عم "علي": المادة 62 تهددني بالموت البطيء
جسد نحيل أعياه المرض، ووجه شاحب غارق في الاصفرار، سكنه الألم منذ سنوات، حتى أصبح ضيفا دائما على المستشفيات، يزورها فى الشهر مرتين لتناول جرعات الدم والكيماوى.
لم ييأس من رحمة الله. حزم علي إبراهيم، 60 سنة، حقيبته ذات صباح وقبل ابنتيه الصغيرتين، واصطحب زوجته "ليتعكز عليها" في طريقه الطويل إلى مستشفى التأمين الصحى بالزقازيق. أنهى إجراءاته المعقدة وانصرف إلى مستشفى الجامعة، حيث العيادات الخارجية التى تعالج الآلاف من أقرانه، انتظر دوره فى طابور طويل حتى انتهى النهار.
كتب له الطبيب العلاج اللازم، قربتين من الدم وثالثة للصفائح، مع أدوية كيماوية أخرى لا يتجرعها إلا من كانت لديه أورام خبيثة مثله. اعتاد الرجل أن يبيت بضعة أيام فى أجنحة المستشفى شديدة الإهمال. وقبيل آذان المغرب توجه إلى الموظف المختص بإنهاء أوراقه قبل أن يصعد إلى قسم الأورام فى الطابق الخامس كما اعتاد على ذلك من قبل، لكنه فوجىء هذه المرة بمنعه من دخول المبنى بحجة انتهاء تعاقد مستشفيات الجامعة مع هيئة التأمين الصحى بسبب ديون لم تدفعها.
تغيرت ملامح الرجل تماما، وكاد يسقط على الأرض لولا تدخل زوجته الشابه التى لم يفلح بكائها وتوسلها للمسؤولين فى تغير الأمر، أخبرتهم بخطورة حالته حيث يعاني من سرطان فى النخاع الشوكى وفى حاجه ماسة إلى العلاج. المسؤولون قابلوا ذلك دون أن تهتز لهم شعرة واحدة أو يحزن قلبهم، فقرر العودة إلى بيته من جديد، ولم يحصل على العلاج.
استمع إلى الخبراء خلال مناقشاتهم حول مواد الدستور. لم يهمه فى ذلك سوى المادة 62، تابعها بشغف، لم يقنعه ما جاء بها، ولم تعوض صبره خيرا، وهو من معدومي الدخل. ذاق ألوانا من العذاب خلال رحلات علاجه في السنوات الماضية. زوجته أيضا لم تسلم من تلك العذابات وانتظرت شهرين كاملين حتى وافق الطبيب على إجراء عملية "اللوز" لها بمستشفى فاقوس العام، ولم يوافق على إجراء العملية إلا بعد فضح تجاهله بين زملائه.
يرى علي إبراهيم أن الدولة لم تحدد من هو غير القادر، فهو لا يستطيع العمل حاليا بسبب مرضه ولا يوجد دخل لديه. وتساءل كيف ستشرفوتراقب الدولة على المستشفيات سيئة السمعة؟. تشاؤم الرجل زاد بعد إقرار الدستور، ولم يجد إلا تفويض أمره لله.