قرية «شبيب» بالمنيا.. التعايش السلمى يهزم الفتنة الطائفية

كتب: إسلام فهمى

قرية «شبيب» بالمنيا.. التعايش السلمى يهزم الفتنة الطائفية

قرية «شبيب» بالمنيا.. التعايش السلمى يهزم الفتنة الطائفية

اختلاط أهلها حال دون إثارة الفتن أو التفريق بين المسلم والمسيحى، يعيشون حياة طبيعية وسط قلة من المتشدّدين، ففى كنف سيدة مسيحية تربى الشاب المسلم، وفى أروقة الكنيسة تعلم أطفال المسلمين القراءة والكتابة، قبل دخولهم المدرسة.

فى قرية شبيب بالمنيا، التى يعمل معظم سكانها بالزراعة، يسود مبدأ المواطنة، مما خلق حالة من التعايش السلمى وصلت إلى الشراكة فى الرزق، فرغم الصورة القاتمة التى يراها البعض جراء الأحداث الطائفية المتكرّرة، فإن أهالى تلك القرية يمثلون نسيجاً واحداً قد لا يوجد بين أصحاب الديانة الواحدة، ففيها ترعرع العمدة المسلم، فى كنف سيدة مسيحية ترضعه وتعتنى به، وفى المقابل تربى الطفل «إبراهيم»، المسيحى، على حب المسلمين، حيث أفطنه والداه أن الكنيسة التى يصلى بها تبرّع بها وبناها المسلمون.. أما المقدس كامل، فذهب فى طفولته إلى الكتاتيب مع زملائه المسلمين ليتعلم الحساب والعربى.

{long_qoute_1}

«القرية تتبع الوحدة المحلية لقرية دمشير، و20% من سكانها، البالغ عددهم 5 آلاف نسمة، من الأقباط، وهى القرية الوحيدة على مستوى الجمهورية التى لا تعرف كلمة مسلم ومسيحى بمعنى الكلمة.. فوالدى عمدة من قبلى يجلس دائماً مع صديقيه المسيحيين جاد الله وعبدالمسيح»، هكذا وصف عواد الفرجانى، عمدة قرية «شبيب الشرقية»، حالة التعايش السلمى، مضيفاً أن الإعانات التى تُخصّص للقرية من الجمعيات الأهلية يتم توزيعها بالتساوى بين المسلمين والأقباط، وذات مرة اشترطت إحدى الجمعيات الكبيرة، أن يتم توزيع مساعدات عبارة عن لحوم تُقدر قيمتها بمبلغ 37 ألف جنيه على مسلمى القرية فقط، إلا أن شرطهم تم رفضه، قائلاً: «مفيش هنا فرق بين مسلم ومسيحى».

وأضاف أن الحب والتسامح موجودان بالقرية من قبل ثورة 1919 التى قادها الزعيم سعد زغلول وعبرت وقتها عن قوة العلاقة بين المسلمين والأقباط الذين اتخذوا من الهلال والصليب شعاراً لكسر الاحتلال، وتابع: «فى عام 1915، تبرع والدى بقطعة أرض مساحتها قيراط لإقامة مكان لإقامة الشعائر المسيحية وقام ببنائه على نفقته الخاصة، وفى عام 2000 قمت بتجديده وتوسعته، وأحتفظ بمنزلى بنسخة من الإنجيل كما أحتفظ بالمصحف الشريف، ليقسم عليه المتخاصمون أثناء حل المشكلات فى الجلسات العرفية، كما يوجد بينى وبين أصدقائى وجيرانى المسيحيين، شراكة فى زراعة أراضٍ تقدر مساحتها بنحو 40 فداناً، وعندما أكون خارج القرية ويزورنى ضيف غريب يستقبله جيرانى المسيحيون ويقومون بضيافته على أكمل وجه».

