الدكتور محمد مرسى

محمد حبيب

محمد حبيب

كاتب صحفي

(١) الشخصية الرابعة التى نسلط الضوء عليها هى شخصية الدكتور محمد مرسى.. ولا شك أن التعرف على الخصائص الذهنية، والنفسية، والعصبية، والوجدانية لهذه الشخصية عن قرب، سوف يفسر ويعين على فهم الكثير من تلك الإخفاقات التى منى بها الرجل كرئيس لجمهورية مصر.. لم أكن أعرف الدكتور محمد مرسى قبل الانتخابات البرلمانية التى جرت أواخر عام ٢٠٠٠، والتى فاز فيها الإخوان بـ١٧ نائباً، كان منهم الدكتور محمد مرسى.. كنت خارجاً لتوى من السجن بعد قضاء المدة التى حكمت بها المحكمة العسكرية علىَّ، وهى ٥ سنوات.. وعادة ما كان يسند الإشراف على الكتلة البرلمانية للإخوان إلى المستشار المأمون الهضيبى، على اعتبار أنه المشرف على القسم السياسى للجماعة.. فى هذه المرة طرح أحد أعضاء مكتب الإرشاد -أظنه عبدالمنعم أبوالفتوح- فكرة إسناد عملية الإشراف لى على أساس أنى كنت المشرف على قسم المهنيين بالجماعة، الذى يضم التجاريين، والزراعيين، والمهندسين، والأطباء، والأطباء البيطريين، والصيادلة، والعلميين، والمعلمين، والمحامين، والإعلاميين، وهؤلاء يمثلون الظهير الفنى الداعم للكتلة البرلمانية.. وقد أيده فى ذلك الأستاذ أحمد حسانين، عضو مكتب الإرشاد، وأضاف فكرة أن يكون الإشراف من خلال لجنة تشمل فى عضويتها الدكتور عبدالحميد الغزالى (مسئول القسم السياسى)، بدر محمد بدر (رئيس تحرير جريدة آفاق عربية)، طارق خليل (ممثلاً عن قسم التنمية الإدارية)، ومسعود السبحى (ممثلاً للأمانة).. وقد وافق مكتب الإرشاد على ذلك.

(٢) كانت أول خطوة لنا هى اختيار واحد من النواب الـ١٧ لكى يكون مسئولاً عنهم داخل البرلمان.. وكان من المفترض أن نجتمع -كلجنة- مع النواب للتعرف على قدراتهم وإمكاناتهم وأفكارهم، خاصة أن فيهم برلمانيين سابقين، لكن ذلك -للأسف- لم يحدث.. فى تلك الأثناء، اتصل بى هاتفياً الدكتور محمد على بشر (وكان آنذاك فى السجن)، ليقترح علىّ اسم الدكتور محمد مرسى كمسئول عن الكتلة البرلمانية، حيث إنه يعرفه ويثق فى قدراته وأنه الأفضل.. ولما كنت أثق فى الدكتور بشر، فقد اجتمعت بالكتلة البرلمانية وطرحت عليهم اسم الدكتور محمد مرسى.. لقى الطرح شيئاً من التردد لدى بعض أعضاء الكتلة، لكنهم وافقوا فى النهاية، ربما لتصورهم أن هذه هى رؤية مكتب الإرشاد.. وفى أول اجتماع للمكتب أخطرت الأعضاء بما تم، فثار المستشار المأمون الهضيبى، نائب المرشد آنذاك، وقال: كان لا بد من طرح الموضوع أولاً على مكتب الإرشاد لمناقشته وليقول كل منا رأيه، إذ ربما كان هناك من هو أفضل أو أولى أو أكثر ملاءمة.. ولما كان رأى «الهضيبى» هو الصواب، فقد اعترفت بخطئى وقدمت اعتذارى، إلا أن الرجل استمر فى هجومه، ولم يوقفه إلا الأستاذ مصطفى مشهور، المرشد العام آنذاك، الذى قال: خلاص يا مأمون.. الدكتور أقر بخطئه واعتذر.. وانتهى الأمر بإقرار الدكتور محمد مرسى مسئولاً عن الكتلة البرلمانية.

