بنجلاديش.. ما الذى يجرى فى دكّا؟ (2-2)

تتحدث آسيا عن سيدتيْن وحزبيْن وتاريخيْن.. عن الشيخة «حسينة واجد»، الزعيمة ابنة الزعيم، وعن الشيخة «خالدة ضياء»، الزعيمة زوجة الزعيم. وتتحدث صحف آسيا عن انتقال التاريخ إلى قلب الحاضر وعودة الحاضر إلى قلب التاريخ.

فى بنجلاديش صراع بين السلطة وحركات الإسلام السياسى المتشددة.. قضايا ومحاكم، سجون ومشانق.. وبينما يبدو لمن يتصفحون الشئون الخارجية فى الصحف أن الأمر يتعلق بصدامات اللحظة الراهنة، غير أن الحقيقة هى كون الأمر يتعلق بصدامات مضى عليها أكثر من أربعين عاماً.. حين وقف المسلمون ضد المسلمين واشتدّ الجهاد ضد الجهاد.

(1)

وقف التيار الإسلامى فى بنجلاديش مع باكستان ضد بلادهم.. وسكتوا عن جرائم الجيش الباكستانى.. وهو ما أوغرَ صدر الشعب البنغالى ضدهم.

لقد عادَ التاريخ من جديد بعد أكثر من أربعين عاماً.. فقد قامت حكومة الشيخة «حسينة واجد»، ابنة الشيخ «مجيب الرحمن»، بإعادة فتح الملفات، ومحاكمة أعضاء التيار الإسلامى الذين وقفوا مع جيش باكستان ضد بنجلاديش. وجرت سلسلة محاكمات «جرائم الحرب» فى بنجلاديش، التى بموجبها تم منع الجماعة الإسلامية، التى أسسها «أبوالأعلى المودودى» فى شبه القارة الهندية عام 1941، والتى ترتبط تاريخياً بجماعة الإخوان المسلمين، من خوض الانتخابات العامة، كما جرت محاكمة قادتها الذين تورطوا فى جرائم الحرب الباكستانية.

(2)

ردّ قادة الجماعة الإسلامية باتهام النظام بالعلمانية والعداء للإسلام، وأن قادة الجماعة الإسلامية كانوا مع الوحدة وضد الانفصال، ولكنهم لم يرتكبوا جرائم حرب. لكن القضاء حكم بتورطهم فى القتال، وفى دعم الجيش الباكستانى فى مذابحه ضد شعب البنغال.

وفى عام 2014.. كانت صدمة الجماعة الإسلامية والعديد من الحركات الإسلامية حول العالم كبيرة، حين نفذت الحكومة حكم الإعدام فى الشيخ «عبدالقادر ملاّ»، الأمين العام المساعد للجماعة الإسلامية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب عام 1971.

(3)

لقد دخلت الحركات الجهادية على خط الصدام بين الجماعة الإسلامية والحكومة فى بنجلاديش. فبعد عشر سنوات من تفجيرات بنجلاديش، وقتل (23) شخصاً فى هجوم على اجتماع سياسى للشيخة «حسينة واجد» عام 2004، أعلن «أيمن الظواهرى» تأسيس فرع تنظيم القاعدة فى شبه القارة الهندية يشمل بنجلاديش.

كانت «القاعدة» موجودة فى بنجلاديش عبر حركة الجهاد الإسلامى، وخلايا الجهادى «إلياس الكشميرى»، وتنظيم ما سمى «القاعدة الجديدة» عام 2007، لكن إعلان «الظواهرى» كان الأول بهذا الوضوح بشأن تمدد «القاعدة» إلى بنجلاديش. وحين اشتدت أحداث اضطهاد المسلمين فى بورما أعلن «الظواهرى» وصول مقاتلى «القاعدة» إلى بنجلاديش من أجل دخولهم إلى بورما.

صَدَرَ بيان «الظواهرى» فى يناير 2014 بعنوان «بنجلاديش.. مذبحة من خلف جدار الصمت»، وقد رَبَطَ فيه بين مذابح المسلمين فى بورما ومذابح المسلمين فى بنجلاديش.. وأعلن توحيد الجهاد ضدّ الحكومتين.

(4)

إن نمو الحركات المتطرفة فى بنجلاديش يشكل خطراً على رابع أكبر تجمع للمسلمين فى العالم بعد إندونيسيا وباكستان والهند. ذلك أن بنجلاديش الفقيرة، التى يزيد عدد سكانها على الـ(160) مليون نسمة، ولا تتجاوز مساحتها الـ(146) مليون كيلومتر مربع.. قد تدخل فى موجة اضطرابات بلا نهاية. ومن شأن عدم الاستقرار أن يغذى الفقر، ومن شأن الفقر أن يغذى بدوره عدم الاستقرار.. تلك الدائرة السوداء بين انهيار الأمن وانهيار الاقتصاد.

(5)

لقد بَدَا وجهُ البنغال المسلم متسامحاً ومعتدلاً على مدى عقود، ومنذ حرب الجهاد ضد الجهاد (بنجلاديش ضد باكستان) وشعب البنغال يحاول المضىّ قدماً للأمام بمعدل نمو استمر لعدة سنوات عند خمسة بالمائة. وكان صعود نجم اقتصادى بنغالى عالمى مثل «محمد يونس»، مؤسس بنك «جرامين» ورائد تجربة التمويل المصرفى للفقراء، الذى حاز جائزة نوبل عام 2006، متوازياً مع صعود بطىء لدولة مسلمة، ظلت منذ تأسيسها تحاول اقتلاع نفسها من بين الدول الأكثر فقراً فى العالم.

(6)

إنّه الصراع بين الإسلام الحضارى والإسلام السياسى.. أولئك الذين يريدون رفع شأن عشرات الملايين من المسلمين البائسين ليحظوا بالاحترام والكرامة.. وأولئك الذين يريدون رفع شأن عشرات الأشخاص من المسلمين المتطرفين ليحظوا بالسطوة والسلطة.. إنه الصراع بين القوة الناعمة والقوة الشاردة.. أو هو الصراع بين «محمد يونس» و«أيمن الظواهرى».

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.