«الوطن» مع العائدين من قبرص.. ساعات من الخوف بين «السما والأرض»

كتب: محمد أبوضيف

«الوطن» مع العائدين من قبرص.. ساعات من الخوف بين «السما والأرض»

«الوطن» مع العائدين من قبرص.. ساعات من الخوف بين «السما والأرض»

ترقُّب.. خوف يملأ القلوب، واللهفة تظهر فى الأعين جلية، مشاعر متضاربة ظهرت بين الأهالى المرابطين فى الصالة الموسمية بمطار القاهرة، فى انتظار عودة المختطفين، من ركاب الطائرة المصرية القادمة من مطار برج العرب بالإسكندرية نحو القاهرة، قبل أن تغير مسارها نحو مطار «لارنكا» بقبرص، بعد تهديد راكب يُدعى سيف الدين مصطفى بتفجير نفسه بحزام ناسف «وهمى»، وضعه حول خصره.

{long_qoute_1}

16 ساعة كاملة، قضاها 81 راكباً، وطاقم الطائرة «إيرباص 320» رحلة رقم 181، بين «السما والأرض»، قبل عودتهم إلى أرض الوطن، بعد تحريرهم، والقبض على الخاطف فى قبرص، لكن كانت تلك الفترة مليئة بالأحداث واللحظات الصعبة، التى مرت على الركاب وذويهم، مما جعل الجميع فى حالة ترقب فى انتظار لحظة اللقاء.

فى أحد أركان الصالة الموسمية، وقفت «أميرة عثمان» بشعرها الأشقر، وأناقتها، تلتقط أنفاسها وتشرب شربة ماء، حيث جاءت مسرعة نحو المطار بعد معرفتها بموعد وصول ابنتها «نهال البرقوقى» المضيفة بالطائرة، التى رفضت مغادرتها قبل خروج جميع طاقم الطائرة، وظهرت على شاشات التليفزيون تحتضن أحد الركاب وتودّعه على باب الطائرة بعد الإفراج عنهم، وتعود مرة أخرى لتكون بجانب زملائها المختطفين بالداخل: «أول ما شوفتها رجعت للطيارة تانى صرخت بعلو صوتى»، تقول «أميرة».

السيدة العجوز تقول إن ابنتها عمرها 44 عاماً، تعمل فى مصر للطيران منذ زمن بعيد، ولا تستطيع أن تتذكر بدايتها، لكنها لم تكن المرة الأولى التى تشعر فيها بالرعب على ابنتها، خلال عملها بالطيران، لكنها تتذكر نجاة «نهال» من الموت بأعجوبة من قبل، حينما انفجرت إحدى الطائرات المصرية فى الولايات المتحدة الأمريكية، لكن العناية الإلهية أنقذتها، حيث تم تبديل طاقم الطائرة هناك، ولم تغادر ابنتها مع الطائرة التى انفجرت، واكتفت بالذهاب بها فقط: «بس مات ليها أعز أصحابها فى الطيارة دى، وكانت فى منتهى الحزن عليهم.. وأنا قلبى كان بيتعصر لما عرفت إن الطيارة اللى كانت رايحة بيها هى اللى انفجرت، لحد ما كلمتنى واطمنت». تعيد ترتيب خصلات شعرها الذهبى، وتتحدث «أميرة» عن قناعتها بشجاعة ابنتها، التى رفضت مغادرة الطائرة قبل إنهاء الأزمة ورحيل الجميع فى أمان، تقول ذلك بزهو شديد، رغم ما مر عليها من ساعات صعبة حتى اتصلت بها: «كنت شايفاها وهى بتكلمنى وماسكة التليفون، ونازلة على مهلها من الطيارة ومتماسكة وقوية».

نزل صوت «نهال» فى المكالمة الأولى التى هاتفت فيه والدتها بعد الإفراج عنها برداً وسلامة على قلب الأم المكلومة، كلمات مقتضبة طمأنتها وطالبتها بالهدوء والكف عن البكاء: «مفيش أم فى الدنيا تقدر تستحمل تكون قاعدة فى بيتها وتكتشف إن بنتها مخطوفة، وفى طيارة مهدّدة بالانفجار».

