سر شويبس

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

يوم بالغ الحزن، أشعر كل المصريين بأن هناك من لا يريدنا أن نعيش شعور الراحة والفرحة بالإنجاز، يوم راحت فيه أرواح ضحايا أبرياء لا نعرف حتى الآن، وأعتقد أننا لن نعرف، السبب الحقيقى وراء تلك الكارثة الإنسانية لسنوات طويلة.

بعد ساعات قليلة من اختفاء طائرة «مصر للطيران» فى مدخل الحدود الجوية المصرية فوق البحر المتوسط، انطلقت تصريحات رسمية واضحة تؤكد أن صور الأقمار الاصطناعية لم تثبت حدوث انفجار بالطائرة، وأعلن مدير المباحث الفيدرالية الأمريكية أنه لم تتوافر لديهم أى معلومات عن تعرُّض الطائرة لعملية إرهابية وأنهم يعملون مع شركائهم للوصول إلى صورة أفضل لأسباب ما جرى، فضلاً عن تعدد الأحاديث حول كوارث عديدة يمكن أن تلحق بالطائرات غير الفعل الإرهابى وتظل فى إطار الأسرار، بالإضافة إلى التصريح الرسمى لوزير الدفاع اليونانى بأن الطائرة اهتزت والتفّت على نفسها مرتين بدرجات سرعة متفاوتة وتهاوت 17 ألف قدم قبل أن تختفى من على شاشة الرادار.

هذه التصريحات الرسمية، خصوصاً الصادرة من «المعلم» الأمريكى تؤشر إلى اتجاهات لتهيئة الرأى العام إلى أن الطائرة المغادرة لمطار شارل ديجول لم يصبها فعل إرهابى، وأن السلطات الفرنسية لا صلة لها بالموضوع وأنه لا مؤشرات على ثغرات أمنية ساعدت عل تسلل إرهابيين للطائرة أثناء تجهيزها على الأرض المصرية.

إذن نحن أمام توجه يسير ناحية تبنى فرضية من فرضيتين إما عطل فنى أصاب أجهزة الطائرة وتسبب فى سقوطها بعد فشل قائدها فى السيطرة على الموقف أو التعامل مع هذا العطل، أو أن قائد الطائرة «توكل على الله» وذهب بالطائرة إلى أعماق البحار رغم التصريح اليونانى الرسمى بأنه كان فى حالة معنوية مرتفعة، لكن بالتأكيد هناك محللون نفسيون قادرون على إرجاع هذه الحالة المرتفعة إلى السعادة بتحقيق النفس لما تريده وليس لحالة متوازنة تمنع صاحبها من «التوكل على الله».

المثير أن كل هذه التصريحات الرسمية، وهى الأبرز، جاءت وسط ركام من المتواترات والمعلومات المتضاربة سواء مجهولة المصادر أو المعلومة، ووضعت المتابعين للأحداث أو المسئولين فى حالة إرباك ظنى أنها مقصودة.

والشاهد أن التصريحات المؤشرة إلى أسباب لا صلة لها بالإرهاب تمت قبل حتى العثور على الطائرة وحطامها، وقبل بلوغ أى خطوات تعطى قرينة وليس دليلاً عما حدث، وهو اندفاع غير مبرر واستباق للأحداث بصورة مريبة غير مفهومة لمن يتعامل مع الأمور بطبيعية وعقلانية وتوازن.

هل نحن أمام محاولات لتبرئة كل الأطراف وإدانة مصر وشركتها الوطنية للطيران؟ أو كما قالت «الجزيرة»: «سقطت الطائرة أم أسقطت.. المؤكد أن قطاع الطيران المصرى ضُرب فى مصداقية أدائه».. أو كما قالت «التليجراف» البريطانية أن اختفاء الطائرة ضربة جديدة لصناعة السياحة فى مصر؟

ولعل كل ما سبق أشعر الإدارة الفرنسية براحة نوعاً ما من إزالة عبء المسئولية عنهم، فخرج وزير الخارجية الفرنسى ليعلن أنه لا دليل على انفجار وعمل إرهابى غير أنه علينا التأنى.

من الأفضل عدم التعجل والحكم على المجتمع الدولى. إنما من الأفضل أيضاً التعامل بحذر بالغ مع التحضيرات البادية لمسرح الأحداث، فليس من مصلحتنا الدخول فى أزمة مع فرنسا كما حدث مع إيطاليا وروسيا، وليس مطلوباً أيضاً الصمت على حقوقنا فى مواجهة ازدواجية المعايير الدولية.

أخشى أننا سنعيش طويلاً بحثاً عن «سر شويبس» أو سر اختفاء الطائرة.. رحم الله الضحايا المدنيين الأبرياء، وثقتى أننا سنوجه الرد المناسب فى التوقيت المناسب.