إلى «فيفا» والبرلمان الأوروبى

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

سوف تجد «فيفا» والمنظومة الأوروبية نفسها فى مأزق إذا ما نفذ رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الإيطالى تهديده واستجابت له الجماهير الإيطالية بتحويل مدرجات الملاعب واللاعبين، فى تصرف مذهل وغير مسبوق، لأدوات سياسية للضغط والتحريض على الحكومة المصرية فى ملف الشاب الضحية جوليو ريجينى، وذلك فى إجراء تحريضى لتأليب الشعوب على بعضها.

الحاصل أن الفيفا يحظر استخدام الملاعب فى الدعوات السياسية والتحريض والعنف، ويحظر الخلط بين مبادئ اللعبة الساعية إلى نشر المنافسة العادلة والحرة والأخلاق الرياضية القائمة على التسامح والإخاء وبين الصراعات السياسية القائمة على الصراع، وتؤدى إلى تعميق الخلافات وتكريس البغضاء بين المتصارعين.

الشاهد أن الاتحاد الأفريقى أوقع عقوبة على نجم مصر والعرب «أبوتريكة» أثناء بطولة أفريقيا، وقامت الدنيا فى العالم ولم تقعد حين احتفل «تريكة» فرحاً بتسجيل هدف كاشفاً عن ارتدائه «قميص» مكتوباً عليه «تعاطفاً مع غزة» إبان العدوان الإسرائيلى الهمجى على الشعب الفلسطينى الذى أسقط مئات الضحايا المدنيين الأبرياء وخلف دماراً واسعاً ما زال القطاع وسكانه يعانون منه حتى الآن.

دماء مئات الضحايا الأبرياء -تجاوزت الألف- من الأطفال والنساء والعجائز التى سالت، لم تشفع للاعب المصرى لتمنع عنه عقوبة تتعلق بتصرف إنسانى دفعه لارتكابه ضميره البشرى الحى، فاستشاطت المنظومة الكروية غضباً وأطبقت على رقبته حتى تمنع الآخرين من الخلط بين المبادئ الرياضية الحميدة وبين الأخلاق السياسية البغيضة.

واللافت أن الخطاب الأوروبى عقب طوفان «الربيع العربى» أصيب بلهجة غرور وتعالٍ وعنصرية بغيضة، وبات يتعامل مع شركاء الجنوب بخطاب تهديدى بديلاً عن أحاديث الشراكة والتعاون وحسن الجوار التى سادت فى الحقبتين الأخيرتين وأصبحنا نتابع لغة الأوامر والإملاءات.

الواقع يقول إن البرلمان الأوروبى والإيطالى قاما بتسييس قضية «ريجينى» والانحراف بها من منظور التحقيقات القانونية إلى أداة لصراع سياسى، وفرض إملاءات وسياسات تطالب بها المنظومة الأوروبية وتسعى لفرضها على مصر، فى الوقت الذى غض الطرفان النظر عن اتفاقية كريهة مقيتة تتعارض مع كل المبادئ وحقوق الإنسان التى أقرتها البشرية وقعها الاتحاد الأوروبى مع تركيا لمحاصرة اللاجئين ومطاردتهم من أجل حماية الأراضى الأوروبية.

الافتقار للمهنية فى التعامل مع قضايا شركاء الجنوب واستبدالها بأدوات سياسية للابتزاز ودس الأنف فى شئون الآخرين سمة أساسية للسياسات الأوروبية فى الآونة الأخيرة، وهى تقوم على الانحياز الأعمى واستخدام سياسة الأذن الواحدة فى الاستماع لأصدقاء اختاروهم وساهموا فى دعمهم ومساندتهم وقاموا بتوفير غطاء دولى لهم يتيح لهم تحدى القانون فى بلادهم.

كيف سيتصرف البرلمان الأوروبى أو الـ«فيفا» إذا ردت الجماهير المصرية فى الملاعب برفع لافتات معادية لأوروبا واستدعاء تاريخها الاستعمارى المستمرة بعض تداعياته حتى الآن، وكيف ستتعاملون مع الموقف وأنتم مسئولون عن تحويل خلافات سياسية إلى صراعات بين شعوب فى لحظة لا تتطلب سوى التوافق والتعاون فى مواجهة أعتى موجة إرهابية تضرب البشرية.

الحديث يطول والملفات كثيرة علينا وعليكم، لكن لا تفتحوا باباً لا يمكن مواجهة تداعياته من جانبنا قبل جانبكم، ولنتوقف عن لغة التسييس والتعصب فى الملفات الإنسانية، ولنمتنع عن إذكاء نار الفتنة، فلا يمكن فرض سياسات غير مقبولة لأن مسألة المصالحة شأن الشعب المصرى وليس شأنكم.

كيف ستتعاملون مع القضية لو فعلنا المثل بملف عادل معوض؟