انهيار صناعة «العسل الأسود» فى نجع حمادى بعد توقف 1600 عصارة قصب عن العمل.. والحكومة غائبة

كتب: رجب آدم

انهيار صناعة «العسل الأسود» فى نجع حمادى بعد توقف 1600 عصارة قصب عن العمل.. والحكومة غائبة

انهيار صناعة «العسل الأسود» فى نجع حمادى بعد توقف 1600 عصارة قصب عن العمل.. والحكومة غائبة

بعد مرور 47 عاماً على دخول ماكينة «السولار» مجال تصنيع العسل الأسود بنجع حمادى، كبديل لـ«عصارات المواشى»، لم يطرأ أى تطوير على الصناعة التى يهددها شبح الزوال، بسبب غياب الدعم الحكومى سواء على مستوى إدخال آلات حديثة، أو تسويق المنتج الذى تتعطش إليه الأسواق الخارجية، لتكون النتيجة إغلاق قرابة 1600 عصارة، وبقاء 300 فقط، من إجمالى 1900 فى مدن نجع حمادى، وفرشوط، وأبوتشت، أشهر مدن صناعة العسل الأسود فى مصر. {left_qoute_1}

تمر صناعة العسل الأسود بعدة مراحل، تبدأ بشراء القصب من المزارع، ثم تخزينه بعيداً عن الشمس حتى لا تمتص مياهه، ثم يرفعه العمال إلى آلة العصير، التى يخرج منها العصير الخام، ثم يتم تمريره فى قنوات لتصفيته من الشوائب ليدخل فى عملية الغليان تحت درجات حرارة مرتفعة لمدة 5 ساعات حتى تطفو المخلفات الصغيرة، ثم يتم ترسيبه عبر خراطيم إلى أحواض العسل فى المرحلة قبل النهائية لتتم تعبئته أخيراً فى صفائح.

{long_qoute_1}

عبدالصبور عبدالعاطى الخطيب، صاحب أقدم عصارة فى قرية أولاد نجم فى نجع حمادى، يعود تاريخها إلى عام 1959، قال: «كانت العصارة تدار بآلة بسيطة من خلال الماشية، وبعد 10 سنوات، أى فى عام 1969، تطورت إلى أن أصبحت تعمل بالسولار، ومنذ ذلك التوقيت لم يطرأ أى تطوير».

وأضاف: «هناك العديد من المشاكل التى تواجه الصناعة التى اشتهر بها مركز نجع حمادى، من بينها ارتفاع أجور العمال، وأسعار القصب الذى يقابله انخفاض فى سعر المنتج، حيث يصل سعر القنطار الذى يباع للتجار إلى 240 جنيهاً، فى حين يبيعونه بـ400 جنيه للمواطنين وصغار التجار فى المحافظات».

وأوضح أن أسباب تدهور هذه الصناعة هى «غياب الدعم الحكومى لأصحاب العصارات من مدهم بآلات حديثة حتى يدخلوا فى مجال المنافسة العالمية، ويكون المنتج قابلاً للتصدير إلى الخارج، مثلما حدث فى عام 2001 وساهم أصحاب العصارات فى جلب عملة صعبة بملايين الدولارات»، مشيراً إلى أن الدولة تدعم السولار، وتسهَّل استخراج التراخيص، ولكنها تفرض ضرائب باهظة عليهم.

وأوضح: «ينتج طن القصب قنطارين من العسل الأسود، يصل سعره فى بداية العام إلى 240 جنيهاً، وفى منتصف الموسم يتم بيعه بسعر 180 جنيهاً»، لافتاً إلى أن «موسم العسل الأسود يبدأ من شهر يناير حتى نهاية أبريل من كل عام، بالتزامن مع انتهاء موسم حصاد القصب فى محافظة قنا».

وقال سيد بهلول، صاحب عصارة فى قرية المصالحة بنجع حمادى: «إن عصارات القصب ما زالت عبارة عن مبانٍ من الطوب اللبن، وأسقف من الجريد وجذوع النخيل، وتحتاج إلى تطوير».

وأكد الحاج محمود عبداللاه، أحد تجار العسل فى مركز فرشوط، أن «صناعة العسل لم يطرأ عليها أى تطوير، بسبب غياب دور الدولة عن تقديم الدعم الفنى لها خاصة فى محافظتى قنا والمنيا»، مشيراً إلى أن محافظة قنا تنتج 20 ألف طن سنوياً، وأن هناك مصانع فى الوجه البحرى تقوم بشراء العسل الأسود من المنيا وقنا، وتقوم بإعادة تطويره وتنقيته لدرجات أعلى وتعبئته بأوزان مختلفة لبيعه للمحلات الكبرى بما يدر أرباحاً أكثر، بل يتم تصدير كميات قليلة منه إلى الدول الغربية ومنها أمريكا، مشدداً على أنه يجب على الدولة إقامة مصانع تنقية العسل الأسود حتى ينافس الأنواع الأخرى فى الأسواق العالمية.

