مؤتمر القمة الاقتصادية العربية بالرياض
انعقد مؤتمر القمة الاقتصادية الثالث بالعاصمة السعودية الرياض، فى المدة من 21 إلى 22 يناير 2013. يأتى هذا المؤتمر وسط أجواء سيئة سياسية واقتصادية وأمنية، تحيط بالعالم العربى والإسلامى، منها ما هو مستمر مثل الوضع الشاذ فى سوريا، ومنها ما هو جديد وطارئ مثل الوضع فى مالى، والذى امتدت شرارته الملتهبة إلى الجزائر وموريتانيا. ومن العجيب أن تفتح الجزائر أجواءها الجوية أمام هذا العدوان الفرنسى وكأننا لا نتعلم الدروس أبداً.
هذا فضلاً عن التحدّيات الاقتصادية النمطية الحادة التى تواجه التنمية فى العالم العربى والإسلامى ومنها الفقر والبطالة وسوء توزيع الثروات وضعف التنمية الحقيقية وضعف الإنتاج وانفتاح الأسواق المحلية أمام الهيمنة الغربية، وفق اتفاقيات مثل «الجات» أو دون اتفاقات.
وفى حالة استمرار ذلك العدوان الغربى على بعض أهل مالى بتهمة محاربة الإرهاب والتطرُّف، فستزداد الأمور تعقيداً، وقد تمتد شرارة ذلك العدوان إلى بلدان أخرى مجاورة، وهو ما حدث فى أفغانستان من قبل أيام الجهاد، ومساندة الغرب للأفغان كراهية فى السوفييت والشيوعية، ثم التدخُّل الغربى فى أفغانستان باسم محاربة الإرهاب والتطرُّف و«القاعدة»، وهى -تقريباً- نفس التهم التى تُكال حالياً إلى فريق من الإسلاميين فى مالى يجلب سلوكه أيضاً المزيد من التحديات.
دائماً ما تكون جداول الاجتماعات والأجندات والموضوعات المطروحة ممتازة للغاية، مثل الطعام والاستقبال والتوديع والحرص على راحة الحضور وأمنهم بصفة خاصة، وتشمل أجندة الموضوعات المطروحة على المؤتمر حالياً مكافحة معدلات الفقر والبطالة، وزيادة التنمية والاستثمار فى ميادين الصحة والإسكان وحقوق العمل دون العمال، ودفع معدلات التجارة البينية بين الدول العربية، واستثمار أوسع لرؤوس الأموال فى العالم العربى وفقاً للقوانين واللوائح المنظمة للاستثمار، هذا فضلاً عن مشروعات الربط البرى بين الدول الأعضاء بالسكك الحديدية، وكذلك استخدام الطاقة المتجدّدة.
كان جدول الأعمال غنياً كالعادة. ودون أدنى شك هناك إيجابيات لهذا الاجتماع. وستحقق القمة بعض الآمال والأمنيات بشأن قضية فلسطين على سبيل المثال، من قبيل تمويل شبكة الأمان العربية للسلطة الفلسطينية بمبلغ 100 مليون دولار شهرياً. وتبقى التحدّيات الكبيرة رغم اجتماعات القمم الكثيرة. ومن تلك التحديات كيفية الهروب من الضغط والهيمنة الاقتصادية الغربية، خصوصاً أن اجتماع القمة هذا لم يتطرق إلى هذه الهيمنة ولا إلى القواعد العسكرية الأمريكية التى قد تحوُل دون القضاء على تلك التحديات المطروحة على القمة، فالاستقلال التام أساس كل تحرُّر وتنمية اقتصادية. وكم كنا نتظاهر ونهتف فى وجه الاحتلال: الاستقلال التام أو الموت الزؤام.
هناك قمم عربية كثيرة عُقدت من قبل، وكانت جداول أعمال الاجتماعات ثرية جداً، ولكن النتائج العملية كانت دائماً ضعيفة، خصوصاً طوال العقود الثلاثة الماضية.
نحن نحتاج إلى قمم وزعامات بشرية ولو قليلة تعرف ترتيب الأولويات ومعنى الاستقلال الحقيقى، وتحترم شعوبها وتستفيد من الإمكانات والنعم التى أنعم بها الله تعالى علينا.
نحن بحاجة إلى زعيم مثل البرازيلى، لولا دا سيلفا، الذى وضع البرازيل، خلال عشر سنوات فقط، ضمن الدول الأكثر تنمية وصعوداً اقتصادياً فى العالم، بعد أن كانت على وشك الإفلاس فى نهاية القرن العشرين. هذا نموذج معاصِر ولكنه للأسف الشديد من خارج إطار العالم العربى والإسلامى.