حماية الكنائس فى الإسلام «فريضة دينية».. وبناؤها مرهون بالصالح العام

كتب: مصطفى رحومه

حماية الكنائس فى الإسلام «فريضة دينية».. وبناؤها مرهون بالصالح العام

حماية الكنائس فى الإسلام «فريضة دينية».. وبناؤها مرهون بالصالح العام

يهاجمون الكنائس ويمنعون بناءها رافعين شعارات «حماية الإسلام»، والإسلام منهم براء، هذا هو الوضع فى كل الأحداث الطائفية التى شهدتها مصر خلال العقود الماضية على خلفية بناء الكنائس فى كافة ربوع الجمهورية، الأمر الذى دفع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية إلى أن يُصدر كتاباً بعنوان «حماية الكنائس فى الإسلام»، وشارك فى تقديمه الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، والدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، ومن المقرر ترجمته إلى جميع اللغات.

الكتاب مقسم إلى عدة فصول لمجموعة من المؤلفين الذين يناقشون قضية بناء الكنائس من مختلف الوجوه الشرعية والفقهية والتاريخية، ويؤكدون أن بناء الكنائس وحمايتها من الواجبات الشرعية التى أقرها الدين الإسلامى احتراماً لكل الشرائع السماوية.

{long_qoute_1}

وأكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أن الإمام والمحدّث والفقيه الليث بن سعد، والإمام قاضى مصر عبدالله بن لهيعة أكدا أن كنائس مصر لم تُبن إلا فى الإسلام، وأن والى مصر فى زمن هارون الرشيد، موسى بن عيسى، أمر بإعادة بناء الكنائس التى هدمها مَن كان قبله، وجعل ذلك من عمارة البلاد، موضحاً أن حماية أهل الأديان السماوية ودور عبادتهم من مقاصد العمران الإسلامى، حيث قال تعالى: «وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا»، مؤكداً أن للناس فى اختلافهم الدينى والعرقى مجالاً كبيراً لاكتمال العمران فى الدنيا.

وقال الدكتور محمد سالم أبوعاصى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن هناك أدلة شرعية على أن حماية الكنائس فريضة دينية، مشيراً إلى أن تورط البعض فى العدوان على دور عبادة غير المسلمين يعود لعدم النضج الفقهى، أو عدم تكامل الملكة الفقهية المتعلقة بأحكام أهل الكتاب فى الشريعة الإسلامية، لا سيما لدى الجماعات المتطرفة.

وأضاف «أبوعاصى» أن «من أسباب العدوان على دور عبادة غير المسلمين عدم وجود نهج معرّف وملزم بالطريقة المثلى للبحث فى أحكام أهل الكتاب وموضح لمظاهر الفرق بين عمل المفتى وعمل الناقل للأحكام من مراجعها، وعدم معرفة الفرق بين الأحكام التشريعية المجمع عليها والمختلف فيها، وبين الأحكام التبليغية والأحكام الخاضعة لنظام السياسة الشرعية، موضحاً أن من أهم الأسباب أيضاً عدم مراعاة الأحوال والأزمان والأشخاص والظروف والضرورات وما استجد من معلومات».

وقال الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن المحافظة على الكنائس مطلب إسلامى يقوم على عدد من مبادئ الإسلام، وإن سياسة بناء الكنائس مرهونة بالصالح العام للأمة، وإن ولىّ الأمر هو الذى يزن تلك المصلحة، ويقدر لها قدرها، وفقاً لاعتبارات موضوعية بعيدة عن الاضطهاد الدينى، فإذا وجد أن عدد المسيحيين قد زاد زيادة تقتضى بناء كنائس جديدة، فإن له أن يسمح بذلك، يقول ابن القيم: «وفصل الخطاب أن يقال: إن الإمام يفعل فى ذلك ما هو الأصلح للمسلمين بحسب قلة أعداد المسيحيين أو كثرتهم، فإن كان عددهم قليلاً أبقى لهم ما يكفيهم من الكنائس، وإن كان عددهم كثيراً فله أن يسد حاجتهم من الكنائس التى يحتاجون إليها».

وقال الدكتور محمد عبدالستار الجبالى، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: إن الإسلام قد أباح لغير المسلمين ممارسة شعائر دينهم فلا تُهدم لهم بيعة أو كنيسة ولا يُكسر لهم صليب بناء على القاعدة العامة فى حقوق أهل الذمة، وأن «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» وأن «نتركهم وما يدينون»، وذكر عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه أوصى فى آخر أيامه بأهل الذمة خيراً، وقال: «أوصى الخليفة من بعدى بأهل الذمة خيراً أن يوفى بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وألا يكلفهم فوق طاقتهم»، كما كان فى أيام خلافته يوصى عماله بأهل الذمة، ويسأل الوفود عنهم ليتأكد من حسن معاملتهم.

وأكد الدكتور محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية، أن هدم الكنائس أو العدوان عليها وعلى روادها بأى شكل كان حرام شرعاً، مستدلاً بأنه لم يرد فى القرآن الكريم ولا السنة النبوية الشريفة أمر للمسلمين بذلك، وأن تعامل النبى صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب فى المدينة وفى الجزيرة العربية وفى اليمن لم يُروَ عنه أنه أمر بشىء من الهدم أو العدوان، بل الثابت أنه صلى الله عليه وسلم نهى المسلمين الفاتحين عن هدم الصوامع أو قتل الرهبان أو النساء أو الأطفال فى أى معركة، فضلاً عن أن القادة الفاتحين من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وولاة الخلفاء الراشدين قاموا بحماية هذه الكنائس والمحافظة عليها فى مصر والشام والعراق وغيرها، وأن الإسلام أمر أمراً واضحاً بحسن رعاية أهل الكتاب ومعاملتهم، وقرر لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وأن من آذى ذمياً فالله ورسوله بريئان منه لأنه قد آذى الله ورسوله، مع لزوم معاملتهم بالعدل والإنصاف والقسط.


مواضيع متعلقة