(٣) قامت اللجنة المشرفة على الكتلة البرلمانية بعملها خير قيام، من حيث إعداد المكان، وبرامج التأهيل، وتشكيل اللجان المعاونة، وخطة العمل داخل البرلمان وخارجه، وهكذا.. وعلى الرغم من اختيار الدكتور مرسى مسئولاً عن الكتلة البرلمانية، فإنه كان دائم الاتصال بى لأخذ رأيى فى قضايا كثيرة.. كان أداؤه -كنائب- داخل البرلمان جيداً، لكنه لم يكن كذلك فى إدارته للكتلة البرلمانية، وذلك نظراً لطبيعته المحافظة التى تميل إلى الضبط والربط، وكأن إخوانه النواب تلامذة فى مدرسة، لدرجة أن بعضهم شكا لى طريقته فى الإدارة.. كنا ننتهز فرصة الانتهاء من الدورة البرلمانية لنقوم -أنا والنواب وأسرنا- بقضاء أسبوع فى إحدى قرى الساحل الشمالى، بهدف مراجعة الدورة البرلمانية المنقضية ووضع برنامج الدورة البرلمانية المقبلة.. وقد كان هناك تفكير فى اختيار مسئول جديد للكتلة البرلمانية، إلا أن الفكرة -كما هو المعتاد داخل الإخوان- لم تأخذ طريقها للتنفيذ بزعم عدم إحراج الدكتور محمد مرسى.. فى إحدى المرات تكلمت معى إحدى الزوجات وشكت بأن الدكتور مرسى يضيق الخناق على النواب بدرجة غير معقولة.

(٤) ويتمتع الدكتور مرسى بقدرات ذهنية جيدة، من حيث الفهم والاستيعاب والذاكرة الحافظة والقدرة على التركيز، فهو يستوعب ما يلقى إليه، كما أنه على استعداد أن يقص عليك ما دار من تفاصيل فى أى لقاء يحضره.. رغم ذلك، لم يكن مبدعاً ولا مبتكراً، وهكذا الذين يتسمون بثقافة السمع والطاعة والثقة فى القيادة.. هو دائماً محاصر فى دوائر معينة من التفكير لا يستطيع أن يتجاوزها، ربما لطبيعته التقليدية أو النمطية، ولم أره يوماً يقدم فكرة جديدة أو يطرح رؤية غير عادية أو يتطرق لقضية لها تأثيرها.. وكان دائماً حريصاً على أن يردد أمامى وأمام الآخرين أنه «محافظ».. لذا، كان حظه من الخيال قليلاً، بل يكاد يكون معدوماً، ربما بسبب جمود حسه وجفاف العواطف لديه.. وكان صادقاً عندما ذكر فى حواره مع المذيع عمرو الليثى -أثناء فترة رئاسته- إن جلده «تخين»(!)

(٥) لا شك أن عضوية الدكتور محمد مرسى بالبرلمان مدة ٥ أعوام (٢٠٠٠ - ٢٠٠٥) أكسبته ثقافة متنوعة عن المشكلات والأزمات التى يعانيها المجتمع المصرى؛ كالبطالة، والتضخم، والارتفاع الجنونى فى الأسعار، ناهينا عن مشكلات التعليم، والصحة، والإسكان.. إلخ، غير أنه كان قليل البضاعة فى العلوم السياسية وما يرتبط بها، علاوة على أن رصيده من العلم والفقه كان محدوداً.. كما كان حظه بالنسبة لفقه السيرة، وعلم أصول الفقه، ناهينا عن فقه الواقع، والتوازنات، والأولويات، والمآلات، غير متناغم مع عضو مكتب إرشاد.. وأظن أنه لم تكن له صلة بكتابات المفكرين والكتاب والأدباء، من أمثال العقاد والمازنى والرافعى وطه حسين والزيات، وغيرهم.. وقد اتسمت حواراته مع الآخرين بالصدامية والخشونة.. أتذكر جيداً أن الدكتور محمود عزت جمع له يوماً حوالى ٤٠ شاباً ممن يجيدون التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعى للتحاور معهم.. كان هؤلاء يسببون إزعاجاً للإخوان، برغم أنهم كانوا منهم يوماً، لكنهم -لسبب أو آخر- تمردوا عليهم.. وللأسف، لم يستطع الدكتور مرسى استيعابهم، أو إقناعهم، حيث تعامل معهم كما الضابط مع جنوده، أوامر ونواهى، وهو ما جعل الحوار صاخباً وغاضباً، مما اضطر الشباب أن يتركوا له المكان، غير آسفين.. وهكذا، فشل الحوار وانفض دون التوصل إلى شىء(!)