الإمام المجدد: فارس الإسلام فى معارك المتشددين

كتب: سعيد حجازى وريهام عبدالحافظ

الإمام المجدد: فارس الإسلام فى معارك المتشددين

الإمام المجدد: فارس الإسلام فى معارك المتشددين

«إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» حديث رواه الإمام أبوهريرة ذكره الأئمة فى كتبهم، فعُرف مجدد الإسلام أو مجدد القرن فى الثقافة الإسلامية بأنه عالم دين يبعثه الله على رأس كل مائة سنة ليجدد للناس دينهم، عن طريق القيام بأعمال جليلة ونشر العلم الدينى بين الناس، بالإضافة إلى إحياء سنن الرسول والرد ومحاربة البدع المنتشرة بين الناس فى زمانه.

{long_qoute_1}

وقال الراحل أمين الخولى، أستاذ الدراسات القرآنية والبلاغية والنقدية، فى جامعة القاهرة وعميد كلية الآداب، فى كتابه «المجددون فى الإسلام» أن سر عالمية الإسلام تكمن فى صلاحيته لكل زمان ومكان، وأنه يحمل عناصر التجدد والتطور على أساس التطلع إلى المثالية السامية، ودعا إلى جعل الاجتهاد أساساً للحياة الإسلامية، وإلى التسامح الدينى الرحب، وإلى حرية الاعتقاد وحق الفهم الصحيح للدين على أنه إصلاح للحياة لا مجرد طقوس وأداء.

وأضاف: تحديد المجدد لكل قرن ليس بالعملية السهلة خصوصاً مع كثرة العلماء وتعددهم على مر القرون اتفقت الدراسات على أن أهم ما يميز المجدد أن تأثير عمله يتجاوز الحدود والمسافات ويفيد عامة المسلمين وطلبة العلم الذين يأتون بعده، بالإضافة إلى أنه يكون فى رأس كل قرن هجرى، وقد يكون هناك شبه إجماع على أسماء المجددين لبعض القرون واختلاف فى بعضها الآخر، وأكد الخولى فى كتابه أن التجديد ليس دعوة غربية مستوردة وإنما هو موجود فى البيئة الإسلامية منذ وقت مبكر، وأن فكرة التجديد القديمة تصلح أساساً مسلماً للإفادة منها والاعتماد عليها فى عصر اشتدت فيه الحاجة إلى الاطمئنان الدينى، وكثرت فيه صور المشادة، والمعارضة، التى يتأزم فيها التدين، ويتلَّبد جوه، وذكر الخولى، فى كتابه «المجددون فى الإسلام»، فقال: هناك نماذج إسلامية قديمة قامت بالتجديد، منها الخليفة عمر بن عبدالعزيز، والإمام الشافعى، وأبوالحسن الأشعرى، وابن سريج، والباقلانى، وغيرهم من المجددين القدامى، الذين كانوا من منارات الإسلام التجديدى، كما أكد أن فكرة التجديد لا تُلزم العقيدة الإسلامية بشىء خاص، ولا تُكلفها قليلاً أو كثيراً من الشطط، فتقرير فكرة التجديد هو قبول لأصل حيوى، لا يهون إنكاره، إذ إنه واقع لا يُجمَّد، ومشاهد لا تُطمس، وذلك هو مبدأ التطور فى الحياة، والأحياء.

وقال الشيخ صبرى عبادة، مستشار وزارة الأوقاف لـ«الوطن»: تحديد المجدد لكل قرن ليس بالعملية السهلة خصوصاً مع كثرة العلماء وتعددهم على مر القرون، لكن العلماء اتفقوا على أن أهم ما يميز المجدد أن تأثير عمله يتجاوز الحدود والمسافات ويفيد عامة المسلمين وطلبة العلم الذين يأتون بعده بالإضافة إلى أنه يكون فى رأس كل قرن هجرى». وأضاف: ليس المقصود بالحديث شخصاً بعينه بل قد يكونون مجموعة من العلماء لهم إسهام فى مجالات العلم فى قضية تجديد الخطاب الدينى، فكل مائة عام يبعث الله من يجدد لها دينها لقضايا العصر، والإسلام هو الأصل الأصيل والتمسك بالتجمد والوقوف لا يعرفه الإسلام، فهو دين التطور وليس التشدد، فمن لم يفت بعرف الناس فقد ضل وأضل، فالفتوى تكون حسب عرف الناس، بما لا يخالف أصلاً ونصاً من نصوص القرآن». {left_qoute_1}

