أسامة الألفي يكتب لـ"الأهرام": "مهرجان الغش للجميع"
![أسامة الالفى](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/4000711841466797366.jpg)
أسامة الالفى
قال الكاتب الصحفي أسامة الألفي، في مقاله بجريدة الأهرام أمس، تحت عنوان "مهرجان الغش للجميع": "أتذكر التعليم على أيامي، كانت الدروس الخصوصية نادرة وفي أضيق الحدود وفي مواد معينة، وكان الغش حالة استثنائية وعارًا على مَنْ يُعرف بأنه غشاش، ومن يضبط وهو يغش يسير ذليلاً مطأطئ الرأس بين زملائه، وكان للمدرس مهابته واحترامه داخل الفصل وخارجه، وللمدرسة وجود فعلي ونظام متميز يطبق على الجميع بحزم، ولم نكن نعرف شيئًا اسمه (مدرسة خاصة)، إذ كانت المدارس الحكومية الأرقى في منسوبيها ومستوى تدريسها، وجميع رؤساء مصر منذ اللواء محمد نجيب وحتى الرئيس عبد الفتاح السيسي تخرجوا في مدارس حكومية".
وأضاف: "كان .. وكان .. وكان .. فما الذي حدث ليتدهور التعليم إلى الحال التي آل إليها من، فوضى وانعدام ضمير، وغش وصل - على ما تناقلته بعض الصحف - إلى اعتداء أولياء الأمور في بعض لجان البداري بالصعيد على المراقبين الذين يمنعون الغش، والأدهى ما قيل إن هناك لجانا بعينها خصصت لأبناء فئات نافذة، يجرى فيها الغش جهارًا نهارًا تحت سطوة الآباء النافذين! لقد قيل إن المباحث ألقت القبض على الشاب الذي يدير موقعًا يسرب الامتحانات، كما تم القبض على المسرب الأصلي في المطبعة السرية إلا أن لم يخبرنا عما سيتخذ لمنع تكرار المهزلة مستقبل".
وأوضح الألفي: "في تقديري إن عقابًا مشددًا لا بد أن يلاقيه المسؤول عن تسريب الامتحانات، فلا أقل من السجن المشدد لمدة لا تقل عن عشر سنوات، فهو بفعله لم يخن الأمانة فقط، وإنما أيضًا أسهم في تخريب مستقبل الوطن بتدميره قيم شبابه، ويبقى الأهم وهو ضرورة إعادة النظر في العملية التعليمية المتهالكة، التي تسببت في معظم هذه المهازل، والأخذ في الاعتبار أنها تتكون من أربعة أركان: الطالب والمدرس والمدرسة والمنهج، فأما الطالب، فالأمر الذي لا شك فيه أن طالب اليوم غير طالب الأمس، فهو ظاهريًا أوفر حظًا من سابقه، بحكم ما أتيح له من وسائل تحصيل لم يحظ بها السابقون، لكنه من حيث الاهتمام به أقل حظًا من نظيره في الماضي، فالمدارس مكتظة، والوالدان يسهلان على أنفسهما مهمة متابعته بالموافقة على الدروس الخصوصية، التي تعوده على الاعتماد على غيره وليس على نفسه".
ولفت إلى أن "المعلم فقد احترامه حين تخلى عن واجبه التربوي وخالف ضميره، ليتفرغ لتحصيل المال من الدروس الخصوصية، متعللاً بضعف الراتب وغلاء المعيشة ومتناسيًا أن هناك من أولياء الأمور من يقلون عنه راتبًا ويطحنهم الغلاء نفسه أما المدرسة فباتت مع اكتظاظ الفصول عاجزة عن القيام بدورها، وتشهد جداول الغياب اليومي على المهازل في هذا المجال، فلا أحد يراقب أو يهتم تتبقى المناهج الدراسية، فمناهجنا تكرس الحفظ والحشو والتلقين لدى الطالب، أكثر من سعيها إلى إيقاظ عقله، وتنشيطه وتدريبه على المناقشة والاستنباط والتحليل، في تفكير منظم يعلي قيمة العقل، ويغرس في الطالب كيفية البحث العلمي والمناقشة الموضوعية والتحليل المنطقي، فضلاً عن إهمالها الكامل للنشاطات اللا منهجية، التي أثبتت الدراسات الحديثة أنها تعين الطالب على استيعاب ما يدرسه، وترشده إلى الطريق الذي يختاره في دراسته الجامعية، حيث تستكشف قدراته وتظهر دلائل نبوغه أو تفوقه في فرع ما من فروع المعرفة، ومناهجنا بصورتها الحالية عقيمة غير قادرة على تحقيق هدفها في تأسيس جيل متسلح بالعلم والمعرفة، جيل قادر على حمل مشعل تنمية الوطن مستقبلاً، إن تجاهل إيجاد حلول علمية لما أشرت إليه، سوف يعود بالضرر على مسيرة التنمية على المدى الطويل، عبر تخريج أجيال من الشباب نصف المتعلم، يضاف إلى ملايين من العاطلين الذين لا يجيدون سوى الجلوس إلى المقاهي، ما يدفعني لمناشدة الرئيس السيسي التدخل لإيجاد حل فاعل لهذه القضية، فهي قضية مستقبل البلاد".