روايات تجاريّة.. روايات أدبيّة.. وروايات من نوع ثالث؟

رضوى أشرف

رضوى أشرف

كاتب صحفي

في عالم الروايات، في البدء كانت القصة. كانت هي المحور الرئيسي، لم يبال أحد إن كانت تلك القصة ستحقق مبيعات عالية أم لا- لم يكن ذلك الفيصل في يوم من الأيام- ولم يهتم أحدهم بتصنيفها كعمل أدبي أو تجاري. حتى جاء اليوم الذي أصبحت فيه الكتب تجارة، وصار من الواجب وضع بعضها على أرفف الأكثر مبيعًا، لتحقق مبيعات أكثر، ووضع البعض في أرفف تحمل تلك العناوين الأكثر تعقيدًا لنقنع الآخرين بأن هذه كتب جيّدة كذلك، ولكنها ليست بشهرة تلك الكتب على الأرفف "التجاريّة".

لم أتفق يومًا مع تلك التصنيفات رغم استخدامها يوميًا من قبل القراء باختلافهم، المكتبات باختلافها، ودور النشر حتى في ترويجها لأعمالها.

مؤخرًا أصبح الخط الفاصل بين التعريفين مشوشًا، ما بين أعمال "أدبيّة" تحقق مبيعات عالية، وروايات "تجاريّة" لا تحقق المبيعات التي سعت لتحقيقها في الأساس.

منذ فترة استمعت لأحد برامج الراديو الأمريكية حيث يتناقش المذيعان في تلك الفكرة بالذات. توصلا إلى نتيجة أجدني أتفق معها جدًا، فالروايات التجاريّة هي التي تعتمد بشكل كبير على "الحدث" نفسه على حساب "التطور والصراع النفسي للشخصيّة"، بينما في الروايات الأدبية، يكون الصراع النفسي للبطل هو المحور الأساسي، وبالطبع تكون مصحوبة بقدر كبير من التعقيد في الكتاب.

الروايات التجاريّة هي تلك المُفعمة بالأحداث، بينما الأدبيّة تخاطب المشاعر. وبالطبع مؤخرًا صرنا نجد أعمالًا تجمع ما بين التعريفين، كونها تجاريّة- فتحقق مبيعات هائلة- ولكنها تُصنف كأعمال أدبّية سواء لأسلوب الكتابة، أو شهرة الكاتب، أو الفكرة نفسها التي تدور حولها.

ولكن أيكفي هذا لوضع الخط الفاصل بين نوع الروايات؟ بالطبع لا. إن حاولنا تطبيقه على الروايات العربيّة فحسب (دون إدخال نفسي في دوامة الأعمال الإنجليزية والمترجمة وغيرها) سنجد أنه من شبه المستحيل وضع خط فاصل وحتمي. الكثير من الروايات التجارية تعتمد في الأساس على التلاعب بالمشاعر، بينما تهتم الكثير من الروايات الأدبية بحدث معين، يكون هو القوة المُحركة للرواية وتصوغ حوله عالم كامل. بالطبع بعض العوامل مثل الأسلوب نجدها أسهل في تحديد أيهم يندرج تحت أي قسم، فالروايات الأدبيّة أسلوبها أكثر تعقيدًا عنه في الروايات التجاريّة، فالروايات الأكثر مبيعًا كثيرًا ما نجدها بجمل أسهل، أكثر وضوحًا، بشكل يجعلني أظن أنها تستهدف قارئًا مختلفًا تمامًا.

نعود مجددًا لمحاولة إيجاد خط فاصل بين العالمين في الأدب العربي ونلقي نظرة على قوائم الأكثر مبيعًا بأشهر المكتبات، الروايات منها، هل سنواجه صعوبة في تصنيف الروايات ما بين أدبيّة وتجاريّة؟ ليس كثيرًا. احتلها الروايات التجارية؟ نعم! أهذا غريبًا؟ بالطبع لا! ولكن الغريب هو أنه بينما يوجد تعريف واضح وصريح للروايات التجاريّة في مكتباتنا، فإنّ الأعمال الأدبيّة لا تكاد تُرى بين عشرات الأعمال الحديثة، وتصبح رفوف المكتبات منقسمة ما بين الروايات التجاريّة الأكثر مبيعًا، والروايات التجاريّة الأقل مبيعًا، ويتم هجر الأعمال الأدبية، عدا هؤلاء الأشخاص المعدودون ممن يحاولون البحث عن تلك الأعمال بعينها.

في عالم الإصدارات الإنجليزية، يعد ملك الرعب ستيفن كينج أحد الكتاب "التجاريين" بينما تُصنف أعمال جون شتاينبك أو فلاديمير نابوكوف كأعمال "أدبيّة". لا أعرف إن ساهم هذا في توضيح الفكرة أو زادها تعقيدًا، نيكولاس سباركس برواياته الرومانسية من أصحاب الأعمال التجاريّة الأكثر مبيعًا، بينما دونا تارت، التي فازت منذ فترة بجائزة البوكر البريطانية، تعد أعمالها أدبيّة، وإن كانت تحتل قائمة الأكثر مبيعًا كذلك.

ربما قد تساهم بعض الأمثلة المصريّة في توضيح الفكرة، "هيبتا" هي أحد أنسب الأمثلة للروايات التجاريّة التي تستهدف قارئ معين بأسلوبها الواضح والسهل والذي حقق مبيعات مذهلة، بينما تعد أعمال كاتب مثل أمين معلوف هي أعمال أدبيّة لاختلاف أسلوب الكتابة بشكل جذري، واختلاف طريقة تناولها كذلك. أيعني هذا أن هناك نوع من الروايات أفضل من الآخر؟ لا، لا يمكننا قول هذا، ولكن هل يوجد خط فاصل بين الروايات التجاريّة والأدبيّة؟ ليس حقًا. فهناك روايات تجارية، وروايات أدبية، وأخرى من نوع ثالث لا يمكنني تعريفه فعلاً.

في النهاية، ربما لن نستطيع حقًا رسم ذلك الخط الفاصل بين الروايات التجاريّة والأدبيّة، ربما قد تفاجئني قوائم الأكثر مبيعًا في أحد الأيام وأجد وسطها روايات أدبيّة، وربما تتغير وجهة نظري هذه في يوم من الأيام، وأجدني أرحب بتصنيفات أكثر تنوعًا لتشمل عالم الأدب الآخذ في النمو والتزايد عام تلو الآخر.

 

لمتابعة الكاتبة رضوى أشرف على Goodreads اضغط هنا