أستاذ علاقات دولية: مبادئ الاتحاد الأفريقى تمنع إسرائيل من «عضو مراقب»

كتب: سمر نبيه

أستاذ علاقات دولية: مبادئ الاتحاد الأفريقى تمنع إسرائيل من «عضو مراقب»

أستاذ علاقات دولية: مبادئ الاتحاد الأفريقى تمنع إسرائيل من «عضو مراقب»

«جهات سيادية تقوم بدراسة استراتيجية مصر داخل القارة السمراء.. ومبادئ الاتحاد الأفريقى تمنع إعطاء إسرائيل صفة دولة مراقب به».. وكأنها جمل تبث التطمينات للشعب المصرى، كشفها الدكتور أيمن شبانة، أستاذ العلاقات الدولية بمعهد الدراسات والبحوث الأفريقية، خلال حواره مع «الوطن»، خاصة بعد القلق البالغ الذى انتاب الجميع، خلال جولة رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، بأربع دول بحوض النيل، منها إثيوبيا، والتى وصفها «شبانة» بـ«العادية»، مؤكداً أن إسرائيل لها علاقات ووجود قوى داخل أفريقيا منذ فترة وليس الأمر بجديد. واشترك معهد البحوث الأفريقية، حسب قوله، بمجموعة من خيرة علماء مصر بالتعاون مع جهة سيادية، لإعداد تلك الدراسة التى استمر العمل عليها لمدة عام كامل انتهى أبريل الماضى، وهى موجودة الآن برئاسة الجمهورية ومحل دراسة وتقييم من أجهزة صنع القرار. وإلى نص الحوار:

■ مبدئياً.. كيف تقرأ جولة «نتنياهو» الأخيرة للقارة السمراء؟

- زيارة متوقعة، وعادية، ولم تكسر الدنيا، هى زيارة سابقة للقمة الأفريقية، المقرر عقدها الشهر الحالى فى رواندا، وهى محاولة متجددة لكسب أصوات لحصول إسرائيل على عضو مراقب فى الاتحاد الأفريقى، وهذا لن يحدث لأن حصولها على العضوية به خرق للقانون الدولى.

{long_qoute_1}

■ لكن إثيوبيا أعلنت دعمها لحصول إسرائيل على «عضو مراقب».

- طبيعى أن تقول ذلك، لكن فى الأمر توضيح، الاتحاد الأفريقى مكون من 54 دولة، وليس معنى أن مقر الاتحاد فى إثيوبيا أن يكون لإثيوبيا دور أكبر من غيرها، كما أنه ليس كل ما أعلن حقيقياً، فإعلان إثيوبيا لا يعنى بالضرورة أن هذا هو موقفها الحقيقى، فإسرائيل تقدم العديد من أوجه الدعم لإثيوبيا، ومنها التدريب، لذا فطبيعى أن يتم إعلان الدعم بالمقابل وقت زيارة «نتنياهو»، مثلما كانت هناك أطراف توائم المواقف مع «القذافى»، رئيس ليبيا الراحل، وتصفه بأنه ملك ملوك أفريقيا، وتفعل فى الحقيقية عكس ذلك، لكن مبادئ الاتحاد الأفريقى تمنع أن دولة احتلال تكون عضواً مراقباً به، وتلك المبادئ تقوم على التعاون وتسوية المنازعات بطرق سلمية، وعدم اللجوء إلى القوة المسلحة فى تسوية النزاع، وأن تكون دولة محبة للسلام، ومتعاونة ومحترمة للمواثيق الدولية، لذا فوجود إسرائيل كعضو مراقب فى الاتحاد يخرق مبادئ الاتحاد ويخالفها.

■ ألا يمكن أن تحدث أى تغييرات على الوضع الحالى؟

- صعب جداً، بل مستحيل.. وأكبر دليل على ذلك، موقف الاتحاد الأفريقى الحاسم مثلاً فى عزل منظمة الوحدة الأفريقية لجنوب أفريقيا عند تفاقم العنصرية بها، واتخاذها موقفاً من مصر فى 30 يونيو، لعدم علمها بالحقيقة وقتها، واعتقادها أن ما حدث فى 30 يونيو غير دستورى، فوقتها تم تعليق أنشطة مصر بالاتحاد، لكن فى كل الأحوال الاتحاد الأفريقى لن يخسر مصر، فمصر من أكبر خمس دول فى تمويل أفريقيا، أيضاً الاتحاد الآسيوى سبق أن رفض إسرائيل كعضو مراقب، وقد سبق وقامت مصر والجزائر، وهما اللذان يقودان المجموعة العربية فى الاتحاد الأفريقى، بطرد الوفد الإسرائيلى من قمة مالى، وأصرّا على خروجه.

