فياجرا التجاوز.. إدمان له علاج!

أحمد شوقى

أحمد شوقى

كاتب صحفي

يكثر الحديث هذه الأيام عن الضوضاء التى أصابت «حياتنا الفكرية» منذ فترة ليست بالقصيرة، وإن كان وصف «الفكرية» يحتاج إلى مراجعة، فليس كل ما يكتب أو يقال يستحق هذا الوصف، مقالات زاعقة، وبرامج ناعقة، واستغلال للتواصل الاجتماعى، الذى وفرته ثورة الاتصالات والمعلومات، لنشر البذاءات والتجاوزات «والاستعمار الذهنى»، لا غنى عن المقالات والبرامج والتواصل الاجتماعى بالطبع، ولكننا فى غنى عن التجاوز والإسفاف، ويبدو أن اتساع نطاق النشر التجارى، والجرى وراء الإعلانات والمبيعات، وانفتاح «الفضاء السيبرى» على الإنترنت، تدفع «مديوكر» الثقافة والفن والإعلام، بل والسياسة والاقتصاد وكل مجال، إلى تعاطى ما أسميه «بفياجرا التجاوز»، سعياً وراء الشهرة والانتشار، فى مجتمع يعانى ضمن ما يعانى من الأمية، ويحتاج ضمن ما يحتاج إلى التنوير، كما أظن، وبعض الظن ليس إثماً، إن هنالك من يشجع هذا التجاوز ويضفى على أصحابه قيمة زائفة، لأنهم يحققون أهدافه المعروفة، دون الحاجة إلى نظرية المؤامرة (سلمان رشدى وتسليمة نسرين نموذجان فى مجال الأدب تحديداً، ولن أذكر نماذج مصرية أو عربية، رغم وجودها فى أغلب المجالات). والحقيقة أن فياجرا التجاوز كثيراً ما تؤتى ثمارها، ويحسب أصحابها على أنصار حرية التفكير والتعبير والإبداع، ويحصد بعضهم الجوائز وشهادات التقدير، فلماذا لا يدمنون تعاطيها؟ ألا يوصفون بأنهم «يفكرون خارج الصندوق»، حتى وإن كانوا «يفكرون خارج الجمجمة»؟ وما الضرر فى وجودهم وتقديرهم؟ دعونا نجيب عن هذه الأسئلة بأسئلة أخرى، توضح ما نريده: ماذا نعنى بحرية التفكير والتعبير والإبداع؟ وهل يمكن ممارستها دون تجاوز للتقليدى والماضوى بقيودهما وتابوهاتهما؟ وما الفارق بين هذا التجاوز التنويرى، وما أسميناه «بتجاوز الفياجرا»، الذى لا نرتاح إليه؟ وما علاقة الممارسة الضرورية، المطلوبة حاضراً ومستقبلاً، بالسياق الثقافى، الذى نسعى إلى استنارته ونهوضه من غفوته؟ لا يمكن بالطبع الإجابة التفصيلية عن كل ذلك، ولكن يمكن بالقطع الإشارة إلى الخطوط العريضة للإجابات، وذكر العلاج الوحيد لإدمان «فياجرا التجاوز». إن مفاهيم وحقائق التطور تقدم التصور العلمى، وهو الجدير وحده بالتقدير والاحترام. التطور يحدث داخل أى منظومة استجابة للظروف المحيطة بها، تفاعلاً وتكيفاً معها، والتفاعل والتكيف هنا مفهومان مفتاحيان، هما العملية Process والنتيجة Product فى آن واحد، وهما قادران على تغيير المنظومة والمحيط بما يؤدى إلى التطور والارتقاء، قد يحدث ذلك تدريجياً أو قافزاً، وكأننا نتحدث مجتمعياً عن الإصلاح والثورة، بتجاوز معوقات التطور بالفرز والانتخاب، واستبعاد العناصر غير الصالحة، مع تعزيز ونشر ما هو صالح ومفيد حاضراً ومستقبلاً، لكنه لا يحدث أبداً متجاوزاً ومعادياً ومتصادماً مع السياق، فهذا يؤدى إلى فشل المنظومة لا تطورها. لقد كررنا فى مواضع ومواقع عديدة الدعوة إلى إطلاق رصاصة الرحمة على «خطاب التجديد» لأنه لم ولن يأتى بجديد، ودعونا إلى الاجتهاد فى صياغة «خطاب ثقافى جديد»، منهجاً وموضوعاً وأدوات، ونحسبها دعوة ثورية تطالب بتغيير ما يجب تغييره، وإصلاح ما يجب إصلاحه، وإتاحة المناخ التنويرى اللازم لصياغته وتفعيله، وهى دعوة تقوم على المعرفة والعلم الصادقين، لا على الجهل «والتعالم» البغيضين، اللذين انتشرا بشكل وبائى فى حياتنا، وهى دعوة لا تتجاوز السياق، بل تلتحم به وتطوره من داخله، تلتزم بها «طليعة» هذا السياق، الذى تنتمى إليه وترجو له النهوض، لا بعض أفراد «النخبة» التى تتعالى عليه أو ترفضه، نتصور أن هذا الطرح يتضمن فى تفاصيله الخطوط العامة للإجابة عن التساؤلات السابقة، بما فى ذلك العلاج الناجح لأشكال التجاوز غير المرغوبة، ويشجع فى نفس الوقت التجاوز التنويرى المطلوب للتطور والارتقاء، هذا العلاج لا يوجد عند الشيخة فلانة «عالمة» التنجيم والأبراج، أو «العالم» المغربى المتخصص فى فك الأعمال السفلية، كل ما نحتاجه جميعاً هو «التفكير الناقد»، بما يتميز به من عقلانية وموضوعية، واستناد إلى أكبر قدر ممكن من المعرفة المدققة، وقدرة على التحليل وتقديم الدليل، يؤسفنا كونه «فريضة غائبة» فى تعليمنا وإعلامنا وطرحنا للكثير من القضايا الحياتية التى تهمنا، لذلك، نؤكد أننا نحتاجه جميعاً، وإن كان مدمنو «فياجرا التجاوز» هم أكثرنا احتياجاً، لما لهم من تأثير سلبى على مستقبل وطننا.