حق الشهيد!

يحتاج الأمر فى كثير من الأحيان أن تغرد خارج السرب.. أن تتذكر ما ينساه الآخرون.. أو ما يتناسونه.. فيصبح الحديث جرس إنذار بين أمواج الضوضاء التى نعيش فيها.. ليفيق البعض من تلك الغيبوبة التى قاربت على التهام الوعى القومى للوطن كله!

متى قصصت لأولادك عن سيناء؟.. متى جلست معهم تحكى قصص البطولة فى حرب أكتوبر وما حدث فيها؟

متى كانت آخر مرة سمعت عما يحدث فى سيناء الآن؟.. هل قرأت مؤخراً لمن يتحدث عنها؟

متى تحدثت مع صديق لك فى جلسة بأحد المقاهى عن الوضع الأمنى هناك الآن؟.. ومتى تذكرت هؤلاء الشهداء الذين يسقطون كل يوم.. ولا يشعر بهم أحد؟!

لو حاولت -عزيزى القارئ- أن تسأل نفسك هذه الأسئلة.. ربما ستجد فى إجاباتها ما يجعلك تتوارى خجلاً.. فالإجابة ستجدها أننا قد انشغلنا بالكثير من التفاهات عن هؤلاء الأبطال.. الذين يرسمون فى كل يوم ملامح جديدة لتاريخ هذه الأرض!

لقد أصبح خبر سقوط شهيد أو اثنين من أبنائنا على أرض سيناء الطاهرة أمراً مألوفاً.. ربما لا يلفت انتباهك كثيراً.. أو يجعلك تستشيط غضباً على دمائك المصرية التى سالت من عروقهم..! والواقع أننى قبلكم أخجل من نفسى لهذا الوضع الذى وصلنا إليه..

لا شك أن أبناءنا يخوضون حرباً حقيقية هناك.. بكل ما تحمله الكلمة من قسوة.. وبكل ما نتكلفه بهذه الكلمة من دماء.. فلا يمر يوم وآخر إلا ونجد انفجاراً فى مكان ما.. أو اشتباكاً فى مكان آخر.. وينتهى الأمر أن روحاً طاهرة قد صعدت إلى السماء.. روحاً قدمت نفسها فداءً للأرض ولنا جميعاً..!

المشكلة أنه على الرغم من أن الوضع ما زال مشتعلاً هناك حتى الآن.. وعلى الرغم من أن الاشتباكات تحدث بصورة شبه يومية.. فإن الأضواء قد انحسرت عن تلك الحرب كثيراً.. فلم نعد نسمع عنها إلا بخبر صغير يحتل مكانة فى صفحات الجرائد الداخلية.. أو فى نشرة الأخبار التليفزيونية الجافة.. خبر لن يحكى لنا قصة هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بحياتهم من أجلنا جميعاً.. لن يحكى قصة هؤلاء الجنود الذين لن يتذكرهم أحد!

لن يحكى لنا أى برنامج من تلك البرامج الحوارية المتعددة، التى تملأ شاشات الفضائيات، كيف مات ذلك الشهيد وهو يحلم أن يرى أبناءه فى إجازته المقبلة التى لن تأتى أبداً.. لن يحكى لنا أحد الذين يملأون الأرض صراخاً على شاشات التلفاز لكل شىء وأى شىء كيف روت دماؤهم الشريفة أرض الوطن الغالية.. وهو يدافع عنه وعنا.. بل لن يهتم أحدهم أن يبحث عن أبنائهم ولا كيف سيعيشون من دونهم.. فقصص الشهادة يا سيدى لا تجذب المعلنين.. وروايات الدم تحمل من الشرف ما يجعلها لا تستوى مع مستوى ما يقدمونه من فضائح.. التى يبحثون عنها -فقط- لزيادة نسبة المشاهدة!

لقد صادفنى الحظ مؤخراً أن أقابل أحد الأطباء المجندين فى سيناء.. وسمعت منه قصصاً ربما تحمل بين طياتها ما يجعلك تفخر بأبناء هذا الوطن الباسل.. وما يجعل دماءك الحارة تستشيط فى عروقك..!

فأبطالنا يرسمون ملاحم جديدة كل يوم هناك.. دون أن يشعر بهم أحد.. ودون أن يتذكرهم أحد.. والأقسى.. دون أن يبحث أحد عن أولادهم بعد رحيلهم!

القصص التى سمعتها جعلتنى أفكر فى أمر ربما يكون رداً بسيطاً لما يقدمونه لنا من أرواحهم كل يوم.. لماذا لا يسلط الإعلام الضوء على أهل هؤلاء الشهداء الذين سقطوا ويسقطون كل يوم؟.. لماذا لا يتم تكريمهم ولو معنوياً بالتواصل معهم عبر برنامج ولو واحداً من تلك البرامج الحوارية التى لا تبحث إلا عن الجدال غير المفيد كل ليلة؟!.. ربما يشعر الطفل اليتيم كيف كان أبوه بطلاً.. وربما تشعر الزوجة الثكلى كيف قدر الناس تضحية زوجها بحياته فداءً لها ولنا..

ربما يريح هذا أرواح أبنائنا الطاهرة التى صعدت إلى السماء.. حين يعرفون أننا لم نترك أهلهم.. الذين تركوهم هم من أجلنا..!