عاد العمدة بذكرياته إلى الوراء ليتذكر أمثلة حية تؤكد التعايش السلمى الحقيقى بالقرية: «فى طفولتى، كانت ترضعنى سيدة مسيحية تدعى أدينة منير، وصار لى شقيقة مسيحية من الرضاعة تدعى روما، وكنت أذهب للكتاتيب وكان يذهب معى بعض الأطفال المسيحيين من سنى حينذاك، لتعلم العربى والحساب والنحو، وفى عام 1986 كنت أعمل مدرساً بقرية يونس صميدة المجاورة، وكانت المدرسة بدون مدرس دين مسيحى، فتطوعت لإعطاء المادة للتلاميذ المسيحيين، حيث كنت أقرأ لهم من الكتاب، وأجتهد فى الشرح قدر الإمكان».

ومن بين الأمثلة القوية على متانة العلاقة بين أبناء القرية، واقعة قيام قوات الأمن فى عام 1988 بإغلاق المكان المخصص لإقامة الشعائر المسيحية لمدة 6 أشهر، فناشد العمدة جميع القيادات الأمنية إعادة فتحه إلا أنهم رفضوا، بدون إبداء أسباب، ما اضطر المسلمين إلى تحطيم الأقفال الحديدية والنوافذ والأبواب حتى يمكنوا أخوتهم الأقباط من أداء شعائرهم الدينية، وفى اليوم التالى تم استدعاء عمدة القرية من قِبل أجهزة الأمن اعتراضاً على ما حدث، وفى النهاية رضخت القيادات الأمنية لمطالب الأهالى واستمرت الكنيسة مفتوحة من يومها ولم تغلق إلى الآن، وأضاف: «فى عام 2001 غرر شخص مسلم من أبناء محافظة سوهاج بفتاة مسيحية من القرية وخطفها، وتوجه بها إلى مركز سمالوط، فقامت الدنيا ولم تقعد ولم يهدأ بال المسلمين إلا بعد نجاحهم فى إعادتها لأسرتها، وهى متزوجه الآن من أحد أقاربها».

المقدس إبراهيم فكرى، شماس بكنيسة قرية شبيب، سرد تفاصيل العلاقة الفريدة بين المسلمين والأقباط، مشيراً إلى أن التعايش بين أبناء القرية موروث عن الآباء والأجداد، وأبسط دليل على ذلك شراكته مع أحد مسلمى القرية فى الزراعة منذ نحو 30 عاماً. وتابع: «لم أشهد مشكلة واحدة حدثت بين مسلم ومسيحى، وفى شهر رمضان أحرص ومعظم الأسر المسيحية على إقامة إفطار لجيرانى المسلمين، وفى عيد الأضحى يتم توزيع اللحوم على الجميع، أما فى عيد الميلاد فيوزع المسيحيون الحلوى، وفى عيد العذراء نوزّع اللحوم والحمص، وفى حفلات الزواج يحضر المسلمون الأكاليل، وفى الأحزان يشاركون معنا فى تشييع الجنازات». «شبيب نموذج للتعايش مش موجود فى مصر، فلم يتم تعيين خفير على كنيسة القرية منذ إنشائها قبل عشرات السنين، وبعض أقاربنا المقيمين فى قرى أخرى، يحسدوننا على ما نلاقيه من معاملة طيبة هنا».. كلمات وصف بها المقدس كامل وليم كامل، 45 عاماً، كهربائى، حال القرية.

ووصف جابر فوزى صادق، راعى الكنيسة الإنجيلية بالقرية، العلاقة مع المسلمين بـ«الممتازة»، مشيراً إلى أن غلبة الطابع القبلى والعادات والتقاليد كانت سبب روح المحبة والود بين الأهالى، وفى أى محنة أو موقف صعب يتكاتف الجميع، ويتبادلون التهانى فى الأفراح والأحزان، فالعلاقات تحكمها روابط قبلية لا دينية، واستكمل: «عمق العلاقات بيننا وصل إلى حد أن بعض الأشخاص خطفوا شاباً وفتاة حديثى الزواج من أبناء القرية، بعد ثورة يناير، وعندما عرف المتهمون أنهما من قرية شبيب حرروهما على الفور، لأنهم يعرفون أن المسلمين لن يصمتوا على ذلك، وسيتحرّكون لنجدة أشقائهم المسيحيين».


مواضيع متعلقة