتواصلة لمطاردة العناصر الإجرامية فى منازلهم ومغاراتهم الجبلية، إلا أنها فشلت فى كسر شوكة أصحاب السوابق، الذين انتشروا فى المدينة بصورة غير مسبوقة عقب «25 يناير»، بعد أن غابت أجهزة الدولة عن المشهد لما يزيد على 3 سنوات، فيما عاش الأهالى البسطاء رهينة وسط معارك كبار العائلات والتشكيلات الإجرامية، فطالتهم النيران فى المنازل والشوارع والحقول. أحدث المعارك العائلية فى «دار السلام» اندلعت مساء الاثنين الماضى، بين عائلتى «الهوادى والقطاقيط» فى قرية أولاد سالم، بسبب خلافات الجيرة، ما دفع الأجهزة الأمنية إلى الدفع بـ3 تشكيلات «أمن مركزى» للفصل بين الجانبين، وتعيين خدمات أمنية لمنع تجدد الاشتباكات، كما انتقل إلى القرية مدير المباحث الجنائية، اللواء خالد الشاذلى، لمتابعة التحريات الأمنية حول الأحداث، التى بدأت بمشادة بين طفلين، قبل أن تتسع لتسفر عن مصرع أحمد عبدالمؤمن، وإصابة شخصين آخرين، بينهم طفل.

وأشارت تحريات المباحث إلى وجود خلافات سابقة بين العائلتين منذ عدة سنوات، ورغم أنها انتهت بالصلح عن طريق لجان المصالحات والأجهزة الأمنية، إلا أنها تجددت مؤخراً، وبحسب مدير مستشفى دار السلام، الدكتور محمد عبدالهادى، «استقبل المستشفى جثمان الشاب أحمد عبدالمؤمن، 23 عاماً، بعد إصابته بطلقين ناريين فى البطن والظهر، كما أصيب الطفل محمود خضير، 7 سنوات، بـ3 طلقات فى الظهر والبطن، وتم إجراء الإسعافات اللازمة له قبل إحالته إلى المستشفى الجامعى فى سوهاج، نظراً لخطورة حالته». وشهدت المعارك فى مركز دار السلام تطورات نوعية خلال العام الماضى، متأثرة بأفلام الأكشن الأمريكية، ففى معركة بين نجعى الشيخ امبادر والقوصة التابعين لقرية البلابيش، اقتحمت مجموعة مسلحة تنتمى لنجع الشيخ امبادر منطقة تابعة لنجع القوصة، بعد تنفيذها عملية إنزال بقوارب الصيد على شاطئ النيل، لمفاجأة الخصوم من الخلف، ما أسفر عن إصابة 9 أشخاص، ومقتل 3 آخرين، بينهم ربة منزل توفيت برصاص شقيقها، الذى أطلق عليها النار عندما حاولت منعه من النزول للمشاركة فى القتال. وكشفت مصادر أمنية لـ«الوطن» عن صدور أحكام بالإعدام على 45 شخصاً من أبناء قرية البلابيش، بالإضافة إلى وجود ما يقرب من 2500 مطلوب أمنى داخل قرية البلابيش، ما حولها إلى أخطر بؤرة إجرامية فى الصعيد، خاصة أن بين المطلوبين العديد من تجار السلاح والمخدرات، بالإضافة لأفراد عصابات السطو المسلح على السيارات، والاستيلاء على الأراضى بقوة السلاح.

واغتالت عصابات الاتجار فى السلاح معاون مباحث مركز دار السلام، النقيب أحمد فاروق، أثناء وقوفه فى أحد الأكمنة الأمنية داخل نطاق المدينة، العام الماضى، عندما فتحت عناصر إجرامية النار عليه، انتقاماً لنجاحه فى ضبط 15 بندقية آلية داخل منازل تجار السلاح فى المدينة، فيما كشفت التحريات حول الحادث عن تورط أحد العناصر الإجرامية الخطرة فى الواقعة، ويدعى محمد الجعيدى، 34 عاماً، والمطلوب ضبطه وإحضاره على ذمة 15 قضية، وتمكنت حملة أمنية من قتله فى تبادل لإطلاق النار.

