حرب تكسير عظام بين الشركات بسبب «الضرائب الجديدة»

كتب: صالح إبراهيم

حرب تكسير عظام بين الشركات بسبب «الضرائب الجديدة»

حرب تكسير عظام بين الشركات بسبب «الضرائب الجديدة»

ينتظر الشارع المصرى بترقب وحذر شديدين قرارات بشأن فرض ضرائب جديدة على منتجات التبغ والسجائر، وهى القرارات التى سيتم إقرارها العام المالى الحالى، بعد أن كشفت وزارة المالية فى موازنتها الجارية عن زيادة قيمة الإيرادات الضريبية عن بند السجائر والتبغ بنحو 8.5 مليار جنيه، لتصبح 42.3 مليار جنيه مقابل 33.8 مليار جنيه فى العام المالى السابق.

{long_qoute_1}

وبعيداً عن تفاصيل القرارات المتوقعة ونسب الزيادة ومدى تأثيرها فى السوق، فإن الأمر يلقى بالضوء على صناعة السجائر و«بزنس» التدخين الذى شهد نمواً هائلاً خلال السنوات الماضية للدرجة التى سمحت بوجود نحو 4 شركات أجنبية فى سوق السجائر تعمل جنباً إلى جنب مع «الشركة الشرقية للدخان» التى كانت ولا تزال المحتكر الأول والمسيطر الأكبر.

وعلى الرغم من الزيادات الضريبية التى تُفرض بشكل مستمر على منتجات التبغ والسجائر، فإن اللافت للنظر أن حركة النمو فى تلك الصناعة وحجم الاستثمار بها تشهد تزايداً واضحاً، فالبيانات المتاحة تؤكد أن سوق السجائر فى مصر شهدت نمواً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، إذ دخلت شركتان جديدتان خلال العامين الماضيين للمنافسة على «كعكة» السوق المصرية، وهما شركتا «جابان توباكو» اليابانية أو «جى تى آى» وشركة «إنتريال توباكو» المملوكة لعائلة منصور، اللتان قررتا الدخول فى السوق لإنتاج وتسويق نوعيات جديدة من السجائر.

ولعل النمو الملاحظ جاء مدفوعاً بارتفاع معدلات الطلب على السجائر، حيث تكشف دراسة هامة تحت عنوان «اقتصاديات التبغ فى مصر»، صادرة عن مؤسسة «بلومبرج»، عن أن السجائر تُعد أكثر منتجات التبغ استهلاكاً فى مصر، وأن هذا الاستهلاك ينمو بزيادة منتظمة، وتؤكد الدراسة أن الاستهلاك زاد بنسبة أكبر من الضعف خلال الفترة من 1990 وحتى 2007، حيث ارتفع من 39 مليار سيجارة فى 1990 إلى 84.6 مليار سيجارة سنوياً فى 2007، وهو الرقم الذى ازداد بشكل كبير خلال الأعوام الستة الماضية.

وتشير الدراسة إلى أن معدل استهلاك الفرد ارتفع بنسبة تزيد على 50% سنوياً، ويقدر معدل استهلاك الذكور من السجائر علبة كاملة يومياً، بينما للإناث تنخفض إلى نصف علبة. «بزنس السجائر» لا يمكن الحديث عنه دون الحديث عن «الشركة الشرقية للدخان» التى تُعد المسيطر الأول والمحتكر الأكبر فى سوق الدخان بشكل عام وسوق السجائر على وجه الخصوص، إذ تصل حصتها السوقية إلى أكثر من 60% تقريباً بعد أن كانت تتراوح بين 80% و90% فى بعض الأوقات.

ويوضح تاريخ الشركة أنها أكبر مصنّع للسجائر فى الشرق الأوسط، بعد أن تأسست فى 1920، وتم تأميمها فى 1956، وحتى 1995 ظلت الشركة مملوكة بالكامل للحكومة، لكنها تحولت تدريجياً بعد أن تم بيع حصص منها للعاملين والقطاع الخاص، وتمتلك الحكومة حالياً نحو 52.8% من أسهم الشركة عن طريق الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، فيما يمتلك القطاع الخاص نحو 37.2% والعاملون بها 10%.

ومع فتح باب استيراد السجائر من الخارج فى 1991 لم تعد السوق حكراً على «الشرقية للدخان» التى ظلت مسيطرة لمدة عقود، بدأت الشركات الأجنبية اللاعبة فى سوق السجائر فى اقتحام السوق للحصول على جزء من الكعكة بعد نمو السوق فى مصر، فمجموعة «فيليب موريس» الأمريكية لصناعة التبغ كانت من أولى الشركات الكبرى التى دخلت السوق من خلال توكيل حصلت عليه مجموعة «المنصور»، وبعد شراكة استمرت نحو 25 عاماً قررت الأخيرة فى مطلع 2014 التخارج من تلك الشراكة والحصول على توكيل جديد للمجموعة البريطانية «إمبريال توباكو»، وهو الأمر الذى دفع «فيليب موريس» لتصنيع سجائرها عبر اتفاق مع الشرقية للدخان، وتقول المجموعة إن حصتها من سوق السجائر فى مصر بلغت 25.5%، وهى نسبة قابلة للزيادة فى ظل الزيادة فى الاستهلاك.

وتنتج المجموعة عدة ماركات تجارية شهيرة على رأسها «مارلبورو، وميريت، وإل إم، ونكست». ومن المعروف أن الحكومة تفرض حظراً على تصنيع السجائر فى مصر إلا من خلال الشركة الشرقية، وبالتالى فإن عملية التصنيع تتم من خلال تأجير «الشرقية» خطوط إنتاج لصالح الشركات الأجنبية. مجموعة أخرى هى مجموعة «بريتش أمريكان توباكو» الأمريكية الإنجليزية التى قررت دخول السوق المصرية بعد فتح باب الاستيراد، وهى الشركة التى وقّعت عقداً مع الشرقية للدخان تم بموجبه تجديد اتفاقية التعاون المشترك بينهما لمدة خمس سنوات تبدأ من 2014 وتنتهى فى 2019.

