بروتوكولات الخطر الجديد فى غزة

خالد عكاشة

خالد عكاشة

كاتب صحفي

أبلغت الإدارة الأمريكية الجانب الإسرائيلى مؤخراً بأن ملف قطاع غزة حان الوقت لإعلانه ملفاً تركياً خالصاً، والدوافع الأمريكية لذلك ربما يطول سرد عناوينها، لكن الأهم فى توقيت هذا الإخطار، التوقيت بالطبع له علاقة بالفترة الرمادية التى ستدخلها الإدارة الأمريكية الحالية بسبب انتخابات الرئاسة، وهى تنزع أى جدية يمكن لأطراف أخرى متضررة من هذا القرار أن تلجأ إليها تعديلاً أو تصحيحاً، فيمكن السماح بفترة اختبار للوضع الجديد حتى تصل الإدارة الجديدة لمقاعدها، وللتوقيت علاقة أيضاً بمتغيرات الإقليم خاصة المتعلق بالملف السورى مؤخراً، جزء واحد فقط فى الدوافع هو تشكيل أمريكى لما ظلت تسوق له بأن يكون الوكيل الحصرى للمنطقة تركيا، وقد مر هذا الطرح الأمريكى بمحطات ومنعرجات صعوداً وهبوطاً أدى به إلى التعثر، على خلفية أحداث سوريا والحرب على الإرهاب وما هو متعلق بثورة 30 يونيو ونظام الرئيس السيسى، ولهذا السبب كان الإبلاغ الأمريكى لإسرائيل مقروناً بالحرص على تجاوز الجانب المصرى وسلطة رام الله من هذا المستجد.

ما كان يتم العمل عليه سابقاً بهذا الشأن كان يتمثل فى الرغبة «التركية/ القطرية» لانتزاع الملف الفلسطينى من اليد المصرية، وطوال عامين مضيا قدما العديد من المشروعات التى صاغت كيفية خروج قطاع غزة من التداخل المصرى، عبر الالتفاف على كروت القوة التاريخية والتناغم ما بين القاهرة ورام الله فيما يخص القضية الفلسطينية برمتها، وهذا النزع يطلق رصاصة الرحمة على قضية العرب المركزية ويشكل ضغطاً هائلاً على القاهرة فى تداعياته المتوقعة، المشروعات المشار إليها كانت تستميل إسرائيل المتمنعة بتقديم حلول لأوضاع مستديمة تخص القطاع.

تفصيلات هذا الطرح كانت لدى الرئيس المصرى ومحمود عباس، وكلاهما فى تقدير صحيح للموقف اعتبرا المشروع قتلاً تاماً للقضية، ودفناً لحل الدولتين الذى جدده الرئيس المصرى تزامناً مع المبادرة الفرنسية، لكن الفهم والتقدير وحدهما من دون عمل ناجز وسط بروتوكولات الخطر وشياطين الإقليم، يضع الأمن المصرى ومجالها الحيوى تحت الخطر، واستهداف مصر من كافة أطراف تلك المعادلة لا يحتاج لإثبات، بقدر احتياجه لعمل شاق وضاغط يقطع هذا الطريق المحفوف بالتهديد، تركيا تريد إمارة إخوانية كاملة على حدود مصر الشرقية يديرها الفرع الفلسطينى للتنظيم «حماس»، ويمارس استغناء كاملاً عن مصر بما تم الاتفاق عليه مؤخراً مع إسرائيل سراً.

من أعطى الموافقة الكاملة لهذا التخطيط ومنخرط بالعمل عليه هم القيادات السياسية لحركة حماس، والذى سجل اعتراضاً فعلياً هى قيادات الجناح العسكرى للحركة الذى بموجبه ستفقد نفوذها وسلاحها، وتنظيم الجهاد الإسلامى سجل موقفاً شاحباً يعرف حدوده جيداً بموازينهم القوة المسلحة الداخلية، وإسرائيل التقطت إشارة التلهف التركى لإتمام التطبيع والبدء فى تلك المشاريع، فلم تعط أردوغان أو حماس السياسية إلا الفتات حتى الآن، وبمساحة ضيقة من هوامش الحركة الممكنة، وبدأت تختزل الطلبات لحدها الأدنى لكنها خطت الخطوة الأولى على أى حال، وهذا خطر داهم ولو مستقبلياً، السبت الماضى حمل نذر مشهد متكرر بإطلاق أحد الصواريخ من غزة تجاه إسرائيل، أعقبته أربع طلعات لسلاح الجو الإسرائيلى استهدفت ورشة للحدادة وموقعين تابعين لكتائب «عز الدين القسام» الجناح العسكرى لحركة حماس وموقعاً للتدريب تابعاً لـ«سرايا القدس» الجناح العسكرى لـ«الجهاد الإسلامى»، ربما هذا المشهد المصطنع يكون من باب اختبار الاتفاق التركى الإسرائيلى، خاصة وإسرائيل تقدم للجناح السياسى خدمة قصف الأجنحة العسكرية المناوئة، وقد يشهد القطاع تكراراً لنموذج عملية «عمود السحاب» 2012م، لإخضاع الكفيل التركى الجديد للاختبار وتثبيتاً للوضع الجديد بإمساكه الفعلى بالملف، على وقع هذه الاحتمالات والمخاطر لا يجوز أن يخفت الصوت والفعل المصرى، فهو يحتاج إلى آلية جديدة ونشيطة تدرك خطراً اتخذت فيه خطوات فعلية قبل تفاقم أوضاع مهددة يصعب تداركها.