وتعد أبرز الشخصيات الذين وصفهم البعض بأنهم مجددون «عمر بن عبدالعزيز، والحسن البصرى، والشافعى، وأحمد بن حنبل، وأبوالحسن الأشعرى، والباقلانى، وابن حزم، وأبوحامد الغزالى، وفخر الدين الرازى، والعز بن عبدالسلام، وجلال الدين السيوطى، وشمس الدين الرملى، ومحمد عبده، ومحمود شلتوت، ومحمد متولى الشعراوى، ومحمد ناصر الدين الألبانى، وأحمد ديدات».

وقال الدكتور عبدالله رشدى، الباحث الشرعى فى الأزهر الشريف، لـ«الوطن»: تجديد الدين بمعنى تيسير الخطاب الدينى للناس، فيأتى بعض الناس يشوشون على بعض القضايا الدينية، والإمام المجدد وظيفته أن يعيد الأمور لناصبها ويثبت الحق بأركانه ويزيح الباطل عن الإسلام، والإمام المجدد دائماً يكون على اطلاع بالدين، ويستطيع أن يواجه بين الواقع والدين ويصحح المفاهيم التى يحاول البعض من المتشددين أن يبثها فى الدين، فهؤلاء أخطر ما يكونون على الإسلام، فهو أيضاً يظهر الحلال والحرام».

وتابع: المجددون قدموا للحياة الدينية ظاهرة التسامح الدينى، الرحب الأفق، المُسالم، وإذا اطمأنت النفوس إلى وقوع التطور مع هذا التسامح وتلك الحرية وسلامة الفهم أمكن تحرر العقيدة الإسلامية تحريراً يحميها من عداء الواقع لها ويمكن إيمانها بالعلم المدرك لطبائع الكون، ولكن التسامح لن يتأتى إلا بمعرفة عقائد الآخرين معرفة تامة، ودراستها دراسة عميقة.

{long_qoute_2}

وتابع: الواجب على المسلم أن يؤمن بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، ويسلم بها، ولا يتردد بما جاء فيها، فذلك من مقتضيات الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ»، ويقول ابن كثير رحمه الله: إن الحديث يشمل كل فرد من آحاد العلماء من هذه الأعصار ممن يقوم بفرض الكفاية فى أداء العلم عمن أدرك من السلف إلى من يدركه من الخلف، كما جاء فى الحديث من طرق مرسلةٍ وغير مرسلة». {left_qoute_2}

وتابع: قال الحافظ ابن حجر: لا يلزم أن يكون فى رأس كل مائة سنة واحد فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر فى الطائفة (يعنى قد تكون جماعة) وهو متجه، فإنَّ اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر فى نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها فى شخص واحد، إلا أن يُدَّعى ذلك فى عمر بن عبدالعزيز، فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها، ومن ثم أَطلَقَ أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه، وأما من جاء بعده فالشافعى -وإن كان متصفاً بالصفات الجميلة- إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل، فعلى هذا كل من كان متصفاً بشىء من ذلك عند رأس المائة هو المراد، سواء تعدد أم لا «انتهى من فتح البارى» وقال رشدى: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (يجدد لها دينها) أنه كلما انحرف الكثير من الناس عن جادة الدين الذى أكمله الله لعباده وأتم عليهم نعمته ورضيه لهم ديناً، بعث إليهم علماء أو عالماً بصيراً بالإسلام، وداعيةً رشيداً، يبصر الناس بكتاب الله وسنة رسوله الثابتة، ويجنبهم البدع، ويحذرهم محدثات الأمور، ويردهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فسمى ذلك: تجديداً بالنسبة للأمة، لا بالنسبة للدين الذى شرعه الله وأكمله، فإن التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة، أما الإسلام نفسه فمحفوظ بحفظ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة له، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

 

 


مواضيع متعلقة