وبموجب تلك الاتفاقية يتم إنتاج السجائر بشكل مشترك لصنف سجائر «فايسروى» التى تقوم الشركة الشرقية «إيسترن كومبانى» بموجبها بعملية التصنيع، بينما تتولى شركة «بريتش أمريكان توباكو إيجيبت» تسويق وتوزيع هذه السجائر، وهو التعاقد نفسه الذى تجريه «الشرقية للدخان» مع الشركات الأجنبية الأخرى. ووفقاً لمصادر بسوق الدخان فإن «بريتش أمريكان توباكو» التى تنتج ماركات دانهيل وكينت، وروثمانز، وفايسروى تستحوذ على حصة سوقية تصل إلى 15% تقريباً.

شركة «جابان توباكو»، إحدى أكبر شركات الدخان فى العالم، كانت هى الأخرى ضمن مجموعة اللاعبين الأجانب الذين قرروا خوض سباق سوق «السجائر» المصرية نهاية العام قبل الماضى، إذ قامت الشركة من خلال الاستحواذ على شركة أدخنة النخلة التى كانت مملوكة لعائلة الإبيارى بمحافظة المنوفية بإنتاج سجائر خاصة بها تنافس بها المنتجات القائمة، تحت اسم تجارى «وينستون»، وتستعد الشركة لطرح منتج جديد باسم «كاميل».

الشركة التى تأسست فى عام 1999 دخلت السوق عبر صفقة فاقت 250 مليون دولار، امتلكت بموجبها مصنعين فى شبين الكوم بمحافظة المنوفية، قامت بالاتفاق مع الشركة الشرقية للدخان -المصنّع الوحيد للسجائر فى مصر- لتأجير خط إنتاج من الشركة بمصانعها الجديدة فى مدينة السادس من أكتوبر لتصنيع الماركة الجديدة، ووفقاً لبيانات الشركة فإن منتجاتها تستهدف شريحة محدودى الدخل، وأنها لن تكون منافسة لماركات مارلبورو وميريت وغيرهما.

قصة دخول الشركة اليابانية جاءت بعد أن أجرت دراسات اتضح من خلالها قابلية السوق المصرية لمزيد من منتجات الدخان والسجائر، وقررت خوض التجربة بسوق المعسل الذى تستحوذ فيه على حصة تصل إلى 20%.

وتشير البيانات المتاحة عن «جابان توباكو» إلى امتلاكها 8 علامات تجارية لعل أشهرها «كاميل»، وتمثل تلك العلامات التجارية أكثر من 60% من مبيعات السجائر لديها، كما أنها تمتلك 95 مكتباً، و25 مصنعاً و6 مراكز أبحاث وتطوير، و5 مرافق لمعالجة التبغ، ويعمل بها 27 ألف موظف يعملون فى 73 بلداً حول العالم، فيما توزع منتجاتها على 120 بلداً.

ووفقاً لأحد مسئولى الشركة فإن «جابان توباكو» قامت بـ«جس نبض» السوق من خلال دخولها مجال «المعسل» أولاً، وقررت دخول سوق السجائر، لافتاً إلى أن أى اتفاقيات لتصنيع السجائر لا بد أن تتم مع الشركة الشرقية للدخان، وأن شركته ستقوم باستيراد التبغ واللفائف من الخارج وتقوم بإعطائها للشرقية بغرض التصنيع.

وتقوم الشركة الشرقية للدخان بالتصنيع للشركات الأجنبية مقابل 6 دولارات عن كل ألف سيجارة قيمة تصنيع، فيما تتولى الشركات تسويق منتجاتها، وعلى الرغم من تقدم «فيليب موريس» بطلبات متعددة لإقامة مصنع خاص بإنتاج السجائر فى مصر فإن القوانين المصرية تمنع منح تراخيص لإقامة مصانع سجائر.

وبحسب ما قال إبراهيم الإمبابى، رئيس شعبة السجائر والدخان باتحاد الصناعات، فإن القوانين المصرية تحظر إقامة مصانع لإنتاج السجائر منذ العام 1958، معتبراً أن صناعة الدخان فى مصر تواجه أزمات لا حصر لها بسبب ما وصفه بالسياسات غير المدروسة تجاه الصناعة، لافتاً فى الوقت ذاته إلى أن الشعبة لم يتم إخطارها بأى قرارات جديدة بشأن الضرائب.

وبحسب مصدر بإحدى شركات الدخان الأجنبية فإن هناك ترقباً شديداً داخل السوق بشأن الضرائب الجديدة، وحالة من الانقسام بين الشركات الأجنبية، بسبب خلاف حول كيفية فرض الضريبة الجديدة.

وقال إن هناك ثلاث شركات اقترحت الإبقاء على نظام الشرائح الثلاث الحالية «كبرى ومتوسطة ومتدنية» على أن يتم فرض ضريبة على السجائر يتم بناء عليها تحديد الزيادات فى الأسعار، مشيراً إلى أن شركة «فيليب موريس» ترفض المقترح المطروح، وترى أن يتم إلغاء الشريحة الثانية من خلال زيادة أسعار الفئات الوسطى، لافتاً إلى أن مقترح «فيليب موريس» سيعنى بالضرورة خروج منتجات باقى الشركات الثلاث من السوق، وهو ما أشعل «حرب تكسير عظام» بين الشركات.


مواضيع متعلقة