دراسة ترصد مراحل بناء «قلعة السلفيين» على شاطئ عروس البحر المتوسط

دراسة ترصد مراحل بناء «قلعة السلفيين» على شاطئ عروس البحر المتوسط
تتعرض دراسة «الدعوة السلفية بالإسكندرية.. النشأة التاريخية وأهم الملامح» للباحث على عبدالعال، لنشأة التيار السلفى فى الإسكندرية، حيث يقول فيها إن السلفيين فيما بين عامى 1972 و1977، تكونوا فى الجامعة، ورفضوا جميعاً الانطواء تحت مظلة الإخوان المسلمين، واتجهوا ناحية شيوخ جمعية أنصار السنة المحمدية، إذ تكونت النواة الأولى لشباب السلفيين فى الإسكندرية، تحت اسم «المدرسة السلفية»، عام 1977، حيث شرع الشيخ محمد إسماعيل المقدم، فى تأسيس النواة الأولى من خلال درس عام كان يلقيه كل يوم خميس، بمسجد عمر بن الخطاب بالإبراهيمية، ويحكى عن هذه الفترة، الشيخ أحمد فريد، أحد أقطاب السلفية الآن فى مذكراته قائلاً: كان الحضور فى هذه الحلقة لا يتجاوز عشرة أفراد، ولم يكن معنا أحد من قادة الدعوة السلفية الآن، وكان الشيخ محمد يحفظنا متن «العقيدة الطحاوية»، وكذا «تحفة الأطفال»، وكلفنى بتدريس كتاب «مدارج السالكين».
ويكمل الباحث فى دراسته، موقف النشأة المعادية لجماعة الإخوان، قائلاً إنهم جميعاً اتفقوا على رفض الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتزعم هذا الرفض الشيخ محمد إسماعيل المقدم. وسرد بعض الصدامات التى وقعت بين الطلاب السلفيين، وطلاب الإخوان المسلمين، داخل جامعة الإسكندرية عام 1980، حيث ذكر الشيخ ياسر برهامى، أنهم كانوا يعملون على توزيع الأوراق وإقامة المحاضرات، ونظموا ندوة للحديث عن قضية التوحيد وقضايا الإيمان، فخطط الإخوان لمنع اللقاء، ومنع خروج الطلاب للمشاركة فيه، الأمر الذى أفضى لما يشبه الاتحاد من أجل الدعوة بين هؤلاء الطلاب، الذين يعرفون الآن بشيوخ الدعوة السلفية ورموزها، كما يؤكد الباحث، أن اتفاقاً جرى على أن يتولى محمد عبدالفتاح أبوإدريس، قيم المدرسة السلفية أى مسئولها الأول.
ويؤكد السلفيون الأثر الكبير الذى كان لجماعة أنصار السنة المحمدية فى نشأتهم، ويذهب الشيخ ياسر برهامى إلى أن مسألة عمل السلفيين ضمن جماعة أنصار السنة كانت تتوقف على شخصيات القائمين على الجماعة فى المناطق المختلفة، «ففى الإسكندرية كانت هناك طائفة لا تستوعب الشباب ولا طاقاتهم»، على حد قوله، بل تكاد تحصر نفسها فى قضايا شرعية بعينها «تتشدد جداً فيها وتهمل غيرها، رغم أن الحق غالباً ما يكون فى خلافها»، مثل قضية الاقتصار على الصحيحين فى الاستدلال، ومثل قضية إخراج القيمة فى زكاة الفطر، ومثل قضية إنكار المهدى، وكان الوضع فى الإسكندرية لا يحتمل أى تطوير للعمل من خلال الأوضاع القائمة آنذاك.
ومن الأمور، التى تصف الدراسة كون لها دور أساسى فى صعود التيار السلفى فى فترة السبعينات، ما عرف عن رغبة الرئيس السادات فى ضرب الاتجاه الشيوعى داخل الجامعات، بإتاحة مزيد من الحريات للجماعات السلفية، وقد جرى تنظيم عدد من المعسكرات الصيفية فى الأعوام 77، 78، 79، كلها كانت ذات صبغة سلفية، كما يؤكد على عبدالعال. بعد انفصال «المدرسة السلفية» عن تيار الجماعة الإسلامية فى الجامعات وتخرج هؤلاء الطلاب أطلق عليها «الدعوة السلفية» فى العام 84-1985؛ وذلك لإثبات «شمولية دعوتها». على حد قول الشيخ عبدالمنعم الشحات.
