حرب على دماغ المصريين
ما يمكن إدراكه بالملاحظة، حتى لو لم يوجد دليل مادى يثبته، أن هناك جيوشاً من الخبراء والمتخصصين فى قضايا الإعلام وصناعة الرأى العام والدعاية، مصريين وأجانب، يعملون بلا هوادة من أجل تغيير اتجاهات الرأى، وسحب التأييد الشعبى الذى يحظى به الإسلاميون.. هذا إلى جانب الأساليب الأمنية والمخابراتية التى لا تزال تضرب هنا وهناك.
وهم فى الحقيقة يستخدمون تقنيات علمية منهجية، لاغتيال الخصوم سياسياً وإعلامياً، دون إراقة نقطة دم واحدة، وإن أراقوا بدلا من الدم ملايين الدولارات.
ولا أتصور حين يتناول كاتب هنا ومذيع هناك موضوعا واحدا، أن ذلك قد تم من قبيل الصدفة وتوارد الأفكار، خاصة حين يتكرر الأمر كل يوم وعلى نطاق واسع ليشمل أكثر من صحيفة ومحطة. ورحم الله الأستاذ مصطفى مشهور، مرشد الإخوان الأسبق، الذى كان يعلق على مثل هذا الأمر بقوله: «أصل المخرج واحد».
ومن التقنيات المستخدمة: إظهار نصف الحقيقة، أى أن يكون نصف الكلام لصالح الخصم، فيظن المتلقى أن الجهة الإعلامية منصفة ومتزنة تعرض موقف الخصم بإنصاف، ثم يأتى النصف الآخر الحافل بالمغالطات وتحريف التصريحات والأقوال والمواقف.. وبذلك يتم دس الكاذب مع الصادق.
ومنها تشويه أو تسويد صورة الخصم عبر محاولة الإيحاء بتناقض المواقف وكذبها، والنبش فى دفاتر الماضى لاصطياد الأخطاء وكشف التناقضات التى قد تكون حقيقية لها ما يبررها، أو غير حقيقية، مع تقديم وثائق مزورة ومشاهد «ممنتجة»، ومقاطع مقطّعة، منزوعة من سياقها.
ومن أساليب التشويه والتسويد الحديث المتكرر عن فساد الذمم المالية والثروات مجهولة المصدر، وحتى الولع بالجنس والفساد الجنسى.
ومن ذلك أيضاً إطلاق الكذبة وتداولها على نطاق واسع، وتكرار ترديدها حتى لو جرى تكذيبها مرات (نفت وزارة الداخلية أن يكون حزب الحرية والعدالة قد طلب تراخيص سلاح، لكن الكذبة يتم تداولها على أنها حقيقة دامغة)، ومع تكرار الكذبة وتنوع أساليب عرضها تصبح مادة للتداول المتكرر، ويظن الناس أنها من المسلمات.
ومنها التشكيك فى نزاهة القصد، عبر الحديث المتكرر عن سوء نية الخصم الذى يظهر غير ما يضمر، وأنه لا يريد الخير لمصر، أو أن له أجندة خفية، أو ارتباطات خارجية.
ومنها نشر الإشاعات، وبعضها يكون صادماً (إلزام المسيحيات بلبس الحجاب ومنع بيع السجائر)، مع محاولة خلق حالة من «التوهان» وضياع بوصلة التوجه لدى الشعب (السؤال الذى يتكرر كثيراً على الألسنة: إحنا رايحين على فين؟).
ومنها استدعاء القلق والتوتر عند الناس، بالحديث عن إفلاس مصر والأضرار التى ستلحق بالمصالح الخاصة والعامة، أو أن الإسلاميين يخلقون عداوات خارجية (حرب مع إسرائيل - خصومة مع الإمارات - قطع المعونة الأمريكية)، واللعب على حاجة الناس للأمن ولو على حساب أشياء أخرى مهمة.
ومنها تلميع الشخصيات التى هى على خلاف مع الإسلاميين، أو التى كانت قريبة منهم ثم اختلفت معهم، وتقديمها للحديث عن «شهادتها للتاريخ».
ومنها استقطاب شخصيات معينة تمثل الخصم تكون لها جوانب ضعف معينة، وتضخيم صورة هذه الشخصيات ثم الإيقاع بها.
ومنها، أخيراً، محاولات توريط البعض فى أمور غير أخلاقية كاستغلال النفوذ أو الرشوة أو الجنس مع توثيق ذلك بالصورة، وابتزاز الشخص والجهة التى يمثلها.