الإندبندنت تودع شارع الصحافة البريطانية

كتب: بي بي سي عربي

الإندبندنت تودع شارع الصحافة البريطانية

الإندبندنت تودع شارع الصحافة البريطانية

أربع صحف كبرى شكلت المشهد الصحفي البريطاني على مدى عقود، التلجراف والتايمز والجارديان والإندبندنت.

لكن المشهد في شارع الصحافة البريطاني العريق فليت ستريت لن يعود أبدا كما كان بعد إعلان صحيفة الإندبندنت وشقيقتها الأسبوعية التي تصدر الأحد إندبندنت "أون صنداي" التوقف عن الصدور في طبعتها الورقية مكتفية بالطبعة الإلكترونية.

أصدرت الإندبندنت طبعتها الورقية الأخيرة في السادس والعشرين من مارس، بعد ثلاثين عاما على انطلاقها ليسدل بذلك الستار على حقبة مهمة في تاريخ الصحافة البريطانية المكتوبة بل وتاريخ الصحافة في العالم.

وقالت شركة ESI ميديا المالكة للاندبندنت إنها ستبيع أيضا i newspaper الشقيقة الصغرى للإندبندنت لمطابع جونستون لقاء مبلغ 24 مليون إسترليني بعد موافقة حملة الأسهم في شركة جونستون.

وبالتوازي مع ذلك الإعلان أعلنت شركة ESI ميديا أنها سوف تستغني عن خدمات بعض موظفيها في قطاع التحرير - في حين سيتم الإعلان عن 25 وظيفة جديدة في مجال الاختصاص الإلكتروني.

وقال مالك الشركة المليونير الروسي يفجيني ليبديف، إن قرار الاحتجاب عن الطبعة الورقية جاء من أجل الحفاظ على اسم الإندبندنت، وحتى يتمكن القائمون عليها من الاستثمار في المحتوى التحريري الفائق الجودة الذي تعود عليه القراء وبإمكانه أن يجذب القارئ على الموقع الإلكتروني والهواتف الذكية.

وإذا كان الكثيرون في العالم اليوم يشعرون بالأسى لغياب الاندبندنت من عالم الصحافة الورقية فإن مارك أربان الصحفي الذي حرر أول مقال رئيسي في الاندبندنت عندما صدرت للمرة الأولى قبل ثلاثين عاما والذي يعمل الأن مراسلا دبلوماسيا لبي بي سي قال لبي بي سي عربي إنه يشعر بالكثير من الحزن لأن الكثيرين من الصحفيين المتميزين بذلوا الجهد في هذه الصحيفة وأكثر من 100 صحفي سيفقدون وظائفهم.

كانت صحيفة الإندبدنت في بدايتها شابة وفتية اعتمدت على خليط من الصحفيين الشبان والعديد من الصحفيين ذوي الخبرة وكان الهدف خلق صحيفة جديدة بمقاييس تحريرية متميزة كي تنافس على الافضل وتكون في نفس الوقت محايدة على المستوى السياسي ومتحررة من القيود التقليدية لعناصر السوق ودون أن تفرض عليها أي جهة أجندة معينة.

ويقول مارك أربان، إنه مازال يحتفظ بالعدد الاول للصحيفة التي حملت مقالا رئيسيا قام بتحريره ويتذكر جيدا الموضوع الذي كتبه عن غواصة روسية تعرضت لانفجار واندلع بها حريق وغرقت. وكانت الغواصة تحمل أسلحة نووية وكان هناك اهتمام غير عادي بهذا الحادث وتساؤلات عما حدث ولماذا وقع الحادث والمخاطر المتوقعة.

لم يكن الإعلان مفاجئا للكثيرين الذين كانوا يراقبون الأداء المتراجع للاندبندنت خلال السنوات الاخيرة، فبعد أن حققت الصحيفة في الثمانينيات طفرة في المبيعات وصلت إلى 428 الف نسخة يوميا انهارت مبيعاتها إلى أقل من 28 إلف نسخة في منتصف الاسبوع خلال العامين الماضيين.

ولكن لماذا تمكنت الغارديان التي تتخذ منهجا سياسيا مشابها للاندبندنت وتميل لليسار من البقاء وفشلت الإندبندنت في الثبات في وجه متغيرات السوق؟.

يؤكد مارك إربا، أن الجارديان هي الأخرى منيت بخسائر ضخمة تقدر بما بين 60 الي 70 مليون جنيه استرليني خلال العام الماضي فقط. أما كيف تمكنت من البقاء على قيد الحياة فذلك يرجع إلي امتلاكها عددا كبيرا جدا من الأسهم في صحيفة أتو تريدر Auto Trader وهي صحيفة إعلانية للراغبين في بيع سياراتهم.

وقامت إدارة الجارديان ببيع هذه الأسهم في مقابل 600 مليون استرليني، الأمر الذي مكنها من البقاء على مدى العشر سنوات الماضية من خلال المضاربة في مشروع تجاري بحت ناجح.

مجلة نيوزيوك الامريكية تمكنت من العودة إلى طبعتها الورقية بعد أن احتجبت ورقيا لشهور طويلة لكن الكثيرين يشككون في قدرة الإندبندنت على تكرار نفس التجربة، خاصة أن جميع الصحف المطبوعة التقليدية في موقف صعب حاليا فيما يتعلق بقضية التمويل.

هذا الموقف نابع من الركود الاقتصادي ونقص عوائد الإعلان، وأيا كان الحال تبقى تجربة الإندبندنت تجربة فريدة في الصحافة المكتوبة على مستوى العالم، ظهرت في سوق إعلامي متخم بالحسابات السياسية على التيارات اليمينية واليسارية فنجحت خلال الثمانينيات من القرن الماضي في أن تظهر بصورة مختلفة وشابة وجديدة وسط مشهد صحفي يموج بالتقلبات والصراعات والتنافس.


مواضيع متعلقة