الخيال العلمي نبوءات أم محض خيال؟

وليد طه

وليد طه

كاتب صحفي

كل يوم يمر على كوكبنا هناك اكتشافات واختراعات وابتكارات جديدة تحدث، منها ما نعرفه ونقرأ عنه في المواقع والمدونات المتخصصة، ومنها ما لم نسمع عنه إلا بعدها بسنوات؛ لأسباب تتعلق بالسرية وغيرها.

لكن المؤكد أن كل ما نعيش فيه حاليًا كان "خيال"، وكان هناك أناس في يوم من الأيام اتعتبروه خيالًا علميًا وجنانًا وتخريفًا، وهناك علماء ومفكرين وغيرهم وقعوا ضحايا للتكذيب، منهم من تحاكم بتهم مثل "الهرطقة" و"الكفر" وغيرها من التهم، من قبل أناس لم يفهموا وعقلهم لم يستوعب عقلهم ما تكلموا عنه، بداية من سقراط وأفكاره التقدمية، وحتى جاليليو "اللي الفاتيكان أدانه بتهمة الهرطقة في العام 1633، بعد ما قال إن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، الأمر اللي أنكره رجال الدين وقتها".

وكان هذا الموضوع يؤثر على المفكرين الآخرين ويخيفهم، مثل "رينيه ديكارت"، فعندما سمع عن محاكمة جاليليو سحب كتابه الذي أيد فيه نظرية كوبرنيكس (اللي شبه نظرية جاليليو) من المطبعة. وهناك كثيرون اتهموا ديكارت بالجبن بعد هذا الموضوع، ولكن الرجل حاول أن يمشي بمبدأ "من خاف سِلِم"، وخصوصًا أن عداء الكنيسة له كان معروفًا بسبب أفكاره، لكنه ترك كنوزًا لا نستطيع أن ننكرها مثل كتابه "تأملات ميتافيزيقية"، ومقال "المنهج".

المهم، لو قرأنا روايات الخيال العلمي القديمة، سنجدها تتكلم عن أشياء نعيشها في الوقت الحاضر ونقوم بعملها أيضًا، و"فيه مننا مش عارفين إن فيه كاتب تخيلها من سنين طويلة لو كنا عايشين وقتها، وقالنا دي ممكن تحصل كنا جرينا وراه وحدفنا عليه طوب".

والروايات والأفلام كثيرون، مثل رواية جول فيرن "من الأرض إلى القمر" العام 1865، والتي تحدث فيها عن رحلة إلى القمر قبل 100 سنة من رحلة "أبوللو11" "اللي طلعت القمر العام 1969، 100 سنة تخيل؟".

فيرن في الرواية لم يخيل رحلة إلى القمر فقط، بل حدد سرعة المركبة ومدة الرحلة، وكانت 40 ألف كيلومترًا في الساعة ومدتها 4 أيام، والموضوع تخطى الحكاية، تخيل الرحلة "أبوللو11" قطعت الرحلة بسرعة 38 ألف كيلو مترًا في الساعة ووصلت بعد 4 أيام وبضع ساعات Close Enough in't?.

وهناك الكثير أيضًا، مثل رواية "عالم جديد شجاع" للكاتب ألدوكس هاكسلي، في العام 1932، والتي تحدث فيها عن عملية حقن مجهري وأطفال الأنابيب، وهذا ما تحقق بعد الرواية بـ46 عامًا، في العام 1978، حيث شهد أول عملية حقن مجهري في التاريخ.

ورجوعًا لـ"فيرن"، فقد كتب رواية مشهورة جدًا اسمها "عشرون ألف فرسخ تحت البحر" في العام 1869، والتي سبقت اختراع الغواصة بسنوات طويلة، وكذلك رواية إدوارد هيل "حجر القمر" في العام 1869، والتي تحدث فيها عن أشياء تشبه الأقمار الصناعية.

كل ما فات لم يكن مثل ما تخيله الكاتب الروسي إسحق عظيموف/أسيموف، هذا الراجل كان خياله أوسع من الجميع، حيث حول مجرى أدب الخيال العلمي، بالإضافة إلى أن كل ما قاله في رواياته تحقق تقريبًا، بداية من التليفزيون مرورًا بالطائرات من دون طيار والتليفونات، وصولًا إلى الإنسان الآلي، حتى أنه هو من اخترع كلمة "روبوت"، التي نستخدمها حاليًا، كما أنه وضع قوانين لـ"الروبوت" للتعامل مع البشر والتي يعتبرها بعض العاملين في مجال "الذكاء الاصطناعي" فلسفة واتجاه، وتقول هذه القوانين:

- لا يجوز لآلي إيذاء بشريّ أو السكوت عما قد يسبب أذًى له.

- يجب على الآلي إطاعة أوامر البشر إلا إن تعارضت مع القانون الأول.

- يجب على الآلي المحافظة على بقائه طالما لا يتعارض ذلك مع القانونين الأول والثاني.

