"الوطن" مع عازفي الأوركسترا قبل صعود المسرح: قليل من التوتر.. كثير من "التسخين"
العازفين أثناء التدريبات
تشير عقارب الساعة إلى الثامنة إلا ربع، يتهيأ الجميع لدخول المسرح الكبير بدار الأوبر بالملابس الرسمية، يسير الضيوف بهدوء ويرتقون درجات السلم، يتهامسون في أحاديثهم حفاظا على هدوء المكان وتماشيا مع فخامته التي يضفيها السجاد الأحمر والأضواء الهادئة واللوحات التي تزين الجدران، تمهيدا للدخول لحفل أوركسترا القاهرة السيمفوني، الذي أعلن عنه منذ مدة طويلة بقيادة مايسترو سويسري هو أندرياس شبوري، كانوا يتهيأون للدخول من الباب الكبير في المقدمة، لكن الممر الأيسر من الدور الأول والذي ينتهي بباب صغير يؤدي إلى سلم حديدي ضيق من حوالي 15 درجة يؤدي بدوره إلى باب الكواليس التي تحوي مشهدا مختلفا تماما، يبدو أبطاله وكأنهم في خلية نحل.
عدة أروقة متوازية تربط بينها ردهات واسعة يحتوي الرواق الواحد على 3 غرف مدون على بابها جملة "غرفة فنان" بالعربية والإنجليزية، كما تحتوي على عدد من المخازن، قبل ربع ساعة من بدء الحفل تشتد الحركة في المكان، يسير المايسترو السويسري أندرياس شبوري ببدلته الأنيقة ذات الذيل الطويل والتي تعرف بـ"الفراك"، موزعا الابتسامات والتحيات على العازفين وعلى عمال الكواليس، الذين يتمنون له حظا سعيدا بكلمات إنجليزية رقيقة ومختصرة.
عشرات العازفين يروحون ويجيئون حاملين آلاتهم من أجل اختبارها، يخرجون من غرفهم ثم يعودون إليها ثم يخرجون مرة أخرى وقد تهيأوا تماما للصعود على المسرح، الرجال بالملابس الرسمية، "البدلة والبيبيون" والنساء بفساتين سوداء مختلفة التصاميم، والآلات في أيديهم أو على أكتافهم أو في فهمهم، يتجمعون في مكان كبير أشبه بقاعة مفتوحة، هي الجزء الخلفي من المسرح الكبير، حيث يوجد الديكور الذي وضع بحيث يظهر الجزء الأمامي منه للجمهور بينما خلفيته الممتلئة بأسلاك حديدية وعجلات التحريك تطل على تلك القاعة الباردة المظلمة، والتي يتناثر فيها أيضا قطعا من أقمشة وأفيشات أفلام قديمة وعدد كبير من الكراسي ودرجات السلم المتحركة التي تستخدم في الديكور، وبينها يقف العازفون من أجل "التسخين الأخير" استعدادا لارتقاء درجات السلم الجانبي إلى حيث يجلسون كلُ في مكانه المحدد وإلى جانب زملائه الذين يعزفون على نفس الآلة، وأمام الأوراق المدون عليها النوتة الموسيقية على خشبة المسرح.
يشتد الضجيج فجأة، جميع العازفين يختبرون أنفسهم في نفس الوقت، فيخلق التداخل العشوائي لأصوات الكمنجة والفيولا والكلارينت والكورنو صخبا لا تهتم به مريم خضر الجالسة على سلم قصير متحرك خلف الديكور وفي يدها آلة "الكورنو"، التي تعزف عليها في انتظار إشارة الصعود، هي الوحيدة ضمن عازفي الأوركسترا التي لا تهتم بالتسخين مثلهم، تقول إنها حضرت 3 بروفات منذ العاشرة صباحا ولم تعد بحاجة إلى التسخين، رغم أن آلة الكورنو (من آلات النفخ النحاسي)، أحد أكثر الآلات صعوبة وحساسية وتحتاج إلى تركيز كبير.
مريم التي تدرس بالسنة الأخيرة في الكونسرفتوار وتعمل عازفة بأوركسترا القاهرة السيمفوني وتنضم في بعض الأحيان إلى أوركسترا أوبرا القاهرة، لا تشعر بالتوتر، صارت المهمة اعتيادية بالنسبة إليها، لكنها تتذكر حفلتها الأولى كعازفة في حفل أقامته الجامعة الأمريكية منذ عامين، حين كانت تجلس كعضوة في أوركسترا باقي أعضاءه أساتذة عملوا بتدريس الموسيقى للطلبة في الكونسرفتوار لسنوات طويلة، أصيبت بتوتر شديدة جعلها تكاد لا ترى النوتة الموسيقية وتدعو الله أن ينتهي الحفل سريعا.
قبل دقائق من موعد الحفل، كانت نورهان أسامة خريجة الكونسرفتوار التي تعمل بالأوركسترا منذ 2012، تحمل آلة الفيولا خاصتها وتتحرك في اتجاه المسرح، تقول إنه عادة لا يوجد أي توتر نظرا لاعتياد العازفين على الانتظام في أوركسترا الكونسرفتوا منذ أن كانوا طلبة، تشير إلى أنها تحضر قبل الحفل بنحو ساعة حتى تتمكن من التسخين الجيد مع تهدئة الأعصاب، كذلك مراجعة النوتة الموسيقية إذا ما كانت تحتوي على جزئيات صعبة.
ولا تجد نورهان صعوبة في التغيير المستمر للمايسترو الذي يقود الحفلات، تقول إن أعضاء الأوركسترا يتأقلمون سريعا حتى مع القادة الأجانب لأنهم يتحدثون الإنجليزية.
يهدأ الصخب قليلا، ويتوجه أعضاء الأوركسترا ليصعدوا واحدا تلو الآخر على خشبة المسرح، تضاء الأضواء ويصفق الجمهور فينحني المايسترو ليحييهم قبل أن يدير ظهره ويعطي بعصاه إشارة البدء فيمنح الجمهور ساعة ونصف الساعة من النشوة.