وما أدراك ما الستينات؟!

فتح الرئيس صدره وأزاح الحرس جانباً فى ميدان التحرير، قبل أن يبدأ حملة التلقيح على الزعيم جمال عبدالناصر بـ«الستينات وما أدراك ما الستينات؟!»، جاءت الفرصة أخيرا للجماعة التى حاولت فرض مشروعها مبكرا على مصر، متسلحة بالشريعة والدين والإسلام والضحك على البسطاء فى خمسينات وستينات القرن الماضى، ليبدأ التنفيذ مع انتهاء أول «عشرات» القرن الجديد، الفارق بين «الستينات» التى تحدث عنها الرئيس و«العشرات» التى حكموا مصر بعدها يشبه الشخوص القائمين عليها، فى الأولى أنتج نجيب محفوظ أهم أعماله، وظهر عبدالحليم حافظ وتحرك شرقا وغربا، وظهرت مئات الأسماء فى الأدب والفكر والفنون والعلم.. أما الثانية فقد ظهر فيها عبدالله بدر «كم واحد اعتلاكِ باسم الفن؟» ومحمود شعبان «هاتولى راجل» ومئات من صفوت حجازى وآلاف ممن خرجوا يحاصرون مدينة الإنتاج الإعلامى والمحكمة الدستورية. المقارنة بين «ستينات» عبدالناصر وما بعد «عشرات» مرسى لن تكون فى صالح الأخير مهما تهكم عليها، ومهما حاولت جماعته الهجوم عليها والانتقاص من قامتها وقيمتها، فى الأولى أنت أمام زعيم صوته من دماغه، تحرك يمينا ويسارا ليكون منظمة تقف فى وجه القوتين العظميين، لتظهر منظمة عدم الانحياز -ألم تكن نكتة أن يهاجم مرسى الستينات وتلوك جماعته صاحبها ثم يجلس فى قمة أسسها عبدالناصر مزهوا بنفسه- لتكون مصر قبلة لكل الأحرار ومصلى للباحثين عن حرية أوطانهم ومكانا تلجأ إليه الدول الكبرى لطرح تصوراتها وأخذ وجهة نظرها فى القضايا المختلفة، أما الثانية فلا تحتاج الصورة إلى تعليق أو شرح، أنت هنا أمام حالة من عدم الاتزان، تتحرك فيها حسب مؤشر قطر، التى تحدد لك خط سيرك، وترسل أهم مسئوليك إلى الإمارات للتفاوض، وتنتظر أى إشارة رضا من السعودية، أنت فى موضع لا ترضاه باكستان لمواطنيها.. شوفت النكتة؟ دول العالم الثالث التى كانت تنظر إليك وكلها أمل فى أن يصبح لديها قائد مثل قائدك، يأتى عليها زمن تطمئن فيه قادتها شعوبها بأنهم لن يكونوا مثل مصر. لم يحاول أحد فى الجماعة التفكير فى معنى ودلالة رفع صور جمال عبدالناصر الآن، بسبب كراهيتهم له، ما من مظاهرة تخرج الآن إلا وصورة عبدالناصر مرفوعة، وشعاراته وكلماته المقتطعة من الخطاب على اللافتات، لم يفكر الإخوان أن صور عبدالناصر كانت حاضرة بقوة فى الفترة من 2005 التى شهدت بدايات مشروع التوريث، وقيام 25 يناير، ولم يحاول أحدهم التفكير فى سر عودتها الآن، لكنهم يفكرون فى الهجوم على الستينات ومقارنة رجل وضعته الجماهير زعيما لأنها صدقته، وآخر اختارته الصناديق رئيسا رفضا لبديل أسوأ. المقارنة مستحيلة بين رجل كان العالم يضبط مواعيده على خطاباته، ما بين مؤيد لها ورافض، وبين رئيس يتحدث تارة بالشفرة عن الـ5، 6، 7، 3، 4، وتارة يكرر تحياته للطوائف والمهن والنحل المختلفة من الأهل والعشيرة والتابعين، دون أن ينسى الاستطراد الممل والارتجال الذى فقد بريقه «بعد تالت جملة»، أنت هنا تظلم مرسى إذا قارنته برجل مثل عبدالناصر، فلتقارنه بمبارك فى أى شىء، من الحكم إلى السياسة الخارجية والاقتصاد، وسينتصر بالتأكيد، لكن مقارنته بزعيم حقيقى ستضعه فى مأزق، هنا نوجه نصيحة لوجه الله لمن يكتب خطابات الرئيس مرسى: «لا تقترب من الستينات حتى لا تكتوى بنارها».