فى جانب منزوٍ من الصالة، كان يجلس عم «حمدى مبارك» بجلبابه الرث، جاء من بلدته مسرعاً للاطمئنان على شقيقه «محسن مبارك»، الذى أرسل إليه برسالة على الهاتف بأنه مختطف ضمن ركاب الطائرة، هرع الرجل وتوجه مسرعاً إلى القاهرة، ليكون قريباً من موقع الأحداث، يقول إن شقيقه يعمل فى إيطاليا منذ زمن بعيد، وكان فى طريقه لزيارة أسرته بعدما هبطت طائرته فى مطار برج العرب بالإسكندرية.

بالقرب من كاميرات تليفزيونات العالم أجمع التى تراصت فى انتظار العائدين من «قبرص»، وقفت «نرمين عاطف»، تداعب طفلاً صغيراً «محمود» ابن شقيقتها المضيفة بالطائرة المختطفة «نيرة»، التى اتصلت بها صباح اليوم من تليفون أحد الركاب لتطالبها برعايته بعد وفاتها المنتظرة، بعد اختطاف الطائرة: «قالت لى خلّى بالك من (محمود) أنا احتمال مارجعش».

«نيرة» بنت مدينة الإسكندرية، جاءت لتعيش فى القاهرة قبل سبع سنوات منذ التحاقها بشركة «مصر للطيران» للعمل على متن طائراتها مضيفة، وتبعتها شقيقتها «نرمين»، لتعيش فى كنفها، وتكون بالقرب من شقيقتها الصغيرة، وتقول لـ«الوطن»، إنها أصيبت بذعر شديد منذ اتصال شقيقتها الأول، وأخذت تحاول معاودة الاتصال بها، حتى نجحت فى ذلك عدة مرات، عبر تليفون أحد الركاب وتليفون قائد الطيارة.

ظلت جميع المكالمات الهاتفية التى ربطت بين «نرمين» و«نيرة» طوال فترة الاختطاف تتحدث بصوت خافت، فى هدوء، تطمئن عليها وتطمئن المضيفة على ابنها «محمود»، كلمات قصيرة، لكنها كانت كافية لتشفى الصدور وتُهدئ من روعهم، حتى خروجها فى الفوج الأول المفرج عنه من طاقم الطائرة. بالقرب من بوابة الخروج من المطار كان ينتقل «عبدالرحمن حازم» من كاميرا تلو الأخرى من كاميرات التليفزيون، يتحدث بكلمات مفوهة، عن والده «حازم أبوبكر»، الذى تعرّض للاختطاف ضمن طاقم الطائرة، ويقول إنه تلقى أول اتصال هاتفى من والده بعد الإفراج عنه من الطائرة «أول ما نزلوا من الطيارة»، ومن بعدها انقطع الاتصال به فترة طويلة، بسبب التحقيقات التى استمرت ساعات مع الأمن القبرصى.

دقائق وتصدح فى الصالة أصوات صيحات أهالى المختطفين، بمجرد ظهور أبنائها فى صالة الوصول، أحضان وقبلات ودموع ضجت بها الصالة، فرحة حلت على العيون الخائفة، الجميع يحضن ذويه فى سعادة بالغة، وسط تكالب شاشات البرامج الفضائية التى بذلت محاولات مضنية فى تحويل مسار العائدين من طريقهم نحو منازلهم إلى استوديوهات البرامج، لكن فشلت، فالجميع متعب، والجميع يحمل الإجابات نفسها.

فى الوقت نفسه، استطاع «عبدالرحمن» أن يُنقذ والده من وسط الكاميرات ويتجه به نحو باب الخروج، «حازم» الذى كان أول من تحدّث للمختطف يتصبّب عرقاً، ويقول لـ«الوطن»: إنها أصعب رحلة مرت عليه، لن ينساها طوال حياته «بس الحمد لله، جميع الركاب وصلوا بالسلامة، وده الأهم».

كان «حازم» بشعره الأشيب أول من التقى الرجل الذى كان مرتدياً للحزام الناسف حول خصره فى مؤخرة الطائرة: «ورّانى الحزام الناسف والزرار إلى كان دايس عليه»، وأبلغ قائد الطائرة عمرو الجمال على الفور، وأعطاه الورقة التى دسّها له المختطف فى يده، يطالب فيها قائد الطائرة بالهبوط فى أحد مطارات «قبرص» أو «تركيا»، مهدداً بتفجير الطائرة فى حالة الهبوط على الأراضى المصرية.

