حقوق المرأة فى الإسلام - الميراث (1)

كان أغلب العرب قبل بعث الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا يمنحون المرأة ميراثاً لأنها لا تركب الفرس ولا تتقلد السيف ولا تأتى بالغنيمة، وكانت الغارات فيما بين القبائل على الموارد عندما تنضب، فلما أنزل القرآن حقها فى الميراث شق عليهم ذلك وأظهروا التعجب من منح المرأة هذا الحظ من الميراث من أنها لا تشارك فى القتال، ورفض الرسول وتلا عليهم قول الله «.. آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً» (الآية 11 من سورة النساء).

ويبدو أنه منذ ذلك الحين وموضوع ميراث المرأة يشكل غصة فى حلق الكثيرين تنعكس فى آراء فقهاء يستخدمون أحكام الميراث بصورة مجتزئة ليبرهن على أفكاره بدونية وضع المرأة، أو ينعكس فى ممارسات شائعة فى العديد من الأسر فى حرمان المرأة فى الميراث. ولأن الله أدرى بالبيئة الثقافية والاجتماعية التى نزل فيها القرآن نظم الميراث فى منظومة اقتصادية متكاملة جاءت فيها أنصبة المرأة محجوزة «بالفرض» حتى لا يستولى عليها أحد، وجاءت أنصبة الرجل فى أغلبها «بالتعصيب»، أى بعد توزيع أصحاب الفروض وهم البنات والسيدات، يتم توزيع المتبقى، أى أن أنصبة النساء مقدمة على أنصبة الرجال فى التركة، بالمعنى العصرى يمكن القول إن للمرأة كوتة فى الميراث لحماية حقوقها. لذا فمنظومة الميراث لا يمكن فهمها عن طريق الاجتزاء لنقول إن ميراث الذكر ضعف ميراث الأنثى ونقف لأننا فى هذه الحالة نقرأ أحكام الميراث على طريقة «لا تقربوا الصلاة..» ونقف.

لأن ميراث الذكر ضعف ميراث الأنثى فى بعض الحالات وللأنثى ميراث ضعف الذكر فى حالات أخرى، والعديد من الحالات ميراث الذكر يتساوى مع ميراث الأنثى وهو ما لا يذكره الكثير من الفقهاء، بل يتحدث الأغلب وكأن القاعدة الوحيدة والمطلقة أن الأنثى نصف الرجل ويتوقف.

ويمكن هنا ذكر مثال على أن قضية ميراث المرأة لم يبتلعها المجتمع العربى منذ نزول القرآن حتى الآن ويغلب عليها التأثير الاجتماعى والعادات المتوارثة من قبل الإسلام وهى حالة ميراث الأم، وهى إحدى الحالات التى يتساوى فيها الذكر والأنثى، فالأب يتساوى مع الأم فى الميراث، بل إن الأب نفسه وهو الذكر قد يرث نصف الأم وهى أنثى، وهو أمر لم يبتلعه كثير من الصحابة والتابعين.

فقد اختلف الفقهاء فى باب ميراث الأم فى المسألة التى تعرف بالغراوين أو العمريتين، (وهى فيمن ترك زوجة وأبوين، أو زوجاً وأبوين).

وقال ابن عباس فى الأولى: للزوجة الربع من رأس المال، وللأم الثلث منه أيضاً، لأنها ذات فرض، وللأب ما بقى لأنه عاصب، وقال أيضاً فى الثانية: للزوج النصف، وللأم الثلث، لأنها ذات فرض مسمى، وللأب ما بقى لأنه يرث بالتعصيب، أى للأب السدس، وبه قال شريح القاضى وداود، وابن سيرين وجماعة. ورأى هذا الفريق أن الأم ذات فرض مسمى والأب عاصب، والعاصب ليس له فرض محدود مع ذى الفروض، بل يقل ويكثر.

وهذا لم يرض بعض الفقهاء كأنهم رأوا أن يكون ميراث الأم أكثر من ميراث الأب خروجاً عن الأصول، مما جعل البعض يرى أن يرث الزوج النصف بالفرض وترث الأم ثلث ما تبقى وليس ثلث التركة حتى لا يأخذ الأب نصف الأم وذلك رغم حديث الرسول عليه السلام: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فهو لأولى رجل ذكر).