وعلى مدار أسبوع كامل تواصلت الاشتباكات بين أبناء قريتى البلابيش «المستجدة» و«القبلية»، ليلاً ونهاراً، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 15 آخرين، على خلفية خلافات حول صفقة سلاح مقبلة من أسوان لأحد تجار السلاح، فيما تدخلت أجهزة الأمنية لإنهاء المعارك، ومنع وصول صفقة السلاح إلى التشكيل العصابى، الذى تمكن أفراده من تمرير الشحنة بالفعل عبر الممرات الجبلية الصعبة، بعد اشتباكات طويلة مع قوات الأمن.

وخلال السنوات الماضية، لمع اسما «م.ض» و«ض.م» بوصفهما زعيمى أكبر التشكيلات العصابية بقرية البلابيش، وعرف الأهالى الأول باسم «الجنرال»، وهو بدأ نشاطه الإجرامى فى عام 2010، بالسطو المسلح على السيارات، عن طريق استخدام مهارته فى الرماية بالأسلحة النارية فى استهداف إطارات السيارات، قبل أن يستولى عليها تحت تهديد السلاح، ثم يساوم صاحبها على إعادتها له مقابل مبلغ مالى، وكون «الجنرال» تشكيلاً عصابياً يضم 10 أشخاص، لدى كل منهم 10 معاونين، ويتم استدعاء كل منهم حسب طبيعة المهمة المطلوب تنفيذها، وارتكب أفراد التشكيل العديد من جرائم الخطف لطلب فدية، مستخدمين فى ذلك عدداً من مدافع الجرينوف والقنابل اليدوية، التى شنوا بها غارات منتظمة للاستيلاء على أراضى شباب الخريجين فى قرية صديق المنشاوى القريبة من قرية البلابيش، ما اضطر الشباب إلى هجر الأراضى، بعدما أنفقوا كل ما يملكون على استصلاحها، بالإضافة إلى الاقتراض من البنوك لتعميرها.

أما عصابة تاجر السلاح الشهير «ض»، المطلوب ضبطه على ذمة العديد من جرائم القتل، والصادرة ضده أحكام بالسجن المؤبد، فبدأت نشاطها الإجرامى بعدما فشل زعيمها فى تحقيق حلم الفوز بعضوية مجلس الشعب، التى ترشح لها فى انتخابات 2010، ففى سبيل تحقيق هذا الحلم دخل عالم تجارة السلاح، وتمكن من التواصل مع كبار التجار فى السودان جنوباً، وفى مرسى مطروح غرباً، ما منحه نفوذاً كبيراً.

وشهد مركز دار السلام أكبر عملية تهجير جماعى فى سبتمبر الماضى، بعدما أجبرت عائلة سليم نحو 40 أسرة من عائلة الشربلى على النزوح الجماعى من قرية أولاد سالم قبلى، لتتشرد فى محافظتى قنا والإسماعيلية، على خلفية مقتل طالب من العائلة الأولى فى مشاجرة مع أحد أبناء الشربلى، التى رفضت تنفيذ قرار تهجيرها فى البداية. وتدخلت الأجهزة الأمنية فى محاولة للتوافق حول حل للخلاف، إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل، وتمسكت العائلة الأولى بحقها فى تهجير العائلة الأخرى، التى احتمى أفرادها بمنازلهم، قبل أن يشعل أبناء سليم النار فى المنازل بمن فيها، وعندها اضطر أبناء الشربلى إلى الهروب من المحافظة تحت جنح الظلام، تاركين أراضيهم وماشيتهم ومنازلهم، التى استولى عليها الخصوم، دون أن تتمكن أى جهة من إعادتها.


مواضيع متعلقة