ومن شاهد منا فيلم ويل سميث "آي روبوت"، سيجد الفيلم كله مبني على الثلاثة قوانين، والتي بسببها كانت الروبوتات تريد أن تتحكم في الأرض ظنًا منها أن البشر غير مؤهلين، وكذلك فيلم ستيفن سبيلبرج "إيه آي" تبنى نفس القوانين، فكلنا نتذكر مشهد إعدام الروبوتات في الفيلم، "ورغم إنهم بيقاوموا إلا إنهم لم يأذوا البشر".

وجاءت هذه القوانين في أفلام أخرى، كانت السبب في تهديد البشرية مثل سلسلة أفلام "تيرميناتور"، والتي حست فيها "سكاينت" بتهديد البشر للأرض، فقررت الشبكة أن تحتل الأرض، "وده يجيبنا لأهم حاجة في كل المكتوب ده، هل ممكن (سكاينت) تبقى حقيقة في يوم من الأيام؟!، هل ممكن شبكة واحدة "تجمعنا كلنا"؟، ويكون كل حاجة بنعملها بتمر من خلال الشبكة دي بس؟، هل ممكن كل أجهزتنا بداية من الغسالة والتلاجة حتى السيارة والطائرة مرورًا بالتليفون والكمبيوتر يكونوا مربوطين بشبكة واحدة عليها كل معلوماتنا؟".

انظروا لنا جيدًا، لايوجد أحد منا لا يحمل جهازًا واحدًا ذكيًا ع الأقل، وهناك تقريبًا كل شيء "ذكي" مثل "تليفون، تابلت، كمبيوتر، ساعة، جي بي إس".

ظهر الآن ما يسمى "إنترنت الأشياء"، وهو ما يربط كل أجهزتك بالإنترنت، حيث تستطيع تشغل الغسالة والتكييف قبل الوصول إلى البيت، والنور يضيء عند الدخول، بل إن من الممكن في يوم من الأيام البيت يعرفك، و"بمجرد فتح الباب تظبط الحرارة زي ما بتحبها ويحضرلك الحمام ويشغلك برنامجك المفضل"، كل هذا تقريبًا كان في روايات خيال علمي، واليوم يتحقق.

الآن نحن مرتبطون بشبكات بعينها مثل "أبل" و"جوجل" و"مايكروسوفت" وطبعًا "فيس بوك"، كل واحد منا معلوماته وعاداته اليومية و"إميلاته" حتى كلماته المفضلة في الشات، وأرقام بطاقات الاتمان وحتى بصماتنا على الثلاث شبكات، "الشبكات دي عارفة إحنا بنحب ناكل إيه، ونلبس إيه، ونشرب إيه وفين وإمتى!".

منذ نحو عام، أعلنت "جوجل" عن نظام جديد "للتعرف على الأشياء"، وهو يجعل كاميرا الكمبيوتر العادية تستطيع التعرف على الأشياء داخل غرفتك مثلًا، وطبعًا كلنا رأينا هذا من خلال عين "أرنولد شوارزنيجر" في فيلم "تيرميناتور"، وغيره من أفلام الروبوتات والتي تستطيع أن تتعرف ع البيئة المحيطة.

"الموضوع موقفش هنا، الكام سنة اللي فاتوا كان فيه أبحاث كتير على الروبوتات وتطويرها، وفعلًا معامل كتير قدروا يعملوا روبوت بيمشي على أربع زي الحصان مثلَا قادر على اجتياز الحواجز المفاجئة، يعني لو رميت قدامه حاجة بيقفز من فوقيها ويكمل مشي، ومش بس كده ده لو اتخبط بقوة ما بيقعش، بيستعيد توازنه وبيكمل عادي خالص، خوفت؟!".

وهناك معامل بدأت في ابتكار روبوت يمشي على اثنين "زي البني آدم"، قادر على "اقتفاء الآثار"، وكل هذا في مراحله الأولية، لكن حتى المراحل الأولية "مرعبة"، تقدر تتفرج على فيديوهات كتير على "يوتيوب".

"هل فعلًا في الكام سنة الجايين هنكون عايشين في حاجة زي "سكاينت"؟، مش لازم تكون فيها دمار أو خطر على البشرية، بس نكون تحت المنظار ومرتبطين بالسفينة الأم اللي عليها كل معلوماتنا الشخصية جدًا، وأسرارنا اللي متعرفهاش غير الشبكة، وتتحول جملة عادل إمام (لا حياء مع البوليس) إلى (لا حياء مع الشبكة).

المقال مش للتخويف، بالعكس ده لتوضيح إننا مهما حاولنا وحاربنا العلم عمره ما هيبطل تقدم، وهيتحرك غصب عن ناس كتير ضده، والمقال مش معناه نؤمن بالخرافات، لأن رأي الشخصي إن حتى في الخيال تقدر تفرق بين الممكن تحقيقه والخرافة والدجل والادعاء.

المرة الجاية هنتكلم عن "الذكاء الاصطناعي" وتطوره من البدايات حتى ما وصلنا له الآن.