موسم الآثار الجانبية!

فى كتاب «مغنى المحتاج إلى معرفة معانى ألفاظ المنهاج» لشمس الدين الشافعى عبارة تقول إن جمهور الفقهاء استلزم وجوب أن يكون القاضى قوياً من غير عنف، ليناً من غير ضعف، لا يطمع القوى فى باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، ذا فطنة وتيقظ، عفيفاً وورعاً، بصيراً بعيداً عن الطمع.

فيما تقرؤه اليوم من أخبار تنقل لك الدائر داخل قاعات المحاكم وتحديداً فى الحالات الخاصة بقضايا الشباب والتظاهر يحتاج منك إلى تأمل وتدبر للمعنى الذى كتبه شمس الدين الشافعى، وقتها فقط ربما تصل إلى جوهر الغضب المتراكم من هذه القضايا وطريقة التعامل معها سياسياً وإعلامياً وقضائياً، ستعرف أن قطاعاً عريضاً يعانى لتحديد مقدار ثقته فى منظومة العدالة، ستعرف أن عدداً كبيراً من القضايا يتم التعامل معها بمنطق القوة العنيفة الخالية من اللين ودراسة اعتبارات الوضع السياسى والاجتماعى لهذا الوطن.

شمس الدين الشافعى يقول للقاضى إنه لا بد أنه يكون قوياً من غير عنف، ولو طبقت هذا الأمر على القاضى أو الضابط الذى تعامل مع قضية نقابة الصحفيين الأخيرة والخاصة بعمرو بدر والسقا لأدركت أن شمس الدين الشافعى كان يريد من خلف هذه القوة غير المخلوطة بالعنف تفادى أزمات كبرى بتعامل أشد ذكاءً مما حدث، لأن سلطة القضاء والشرطة وتقييمها، جزء منها يعتمد على قراءة الضابط أو القاضى للظرف السياسى والاجتماعى القائم ومدى تحمله إلى هزة جديدة أو ارتباك جديد، أحياناً قد تؤجل خطوات أو تختار طرقاً أهدأ فى التعامل مع بعض القضايا حتى تفوت الفرصة على المتربصين بك حتى لا ينالوا منك.

مثلاً صاحب قرار اقتحام نقابة الصحفيين يتعلل بأن معه أمر ضبط وإحضار، وأنه سليم على المستوى القانونى، ولكنه تناسى أهم جزء من المعادلة، طبيعة الوضع السياسى والاجتماعى والتقبل النفسى لفكر اقتحام النقابة، ماذا لو أنه أرسل مذكرة الضبط والإحضار إلى نقيب الصحفيين، وصبر يوماً أو اثنين أو ثلاثة؟ ألم يكن هو وقتها صاحب الموقف القوى والنقابة هى المضطرة للشرح والتفسير.

فى الأزمات الأخيرة الأمنية والخاصة بجلسات بعض القضايا الخاصة بمحاكمة الشباب المتهمين فى قضايا تخص قانون التظاهر، شهدنا وسمعنا ما لم نسمع به من قبل داخل قاعات المحاكم، وما لم نتوقعه من تحريض داخل مجلس النواب ومن بعض القيادات الشرطية شهدنا سجالات لم تكن معهودة بين بعض المنصات والمتهمين، ومنصات تتهم الماثل أمامها طلباً للعدالة بأنهم ممثلون، وفتحنا صفحات الجرائد وقرأنا حوارات لقضاة يشتبكون فيها مع الواقع السياسى، وطالعنا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى واندهشنا بقضاة وضباط ونواب حددوا لأنفسهم موقعاً ضمن جهة سياسية معينة، وعقدنا مقارنات بين ما تقوله كتب إدارة الأزمات وبين ما تفعله الحكومة فى كل أزمة، لنكتشف أن البعد الأكثر غياباً عن الحكومة وعن منصة القضاء وعن الشرطة وهم يتعاملون فى أى قضية هو البعد الخاص بعدم دراسة الآثار الجانبية المترتبة على أى قرار يتم اتخاذه، هم لا يؤمنون بأن الوقاية خير من العلاج.