■ ماذا لو تمت موافقة الاتحاد الأفريقى على منح إسرائيل صفة عضو مراقب؟

- مع أن هذا لن يحدث، لكن الأفارقة ليسوا هؤلاء الذين نقول لهم يمين يمين شمال شمال، فمصر لديها سفارات وعلاقات أكثر، و«نتنياهو »خلال الزيارة الأخيرة قدم 13 مليون دولار فقط من المساعدات لأفريقيا، فى حين أن مصر قدمت مشروعات بـ26 مليون دولار لأوغندا، كما أن مصر أطلقت مبادرة لعلاج المصابين بفيروس سى بإثيوبيا.

{long_qoute_2}

■ هل هناك تحرك رسمى فى مصر بشأن ملف أفريقيا؟

- هناك استراتيجية شاملة لتفعيل الدور المصرى فى أفريقيا، فى كل المجالات، موجودة الآن أمام رئاسة الجمهورية، وبعض الجهات السيادية، وإعداد تلك الاستراتيجية، بدأ منذ عام بالتعاون بين معهد البحوث الأفريقية، وعدد من العلماء فى مختلف الجامعات المصرية، وبالتنسيق مع جهات سيادية، وتم الانتهاء منها فى أبريل الماضى، وهى الآن محل دراسة وتقييم من أجهزة صنع القرار، خصوصاً أنها تضمن تحرك مصر بشكل سريع وقوى داخل أفريقيا، لتعويض الفراغ الذى حدث طوال السنوات الماضية فى هذا الاتجاه.

■ ما أبرز المعوقات أو العيوب التى تجدها فى تعامل مصر مع أفريقيا؟

- الثقافة نفسها، ثقافة التعامل بمنطق التعالى، فمثلاً السينما المصرية دائماً ما تقدم الأفريقى، سواء السودانى أو الصومالى أو الإثيوبى، على أنه خادم، وبواب.. إلخ، وهو ما أثار لديهم مشاعر غير جيدة تجاه مصر والمصريين، ثقافة التعامل معهم تحتاج لتغيير، فالأفارقة لهم عدد محدود من الكليات مسموح لهم الالتحاق بها، ككليات الآداب، والتجارة، والحقوق، والشريعة والقانون، وممنوع عنهم كليات أخرى كالطب والهندسة والعلوم والزراعة، والكليات المتعلقة بالأمراض المتوطنة لديهم، رغم أن القوة الناعمة تتمثل فى هؤلاء الطلاب، الذين يستطيعون أن ينقلوا روحاً ورسالة سامية إلى بلادهم، إذا لاقوا معاملة جيدة فى مصر.

■ وما الذى يمنع أن يتوافر لهم ذلك؟

- يقال إن الإمكانيات لا تسمح، وإنه لا توجد طاقة لاستيعابهم فى تلك الكليات، وإن الموجود يستوعب فقط الطلاب المصريين.

■ وفى رأيك، ما أهداف زيارة سامح شكرى، وزير خارجية مصر، لإسرائيل؟

- ما يتردد أو ما يعلن هو أن الزيارة لإحياء عملية السلام، والتباحث حول عدد من القضايا، لكن بالطبع هناك أهداف غير معلنة، وهذا حق الدولة فى عدم الإعلان عنه الآن. {left_qoute_1}

■ وما شكل العلاقة بين إسرائيل وأفريقيا حالياً؟

- علاقة قائمة على المصالح، فقد استطاعت إسرائيل أن تتوجه لهذه الدول وتحقق مصالح لها، فلها علاقات وطيدة بمعظم دول القارة، وقد استطاعت الوجود فى أفريقيا بثلاثة أشياء؛ أولاً الرى والزراعة، فإسرائيل دولة متطورة جداً فى الرى والزراعة، والأمر الثانى يتمثل فى قيامها بدراسات فى الأمراض المتوطنة فى أفريقيا، فعندما مرض رئيس إريتريا بمرض غامض ذهب ليعالج فى إسرائيل، وثالثاً أن عدداً كبيراً من شركات الأمن فى أفريقيا إسرائيلية، وكانت تعاون رؤساء دول أفريقيا ضد الانقلاب الواقع فيها، والمساعدة على استقرار الأوضاع.