يصف «حازم» وضع المختطف فى بداية الأمر بالعصبية المفرطة: «كان بيتكلم بكل قوة وشدة»، لكن سرعان ما تحلى بالهدوء بعد تحضير كوب من الشاى وفنجان من القهوة له: «قلنا مش لازم نعالج الأمور بعصبية، بالعكس، أخدنا الموضوع بهدوء والحمد لله».

إبراهيم سماحة، المختطف الذى ظهر اسمه على ألسنة المسئولين متهماً بأنه هو الخاطف، خبر سرعان ما انتشر على المواقع الإلكترونية ووكالات الأنباء العالمية، قبل أن تنفيه السلطات المصرية سريعاً، الرجل الذى وجد نفسه متهماً بالإرهاب واختطاف الطائرة التى يجلس على متنها، يقول لـ«الوطن»، إنه لم يعرف باتهامه إلا بعد الإفراج عنه، من خلال اتصال هاتفى بزوجته، التى روت له ما حدث، وما يُقال عنه، وبمجرد أن أنهى المكالمة حتى استقبل الكثير من الرسائل من أصدقائه وأقاربه يؤكدون ثقته به وعدم صحة ما يُنقل من أخبار.

«سماحة» يقول: «الناس عمرها ما صدقت، ولا يمكن يصدقوا أنى أكون إرهابى»، مشيراً إلى بيان مجلس الوزراء الذى خرج لإظهار الحقيقة، وتأكيد أن ما حدث مجرد لبس، وانتهى، ولم يتخطَ الأمر ذلك، ولن يتعدى ما حدث مجرد شائعة ظهرت وسط اللغط الحادث من أزمة كبيرة تتعرّض لها دولة بحجم مصر.

محمد طنطاوى، نائب مدير إحدى الشركات، يقول إنه «بعد عشر دقائق من إقلاع الطائرة، وجدنا المضيفات يجمعن جوازات السفر الخاصة بالركاب، وبعدها شاهد الجميع مياه البحر المتوسط، وهو ما كشف لنا أننا لسنا فى طريقنا نحو القاهرة، وسألنا المضيفات فقالوا إننا متوجهون إلى قبرص، وبالضغط على المضيفات، كشفن لنا عن اختطاف الطائرة». «طنطاوى» لم يتحدث مع المختطف، خصوصاً بعد تحذير طاقم الطائرة من التعامل معه، خوفاً من إثارة غضبه، ولم يشاهد الرجل إلا وهو يمسك بسلك أسود ويُهدد، ويلف حول جسمه الحزام، لكن لم يتحدث مع أىٍّ من الركاب.

وتابع «طنطاوى»، أن عملية إخلاء سبيلهم بدأت بالنساء والأطفال، لكن سرعان ما تراجع «المختطف»، قبل أن يطالب بإطلاق سراح النساء المصريات فقط وأطفالهن، وبعدها المصريون بوجه عام، وطالب ببقاء الأوروبيين والأمريكان داخل الطائرة، حتى أفرج عن جميع الركاب، وأبقى على الطاقم، ثم بدأ بالإفراج عن الطاقم على دفعات، حتى انتهاء الأمر.

ريمون رمسيس، طبيعة عمله تدفعه دائماً إلى السفر والتنقل بالطائرة، فهو مهندس طيران ويعمل بين القاهرة والإسكندرية، لكنه يقول إن الأمور كانت طبيعية فى مطار برج العرب، ولم تكن الأمور غريبة أو مثيرة أو مختلفة، بل كانت الإجراءات تسير كما اعتادوا عليها دائماً من تفتيش وجميع خطوات السفر والإقلاع، حتى ظهور المختطف، الذى لم يتعامل معه، ولم يهدد أياً من ركاب الطائرة بشكل مباشر، حسب روايته.

يرفض «رمسيس» أن يُحمّل أمن المطار أو شركة الطيران أى مسئولية عن الحادث، الذى يصفه بالغريب والمثير، ويقول إن تعامل طاقم الطائرة الذى يصفه بالرائع، والذى اتسم بالهدوء، هو ما حماهم من أى ضرر أو أى تصرّف غير مسئول يخرج عن الرجل الذى لم تظهر عليه أى من علامات الخلل العقلى.

وتابع «رمسيس»: إن كانت هناك إجراءات شديدة فى التدقيق من المفرج عنهم من الطائرة من السلطات القبرصية، فذلك كان لضمان عدم وجود أى مشتبه به آخر وسط صفوف المفرج عنهم.

 


مواضيع متعلقة