وخلال مرحلة الانتشار والتوسع، منذ منتصف الثمانينات، أسست الدعوة السلفية معهد «الفرقان لإعداد الدعاة» فى الإسكندرية عام 1986، كأول مدرسة إسلامية ذات منهجية سلفية لتخريج الدعاة، وشرع الدعاة السلفيون يشرفون عليه ويضعون مناهج التدريس لطلابه. كما أصدرت الدعوة السلفية فى هذه المرحلة مجلة «صوت الدعوة» وهى مطبوعة إسلامية شهرية ظلت تصدر دون انتظام إلى حين تم إيقافها نهائياً سنة 1994م، وكانت تهتم بكل ما يتعلق بالمنهج السلفى من خلال مقالات شرعية مطولة يكتبها الدعاة السلفيون.
ويشير البحث إلى الدور السعودى فى النشأة السلفية بالإسكندرية، حيث تقر «الدعوة السلفية» بالفضل لشيوخ السلفية السعوديين، وخاصة الشيخين عبدالعزيز بن باز، ومحمد بن صالح بن عثيمين، والشيخ عبدالرزاق عفيفى، والشيخين عبدالله بن قعود، وأبوبكر جابر الجزائرى، اللذين زارا الدعاة السلفيين فى الإسكندرية عام 1986 وجالساهما وحاضرا فى مساجدهم، وكان لهذه الزيارات أثر كبير فى تدعيم موقف السلفية، خاصة الزيارة التى قام بها الشيخ أبوبكر الجزائرى، الذى زار كل مساجد الدعوة السلفية تقريباً، وألقى محاضرات قوية فى المنهج السلفى بالإسكندرية، كما جرت مناقشات منهجية بينه وبين السكندريين.
يتحدث الدكتور عمار على حسن، الباحث بعلم الاجتماع السياسى لـ«الوطن»، قائلاً إن الحركة السلفية التى نشأت فى السبعينات ليست بنت الإسكندرية التاريخية، بل بنت الزحف الريفى من محيط الدلتا وتحديداً البحيرة وكفر الشيخ والدقهلية، وبنت الزحف الصحراوى من القبائل العربية مثل مرسى مطروح. وأشار إلى أن ضعف التيار السلفى فى الإسكندرية، ناجم عن حداثته، حيث لم يبلغ عمره سوى 35 عاماً، إذ لا تعد متجذرة فى الوجدان المصرى وراسخة فى التاريخ السياسى، ولم تخرج للظهور، إلا بسبب غياب قوة الأشكال الدينية الأخرى، وسعى السلطة السابقة فى انتشارهم، الأمر الذى دفعهم إلى استغلال ذلك، واستقطاب الطبقات الاجتماعية الدنيا، والفقيرة من الطبقة المتوسطة. ويكمل حسن القول بأن الصعود عقب ثورة يناير للتيار السلفى، لأنهم خلقوا جواً من الثقة حولهم، وجذبوا قطاعات عريضة من الفئات الاجتماعية الأخرى، كالوسطى والعليا.
وعن أسباب انخفاض شعبية السلفيين فى الإسكندرية، يشير إلى كونهم «انفضحوا» نتيجة العمل السياسى، ضارباً مثلاً بالمجموعة التى دخلت البرلمان، ولم تحقق نتيجة منشودة، كما كان منتظراً منهم، مؤكداً أن الأعمال الهوجاء العنيفة -على حد وصفه- والخلاف داخل حزب النور السلفى، والصدامات الفكرية التى كان طرفاً فيها الدكتور ياسر برهامى، كلها أمور كانت كفيلة بهبوط التيار السلفى بشكل عام، وفى الإسكندرية بشكل خاص.
وعول «حسن» على القطاعات المدنية العريضة، التى استيقظت فى الإسكندرية، وظهرت نتيجة عملها فى نتائج انتخابات الرئاسة، حيث تقدم حمدين صباحى، لافتاً إلى أن الإسكندرية ستظل محتفظة بشكلها التاريخى، ولن تخضع لسطوة السلفيين، الذين يصفون المدينة، بأنها الأكثر حباً للسلفيين، ويؤكد عمار أن المدينة ترفض أن يصبح لتيار ما هيمنته الكاملة عليه، وسيصبح التيار السلفى، كما يتوقع خبير الاجتماع السياسى، جزءاً ضيئلاً من بنيان الإسكندرية فى المستقبل.