■ وما أهداف إسرائيل ذات الأولوية فى أفريقيا؟

- تهدف إسرائيل بالتأكيد لتدعيم علاقاتها بدول الجوار العربى الأفريقى بغية الالتفاف حول الأمة العربية، فى شكل حزام يمتد من إثيوبيا وإريتريا مروراً بكينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وبورندى والكونغو الديمقراطية، بما يهدد منابع النيل كهدف استراتيجى أولاً، ثم الالتفاف حول السودان عبر جمهورية أفريقيا الوسطى، مع تطويق المغرب العربى عبر تشاد والنيجر ومالى والسنغال، بل إن هناك محاولات للتغلغل فى أقصى جنوب القارة، وتتمثل أهم مخططات إسرائيل فى الآتى: التأثير على الأمن المائى والغذائى العربى، حيث تسعى إسرائيل لاستخدام المياه باعتبارها ورقة ضغط على مصر والسودان، وبصفة خاصة مصر التى تدخل مصالحها فى مياه النيل فى دائرة المصالح المصيرية، وتهديد الملاحة فى البحر الأحمر، وإضعاف التأييد الأفريقى للقضايا العربية، ومحاولة الربط الأيديولوجى والحركى بين إسرائيل وأفريقيا، وتدعيم العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الأفريقية، وتنفيذ السياسات الغربية فى القارة الأفريقية.

■ ما حجم العلاقات الاقتصادية الأفريقية الإسرائيلية؟

- ركزت إسرائيل فى علاقاتها الاقتصادية واستثماراتها المباشرة فى أفريقيا على قطاعات اقتصادية محددة، فإلى جانب امتلاك وإدارة بعض المزارع، نجدها استهدفت السيطرة على قطاع الصناعة الاستخراجية، حيث ركزت استثماراتها فى استغلال الثروات الطبيعية الأفريقية، وأهمها «الماس» فى كل من الكونغو الديمقراطية، وسيراليون، وغانا، وأفريقيا الوسطى، واليورانيوم فى النيجر، إلى جانب الاستثمار المباشر الإسرائيلى فى هذه الصناعات بشكل منفرد، فإنها لجأت للدخول فى مشاركة مع رأس المال الأجنبى الوافد إلى الدول الأفريقية بما لا يفوت عليها فرصة الاستثمار فى تلك الصناعات الحيوية، وتأتى أهمية الاستثمار فى تلك الصناعات الحيوية، كذلك الاستثمار فى النشاط التعدينى، فهذه المعادن تمثل موارد اقتصادية قابلة للنفاد، فضلاً عن المحدودية النسبية للمعروض منها على المستوى العالمى، وأيضاً تجارة إسرائيل تتم مع بعض الدول الأفريقية بشكل سرى، وميزان التجارة الإسرائيلى، ونسبة الصادرات الإسرائيلية لأفريقيا، للدول غير المعلنة يبلغ 24.7%، من صادرات إسرائيل لأفريقيا عام 1994، ما يعنى أن صادرات إسرائيل للدول الأفريقية غير المعلنة تفوق صادراتها للدول الأفريقية المعلنة، وهذه التجارة غالباً ما تشتمل على سلع ذات طبيعة استراتيجية وأمنية، والتى تمثل جانباً هائلاً من تجارة إسرائيل مع القارة الأفريقية، ولعل أهم ما تعكسه العلاقات الاقتصادية الأفريقية الإسرائيلية أن لها أبعاداً سياسية واستراتيجية، حيث تعلو فى هذه العلاقة الاعتبارات الأيديولوجية والاستراتيجية على الاعتبارات الاقتصادية البحتة.

■ وما آلياتنا فى تنفيذ ذلك؟

- بوجوب اعتبار أن النشاط الإسرائيلى فى أفريقيا جزء من الصراع العربى الإسرائيلى الممتد، ومن ثم فإن مواجهته يجب أن تخضع لتخطيط علمى واعٍ، من خلال توجهات شاملة، سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وأمنية، وضرورة المبادرة بدخول ميدان المنافسة من خلال تقديم البدائل الأفضل للدول الأفريقية، بما لا يدع لديها حرية الاختيار، تحقيقاً لمصالحها فى كافة الميادين، كذلك انتقاء مجالات للتعاون المصرى والعربى الأفريقى لم تدخلها إسرائيل، كالتعليم فى الدول الإسلامية، والصناعات الحرفية التى تخدم الصناعات الخفيفة أو الثقيلة، بالإضافة للتحرك المتوازى تجاه منافسة المجالات التى تباشرها إسرائيل فى الواقع، وتشجيع الاستثمارات المصرية الخاصة فى أفريقيا بغية زيادة حجم وتفعيل دور الجاليات المصرية بالدول الأفريقية عامة، وفى دول حوض النيل والقرن الأفريقى خاصة.


مواضيع متعلقة