من جهته، قال نائب رئيس البنك الأهلى المصرى فرع نجع حمادى، عمر توفيق، الحاصل على الماجستير فى إدارة الأعمال، إنه أجرى دراسة حول صناعة العسل الأسود، ومنتجات القصب، مؤكداً أن هذه الصناعة تمثل كنز مصر الغائب أو المهدر، فهناك 1900 عصارة عسل أسود معظمها أغلق تماماً لعدم وجود تطوير حتى وصل عددها إلى 300 عصارة فقط، بسبب ارتفاع أسعار القصب، وارتفاع أجور العمال، وانخفاض سعر المنتج، ما يهدد الصناعة بالزوال، والاندثار.

وأشار إلى أنه أعد أول دراسة بحثية لتطوير منتجات القصب بشكل عام، وصناعة العسل الأسود بشكل خاص، لافتاً إلى أن الدراسة تهدف إلى «إنشاء شركة مساهمة لخدمة مزارعى القصب وأصحاب عصارات العسل الأسود بقنا، بتقديم الدعم الفنى لهم، واستغلال منتجات القصب التى يستخرج منها 27 صناعة من بينها الكحول ومواد تدخل فى صناعة العطور، والخل، كما نستفيد من مخلفات القصب فى صناعة الخشب الحبيبى، وصناعة الأعلاف بإضافة مواد أخرى».

وأوضح أن «أهم المشاكل التى تواجه المزارعين هى ارتفاع أجور الأيدى العاملة وندرتها، وعدم إدخال الميكنة الحديثة فى الزراعة والحصاد حتى الآن، وانخفاض سعر المنتج، حيث يبلغ سعر الكيلو 4 جنيهات من العصارات، فى حين يصل إلى أكثر من 10 دولارات عند تصديره».

وأضاف: «إنتاج العسل فى الصعيد غير مطابق للمواصفات القياسية وبالتالى غير قابل للتصدير مباشرة قبل إجراء معالجة أخرى عليه، بسبب الطريقة البدائية فى الإنتاج والتى لم تشهد أى تطوير منذ ستينات القرن الماضى، حيث إن هناك فاقداً فى محصول قصب السكر يصل إلى 50%، بسبب الاعتماد على آلات العصر البدائية، واستخدام المصاصة فى عملية الغلى، بالإضافة إلى إهدار منتج مهم أثناء إنتاج العسل وهو المولاس فى صورة شوائب يتم التخلص منها، والذى يدخل فى صناعة أكثر من 17 منتجاً آخر مثل العطور، الخل، الاسبرتو، الخميرة وغيرها».

وأشار إلى أن الدراسة أوصت بعدة حلول لحل هذه المشكلات، منها «إنشاء شركة مساهمة مصرية تطرح أسهمها للاكتتاب العام وتساهم فيها البنوك ورجال الأعمال، والمواطنين، والجهات الحكومية ويكون مقرها المنطقة الصناعية بصحراء منطقة (هِو) فى نجع حمادى وتكون مهمتها استيراد المعدات الحديثة اللازمة لمحصول القصب، أو تصنيعها محلياً، وبيع وتأجير هذه المعدات لأصحاب العصّارات، وتطوير عصّارات العسل الأسود بإدخال نموذج مطور لعصّارات تم تصنيعها محلياً بالتعاون مع وزارة الصناعة، والهيئة العامة للتنمية الصناعية، تعمل بالطاقة الشمسية والغاز الطبيعى».

وأكد أن تنفيذ مشروع ومقترحات الدراسة سيؤدى إلى توفير آلاف فرص العمل الثابتة لأبناء المنطقة، واستصلاح الأراضى الصحراوية المحيطة وزراعتها بمحصول القصب بالطرق الحديثة فى الرى بالاعتماد على الآبار الجوفية المكتشفة حديثاً فى الصحراء المصرية، والتعاون مع الشركات التى تعمل فى هذا المجال مثل شركة الأهلى للتنمية الزراعية التى أقامها البنك الأهلى المصرى فى السودان لزراعة الأراضى السودانية.

وأشار إلى أنه قدم الدراسة لعدة هيئات حكومية لمناقشتها وبحث آليات تنفيذها، ومخاطبة هذه الجهات بالتعاون والتنسيق مع المزارعين، ولكن لم يستجب لنا أحد، مشيراً إلى أنهم فى طريقهم لإقامة مصنع ضخم يوفر 10 آلاف فرصة عمل دائمة فى نجع حمادى ومحافظة قنا، ولكن الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية.

 

إحدى عصارات نجع حمادى تعمل بآلات قديمة


مواضيع متعلقة